جاليريشخصيات

المهاجر المبدع الفنان سامي يوسف

بقلم: عبد الرازق عكاشة، متحف دارنا

لم يغادر مصر يومًا قلب الفنان سامي يوسف، المقيم في أمريكا.
فهناك مهاجرون لم تغادرهم مصر، كشعارات ورسوم ساذجة، لكن هجرة الفنان المثقف مثل سامي يوسف، غير.
مصر التي تسكنه، رغم أنه الآن لا يسكنها، فدائمًا قلبه معلّق في فضاء الإبداع المصري، غارق في الثقافة المحلية، رغم أنه يسكن آخر نقطة عن حدود العالم في أمريكا.

سامي يوسف متابع بشكل مدهش. من أسبوع، أرسل لي هذه اللوحة الابتكارية الجديدة، لأنه يعلم عشقي (للافنجاردست)، الطلائعيين والمجددين، في الحياة والإبداع. وأعلم صعوبة العمل في خامات الموزايك،
بل ليس الموزايك فقط، بل أضاف في التفاصيل المهمة ٢٥ خامة مختلفة،
يجدّد ويضيف ويحذف، ثم يعود ويضيف، بحثًا عن حالة غنى، ثراء لوني، وكرم إبداعي.

متخيل، عزيزي القارئ، سحر العمل، السفر، جوه بحر الإبداع، السفر في التكوينات الصغيرة من الصلصال الملوّن، كما يقول هو بنفسه:

(تلك التكوينات الملوّنة
بألوان أكريليك وألوان زجاج، وإضافتها إلى سطح اللوحة لعمل تأثيرات خيالية وغير تقليدية).

يتحدث عن اللوحة وكأنها حالة سفر ساحرة، أما في إبداعية ما يقول، هو التوازي مع جمالية التصميم، وأرضية العمل،
والبارز والمنحوت والمضاف والملغى المحذوف، فعلاً إنها رحلة سفر طويلة داخل وعاء الإبداع.

لكن البديع في عمل سامي يوسف هو العنصر الزمني (الصبر).
بدأ هذا العمل وانتهى منه في حوالي خمس سنوات، يذهب ويعود، يضيف ويحذف، يسأل نفسه ويجيب:

أين أعمالي في خريطة الإبداع؟
التي تتغيّر كل يوم طبقًا لمستجدات إنسانية وتحركات عالمية تحكم الإبداع.

وهنا يذكّرني عمله بأعمال د. عمر النجدي، الذي مزج فيها الرسم والجرافيك والنحت الخزفي والحديدي والمينا (الصدف).
كانت أعمال النجدي في هذا المجال مدهشة، لكنها تدور في فلك مدرسة الحداثة التي تغيّرت أشكالها
بعد الحرب العالمية الأولى والثانية.

أما عمل سامي يوسف، الذي دمج فيه النحت والخزف الملوّن أو الصلصال وخامات عديدة وصلت لرقم ٢٥ خامة، فهذا شيء خيالي. وهو عمل أبعد بكثير من رحلة النجدي التي توقفت عند الهيكل التعبيري، الإطار المتعارف عليه.

ليأتي سامي يوسف ويجدّد الرحلة، لكن من منظور ما بعد الحداثة، ويطرح علينا #رواية_التصالح، حتى مع أشياء يُعاد تدويرها. فعلها فنانو (كوبرا) من قبل، لكن دائمًا في إطار حداثي. عمل سامي يوسف يقف عند انتهاء رحلة الحداثة، ليقفز بنا في رحلة أبعد.

لكن الجميل هو اعتماده في الأساس على فن الموزايك المصري الأصيل. حتى الإطار الخارجي للعمل هو جزء من موزايك تركيب العمل، وهذا طبيعي لفنان مثقف، إنسان، وهذا مهم، ومتابع، وقارئ.

فنان جدًا تكتشفه عند قراءة مصداقية الفنان داخله. دمت مبدعًا، مستنيرًا، مميزًا، الفنان المصري القدير سامي يوسف.

عكاشة، متحف دارنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى