جائزة الإعلامية الشهيدة أطوار بهجت تكرم نخبة من النساء
الشاعرة دليلة حياوي: المرأة العربية لا تموت أبدًا، حتى لو بُذرت هشيمًا في الرمضاء!


عادت الشاعرة دليلة حياوي، ذات الجذور المغربية والمقيمة في إيطاليا، إلى أوروبا فجر الجمعة الماضية على متن آخر طائرة غادرت الأجواء العراقية قبل الإغلاق المؤقت بسبب تطورات الأحداث السياسية والأمنية الأخيرة في البلاد. جاءت مشاركتها ضمن فعالية نوعية أقيمت في العاصمة بغداد وينظمها منتدى الإعلاميات العراقيات برئاسة الدكتورة نبراس المعموري برعاية رئاسة الوزراء، وذلك في إطار الدورة الرابعة عشرة لـ جائزة الإعلامية الشهيدة أطوار بهجت، التي تكرم سنويًا نخبة من النساء المتميزات في مجالات الإعلام، الإبداع، الفكر، والالتزام المجتمعي.
حظيت هذه الدورة بحضور رسمي لافت، حيث استقبلت المكرمات سيدة العراق الأولى، إلى جانب رئيس مجلس النواب العراقي وشخصيات دبلوماسية وثقافية عراقية وعربية، في احتفاء رمزي يعكس أهمية المناسبة ومكانة المرأة العربية في مسيرة النهوض بالمجتمع. وكانت الشاعرة حياوي من ضمن ضيفات الشرف إلى جانب زميلات من مختلف الدول، تألقن بعطاءاتهن في مجالات الإعلام والأدب والفن.
كلمة الشاعرة في التكريم:
أعربت حياوي في كلمتها المؤثرة عن عمق ارتباطها الرمزي والشخصي بالعراق، قائلة إن زيارتها الثالثة إلى أرض الرافدين تمثل لها “تكليفًا أكثر منه تشريفًا”، مرافِقة قدومها إلى بغداد بصورة قمرية ملهمة أسمته كما في الثقافة الإيطالية: “بدر الفراولة”.
ورسمت من خلال تجربتها الشخصية بين بابل وبغداد وروما ومراكش، خريطة وجدانية للمرأة العربية التي لا تموت أبدًا، على حد وصفها، “حتى لو بُذرت هشيمًا في الرمضاء”. وأهدت هذا التكريم لروح الإعلامية أطوار بهجت، مؤكدة أن رسالتها الإنسانية تُحمَل اليوم من قبل كل النساء، أياً كانت مهنتهن أو ظروفهن الاجتماعية، لأنهن جميعًا “فتيل الوجود الذي لا يخبو”.
جائزة أطوار بهجت، التي تحمل اسم الإعلامية العراقية الراحلة، باتت مرجعًا سنويًا لتكريم النساء العربيات المتميزات في ميادين العمل الإنساني والإبداعي، وتحمل بُعدًا رمزيًا قويًا في تخليد الذاكرة النسوية في السياق العراقي والعربي. وتُعدّ مشاركة شخصيات مرموقة من العالم العربي وأوروبا تأكيدًا على البعد الأممي للتكريم، وعلى انفتاح العراق على الفضاء الثقافي الدولي، حتى في أوقات التوتر والصعوبات.
الحدث تم بمشاركة فاعلة من الفنانة إيناس طالب، وبتنسيق ثقافي وفني مكثف ضم أسماء لامعة من الوسط الإعلامي والدبلوماسي العراقي، بينهم الدكتور مزهر، والدكتور البجيل حسين، والدكتور القاسمي.
تمثل مشاركة دليلة حياوي في هذه الدورة جسرًا ثقافيًا وروحيًا بين ضفاف المتوسط والعراق، كما تعبّر عن تجذر التضامن النسوي عبر القارات، حيث تحوّل الفن والشعر إلى منصّة للسلام، وتكريم الشجاعة النسوية، واستحضار الذاكرة، في بلد يُعيد ترميم ذاته من قلب رماده المتكرر.
في الختام، تشكّل شهادة حياوي في بغداد صوتًا شعريًا وإنسانيًا، يحمل رسالة المحبة والتقدير لأرض العراق وأهله، ويؤكد أن الشعراء لا يحضرون فقط للمهرجانات، بل للعناق الحضاري مع التاريخ والمستقبل، مهما تكررت العواصف وتغيّرت الخرائط.
نص الكلمة:
“في إيطاليا يرددون مثلا شعبيا مفاده: لا توجد مرتان دون ثالثة.. أي الثالثة دايمن ثابتة.. وإنه لتكليف ثالث في عرفي وليس تشريفا فحسب.. المرة الثالثة التي أعانق فيها أرض العراق بمعزة.. وأقبل جبين أهله بمحبة.. ومتى؟ والبدر العملاق بحُمرته في أوج اكتمالها بالسماء.. بدر يسمونه في إيطاليا بدر الفراولة.. وقد كان رفيقي ليلة أمس وأنا على متن الطائرة.. صوب بغداد كان يوشوشني كلما استرقت إليه النظر من خلف النافذة الصغيرة: طوبى لك.. فأنت سترفلين بين دروب العنقاء بغداد وتنعمين بأنس أهلها الكرماء.. في المرة الأولى عدتُ من بابل بمسلة حمورابي في يدي وفيض محبة بين جوانحي..
وفي المرة الثانية عدت من بغداد بأسد.. نعم أسد مقتبس من بوابة عشتار وفيوضات محبة بين جوانحي..
هذه المرة سأعود إلى روما وبعدها مراكش حاملة بنبضي وبناظري رسالة الشهيدة “أطوار بهجت ” الإنسانية حيثما رحلتُ وارتحلتُ.. فكُلنّا خالدة الذكر تلك.. سواء الأكاديمية منا.. الفنانة.. الحرفية.. الإعلامية.. العاملة.. الموظفة.. المزارعة أو ربة البيت.. وكل من غفلت ذكرَها من نسيجنا المجتمعي المتكامل..كلنا فتيل الوجود.. فتيل لا يخبو.. رغم أنف الدهر وصروفه غير العادلة أحيانا.. فأبدا لا تموت النساء.. ولو بذرت هشيما بالرمضاء..
اسمحوا لي أن أتقدم بباقات شكر للدكتورة “النبراس المعموري”.. النبراس النيّر والمنير ولكل الطاقم التنظيمي الفذ والصبور في آنٍ.. ولمنتدى الإعلاميات العراقيات وللفنانة الكبيرة قدراً ومقاما إيناس طالب ولزميلات الحرف والإبداع في هذا السفر الفكري والإنساني الماتع.. وشكر خاص لرئاسة الوزراء وللدكتور البجيل حسين وللأساتذة الأجلاء على الحفاوة وحسن الترحيب.. وللأديب اللبيب الدكتور مزهر.. وكل الصديقات والأصدقاء بل الأخوات والإخوة الذين آزروني في هذا العرس المسائي.. دون إغفال الدكتور القاسمي وباقي التمثيليات الدبلوماسية الشاهدة معنا اليوم بأن العراق برقراقيه: دجلة والفرات ما فتئ وما زال وما انفك يغسل أدران العالم وقبحَ أوزاره.. كما بئره الكائنة بمعبد ننماخ في الحلم البهي المدعو بابل..”