أدب

سقوط واستغلال السند في العصر الحديث

مراجعة رواية "مهراجا داهر" للكاتبة ديباسري تشاكربورتي

رواية “مهراجا داهر” للكاتبة الهندية ديباسري تشاكربورتي، التي تتخذ من كولكاتا مقرًا لها، تعد عملًا طموحًا في مجال الرواية التاريخية، إذ تمزج بين الأحداث الحقيقية والسرد الإبداعي لتسليط الضوء على ثلاث مراحل تاريخية بارزة. كُتبت الرواية في الأصل باللغة البنغالية، ثم تُرجمت إلى الإنجليزية بواسطة راجيش جيري من كولكاتا، وإلى اللغة السندية بواسطة الصحفي والكاتب البارز ناصر إعجاز من إقليم السند في باكستان. تتناول الرواية موضوعات الخيانة والمقاومة والاستعمار والبقاء، مما يجعلها قراءة مثيرة لكل من يهتم بالتاريخ والسياسة.

تنقسم الرواية إلى ثلاث مراحل مترابطة:

  1. سقوط السند (القرن السابع – الثامن الميلادي)

  2. التجسس في باكستان الشرقية (حرب استقلال بنغلاديش 1971)

  3. استغلال السند في العصر الحديث
    تُربط هذه المراحل الثلاث ببحث محوري عن يوميات قديمة تعود إلى بنات مهراجا داهر، مما يخلق جسرًا بين الماضي والحاضر.

The Author Debasree Chakraborti

 

المرحلة الأولى: سقوط السند

تبدأ الرواية بوصف درامي للغزو العربي للسند في القرن السابع، والذي بلغ ذروته بفتح السند عام 712 م على يد محمد بن القاسم. تقدم تشاكربورتي صورة بطولية لمهراجا داهر، حيث يظهر كحاكم شجاع قاوم بشراسة رغم الخيانة التي تعرض لها من قبل التجار واللاجئين العرب الذين منحهم اللجوء.
تصور الرواية الحرب بمزيج من الدقة التاريخية والدراما المؤثرة، إذ لا تتردد الكاتبة في وصف فظائع الفتح العربي، مثل تدمير المعابد واستعباد النساء السنديات ونهب المنطقة بوحشية.
أحد أكثر المشاهد المشحونة عاطفيًا هو مصير بنات مهراجا داهر، اللاتي أُسرن وأُرسلن كـ”هدايا” إلى الخليفة العربي. في تحول مفاجئ للأحداث، تنتقمن من محمد بن القاسم، مما يؤدي إلى إعدامهن بوحشية.
هذا الجزء من الرواية يثير اهتمام القارئ، خاصة لمن يهتمون بتاريخ جنوب آسيا، إذ يتحدى السرد التاريخي التقليدي من خلال تسليط الضوء على مقاومة أهل السند بدلًا من التركيز فقط على هزيمتهم.

Nasir Aijaz, the translator of the novel to Sindhi

المرحلة الثانية: التجسس في باكستان الشرقية (1971)

ينتقل السرد إلى العصر الحديث، تحديدًا إلى عام 1971 خلال حرب استقلال بنغلاديش، حيث تأخذ الرواية طابع الإثارة والتجسس. تتبع الأحداث عميلًا هنديًا يتسلل إلى باكستان بهوية مسلمة مزيفة، في مهمة تهدف إلى العثور على يوميات تعود إلى إحدى بنات مهراجا داهر، والتي تحوي أسرارًا تاريخية خطيرة.
يبرز هذا الجزء تفاصيل عن العمليات السرية بين الهند وباكستان، كما يسرد فظائع الحرب، وربطها بالظلم التاريخي الذي عاناه إقليم السند.
تضيف العناصر التجسسية عنصرًا من التشويق، مما يجعل القارئ في حالة ترقب دائمة. وعلى الرغم من أن هذا الجزء خيالي، فإنه يعكس التوترات الواقعية بين الهند وباكستان، ويوضح كيف يستمر الماضي في تشكيل العداوات السياسية في الحاضر.

المرحلة الثالثة: استغلال السند في العصر الحديث

بالتوازي مع الحبكة التجسسية، تسلط الرواية الضوء على القمع المستمر للهندوس في السند، متناولة قضايا مثل التحويل القسري للدين، والاتجار بالبشر، والتفاوت الاقتصادي بين السند والبنجاب.
تشهد الرواية نقطة تحول عندما ينقذ البطل فتاة هندوسية أُختطفت من السند وأُجبرت على اعتناق الإسلام، ثم بيعت في لاهور. قبل أن يتمكن من تحريرها، كانت تُدرب لتصبح انتحارية. مع تطور العلاقة بينهما، تتحول إلى قصة حب، تضيف بعدًا عاطفيًا للرواية. زواج البطل بالفتاة يُمثل انتصارًا رمزيًا على القوى التي سعت إلى محو هويتها.
تقدم هذه المرحلة رسالة قوية بأن الظلم التاريخي لا يزال مستمرًا بأشكال مختلفة، حيث تربط تشاكربورتي بين الغزو العربي للسند واضطهاد الهندوس في العصر الحديث، مؤكدة أن نضال السند من أجل العدالة والاستقلال لم ينته بعد.

الأسلوب والتأثير الأدبي

تمتلك تشاكربورتي قدرة سردية قوية، إذ تجمع بين الدقة التاريخية والأسلوب الروائي المشوق، ما يجعل القارئ يعيش أجواء الأحداث بكل تفاصيلها.
وصفها للمعارك والقصور السرية واجتماعات الاستخبارات وشبكات الاتجار بالبشر مفصل ومثير للخيال، مما يعزز من انغماس القارئ في كل مرحلة زمنية.
واحدة من أبرز نقاط قوة الرواية هي عمقها العاطفي، حيث تتنوع المشاعر بين مأساة بنات مهراجا داهر، والصراعات الأخلاقية لبطل الرواية، والمعاناة الحديثة لأهل السند، مما يجعلها رواية تحرك المشاعر وتدفع للتفكير.

الانتقادات والجدل

نظرًا لموضوعها الجريء، فإن “مهراجا داهر” مرشحة لإثارة نقاشات واسعة. تتحدى الرواية السرديات التاريخية التقليدية، حيث تقدم الفاتحين العرب كمحتلين قساة وليس كـ”محررين”، وهي وجهة نظر قد لا تلقى قبولًا لدى جميع القراء.
كما أن تناولها للقضايا السياسية والاجتماعية في باكستان، خصوصًا معاناة الهندوس في السند، قد يُعتبر جدليًا، حيث قد يرى البعض أن الرواية منحازة للهند في تصويرها لأجهزة المخابرات وعلاقاتها بالقضية السندية.
لكن من الناحية الأدبية، تمثل الرواية سردًا مضادًا، يمنح صوتًا للمهمشين الذين لم يحظوا باهتمام كافٍ في الروايات التاريخية السائدة.

الخاتمة: ملحمة تاريخية قوية

ليست “مهراجا داهر” مجرد رواية تاريخية، بل هي عمل سياسي وعاطفي يعيد إحياء الماضي ليعكس قضايا الحاضر. من خلال تناولها للمقاومة والخيانة والبقاء عبر ثلاث فترات تاريخية مختلفة، تقدم تشاكربورتي قصة مؤثرة تبقى عالقة في أذهان القراء.
بالنسبة لمن يهتم بتاريخ جنوب آسيا، أو الروايات السياسية، أو الأعمال التي تتحدى السرديات السائدة، فإن “مهراجا داهر” قراءة لا بد منها. إنها واحدة من تلك الروايات النادرة التي تجسر الهوة بين الماضي والحاضر، لتؤكد أن التاريخ لا يزال حيًا في حاضرنا المعاصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى