جاليريشخصيات

الرهان علي تجديد الخطاب النقدي، بيكاسو … رودان، بين لوحة وتمثال ( القُبلة)

بقلم: عبدالرازق عكاشة، متحف دارنا  

مقال للفنان والروائي عبد الرازق عكاشة

تتلون الأرصفة وخشبة المسرح بألوان بيكاسو (بابلو بيكاسو، Pablo Ruiz Picasso 1880-1973) العبقري المجنون. الافنجاردست (الطلائعي) الفخم ، وربما اللص المحترف حرامي الإبداع الشهير..الذي كان يسرق قلوب السيدات مثل اللوحات ،يرتفع الستار. ينتظر الجمهور العرض .. لكن الملائكة تعتذر عن الحضور.مع بلاغ أول للمخرج: تمثال القبلة السيد المخرج الموقر استوحي من الكوميديا الإلهية للكاتب الشرير (دانتي) وتأثيرات رودان بلقاء الكاتب مع العاشقين بابلو وفراتسيسكا في الجحيم..

بابلو وفراتسيسكا اسطورة إغريقية قديمة وشهيرة.. هذا اليوم. نظر المخرج إلى السماء مستعطفا وبكي .. طالبا من الرب هبوط الأمطار. لتغفر خطئية رودان .لكنه يعود ويتلقي الأعذار. . فالملائكة اليوم لا تهبط في أرض مبلله بالأحقاد. العمل يعكس حالة عشق لكن في الجحيم، يقرأ الرسالة الفيلسوف نيتشه (فريدريش نيتشه 1844-1900) سيد التشاؤمية. ومع ذلك يقول صبرا.. ربما هي جحيم العشاق .. فالفن روح لا يمكن للبشرية الاستغناء عنه. نعم رودان تأثير بالفن الاغريقي والكلاسيكي. لكنه انتزع منه الصور المباشرة باحثا عن جماليات المشاعر. وأضاف عناصر الزمن والجغرافيا وتغيرت المناخ علي أعماله.
فلابد أن تكون الرسالة للمخرج السيد مسئول العرض علي النحو التالي : (سعادة المخرج من الضروري ألا نحضر العرض في المكان والموعد المحدد سلفا.(الجحيم) لغياب الثقافة والوعي . فهذه الأرض التي يعشش فيها الكارهين.
لأن هذه ليست أرض “رودان “و”كمي كوديل “..أرض المحبة والسلام التي نعرفها ..فالمرضي هنا (كثر).وموعد قبلة رودان تأخر ..
وإن عاد بنا المخرج لزمن الرومانسية الحقيقي ، التمثال الأسود من حجر البازلت أو ربما من طين الصلصال، هذه المرة مغطي بقطرات دماء من روح العشاق ..
هذا التمثال تبدو عبقرية من مشاركة كمي كوديل تلميذة وحبيبة رودان .. عبقرية تكمن في شيء سري..لم يكتمل فيزيقيا في الحياة .. فنهض الاثنان من الأسرة البيضاء إلى فراش الإبداع. لعلهم يكملون ما نقص في ليلة حب. انطلقت فيها الشموع. قبل أن يدق جرس كنسية أجسامهم المغطاة بستار المحبة .. لكن المخرج يرى أن ذراعي رودان كانت لا تطول حلم كمي كوديل فتغطيه. ومانقص في الحضن الواقعي ربما حدث في خيال التمثال. الملائكة لا ..تصر أنها قبلة الجحيم،
كورال الملائكة : سيدي المخرج نعتذر عن الهبوط علي خشبة المسرح .
يصرخ نتيشه الفيلسوف : رغم تشاؤمي مما يحدث ، لكن تذكروا أن بيكاسو عاد من جديد .
صوت المجاميع الساهرة : بيكاسو !! نعم .لقد عاد ليكسر الخطوط، ويصنع إلتواءات وانحرافات خطية، تؤكد إما أنه مجنون ، أو مجدد . ما أخذه رودان من الفن الاغريقي. وضعة بيكاسو بجوار ماحفظة من الفن الأفريقي. نتشيه الافريقي .. وما علاقة ذلك؟!
المخرج: إنها اتساع الثقافة الوصول إلى الفكر الإنساني، التواصل الحضاري.. انظر إلى العيون الجاحظة. الواسعة الوجوه المبالغ فيها مثل الفنون الأفريقية البدائية ، شدة العواطف لدرجة أنك تشعر بالعنف، ربما لاشيء بين الاثنين. لكن ذكاء النقاد. ربط بينهم.
الكورال : ربما، لكن بيكاسو كان يجيد اللعبة .
الملائكة : مرة أخرى.
هنا في تلك الليلة (للمسرحية) التي رفعت فيها الأسلحة العاطفية ،رغم جحيم دانتي ورودان.. وعنف بيكاسو والفنون البدائية، فغابت شمس العشاق.الحقيقة الحرة لدراما العاملين.
السيد المخرج المساعد منفذ العرض: أعلم أن الصلاة في محراب الظالمين باطلة .
أما عند الأنقياء صلاة حالمة. وعند المبصرين صلاة طاهرة. وعند الصوفين صلاة العدالة..ونحن لانعرف مقايس عدالتكم …
المخرج : مرحبا بكم ومعك السيد نيتشه . لكن سؤال هل تعرفون – أنتم_ مقياس المحبة؟ أم نحتاج جمعيا للفيلسوف نيتشه لتفسير العشق والغزل والأحلام ؟ونبعد قسوة وتمرد دانتي ونصة الخيالي عن الجحيم، الذي فاق تصور البشرية. نعود إلى مقاييس قُبلة الحياة بعيدا عن النشوة، قبلة رودان الرومانسية التي أبهرت الفنان النمساوي الكبير “غوستاف كليمت ” 1862-1918 فرسمها في لوحة الشهيرة، وحدث فرويد صديقه الفيلسوف الأخر عن رودان بعد زيارة لباريس ١٩٠٥ ومشاركته في صالون باريس وإعجاب رودان بأعمال، وجنون كليمت بتفكير رودان السابق لزمنه .رغم انه مستوحي من الفنون الاغريقية.
صوت المخرج صارخا : ولما لم تعجب بيكاسو تلك القبلة وتمرد عليها، في خطوط عجيبة لا تسمي جادة ولا ساخرة، لاضعيفة ولا قوية؟
الفيلسوف نيتشه : نعم !! ربما تسمي لعب. فاللعب في الجد هو اللإبداع والدهشة ،ثم الصمت هو حالة الصدق التي نسعي لها.
بيكاسو : هو الجنون في الوصول إلى المتلقي بحرفية من أقصر الطرق وأعجبها. اللعبة هنا عنده كرسام في لوحة القبلة استخدم فيها التفكيك العضوي، والتحليل الشخصي. الاتزان اللوني للاسود والابيض والرمادي.. بيكاسو في لوحته يحلل جماليات مشاعر رودان.
المخرج : وماذا عن رودان ؟
يرد نيتشه: أصلا رودان رهيب ..كان يجرب ويجرب يبحث في القديم ليطور، حتي تفوق وجرد وغرد خارج السرب، جعل من كل متذوق يشاهد التمثال مع الحبيبة يشعر أنه ابن شرعي لتلك اللحظة الزمنية النادرة…يصنع هرماني غريب مدهش مبهر .
المخرج : إذا رودان كان ينحت مشاعر وأحاسيس لم تنحت من قبل ..ترك المباشرة وغاص في العمق.. ترد الملائكة التي تصر علي عدم هبوط المسرح.. ورد حق الغائبة ؛ الفنانة كمي كوديل ما كان رودان نحت كل ذلك.لولا هي التي حولت معه الجحيم الي جنة العاشقين .
المخرج : الآن فهمت لماذا إلتقط بيكاسو ورسم حالة العنف في قبلة أوقفت الزمن عندها .. ولأن بيكاسو ساحر قاريء رهيب التقط حساسية اللعبة فرسمها. قفز عليها فطور في أشكالها. ليظل بيكاسو في منطقة جديدة أخري موزاية للسيد رودان ولكل المجددين السابقين .
باريس – عبد الرازق عكاشة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى