
قبل 12 سنة، كان الأمن في شرق آسيا يتأرجح وسط بحر هائج. فقد تفاقمت أزمة كوريا الشمالية النووية بشكل كبير وسط النزاعات الإقليمية القائمة والصراعات العميقة الجذور بين دول المنطقة. وتسعى الدول المعنية مباشرة، كوريا الجنوبية، الصين، واليابان، إلى إيجاد نظام جديد في ظل التحولات الجارية في موازين القوى. وفي إطار البحث عن حلول منطقية للصراعات التاريخية في شرق آسيا، تعاونت AsiaN ومؤسسة تاريخ شمال شرق آسيا لتقديم سلسلة مقالات يكتبها خبراء حول القضايا الراهنة في المنطقة. ستشمل هذه السلسلة تحليلات معمقة ورؤى استراتيجية وحلولًا مدروسة، وستُتاح بأربع لغات: الإنجليزية، الكورية، الصينية، والعربية. آنذاك كانت هذه مقالتي، التي وجدت أنها لا تزال صالحة للقراءة اليوم
أشرف أبو اليزيد
نهر تايدونغ يبدو أكثر جمالًا عند الغروب
يهب النهرُ الحياة لمدينتنا.
نهر تايدونغ،
القائد الأبوي كرس حياته كلها له،
لذا فهو أثمن من أي شيء آخر.
القائد العظيم يقدره كثيرًا،
ولذلك تمجّد اسمه.
عندما نخدم وطننا بإخلاص،
وبكل ما أوتينا من قوة،
سنجد السعادة الحقيقية في الحياة.
“عجلات السعادة” والفيلم الكوري الشمالي
استمعنا إلى هذه الكلمات كأغنية في نهاية الفيلم الكوري الشمالي “عجلات السعادة“، الذي كتبته كيم سونغ أوك وأخرجه الفنانان المكرمان جونغ كون جو وريم تشو هو، مع موسيقى كيم يونغ سونغ.
يحكي الفيلم قصة المهندسة المتزوجة جي هيانغ (الممثلة: ري مي يانغ) التي اضطرت إلى التوقف عن العمل لمدة عشر سنوات لتربية طفليها ومساعدة زوجها، قبل أن تقرر العودة إلى عملها.
كانت عودتها إلى المجال الهندسي صعبة للغاية، إذ وجدت نفسها كعضو موهوب في مكتب التصميم، مضطرة للنضال من أجل استعادة مكانتها. أدركت أن ترك مسيرتها المهنية كان خطأً كبيرًا، بينما كان وطنها، تحت رعاية القائد العظيم، يواصل البناء دون توقف. اكتشفت أن زملاءها قدموا تصاميم معمارية متطورة لوطنهم خلال غيابها، مما دفعها إلى إعادة تصميم مشروع ضخم بنفسها.
وفي النهاية، تعيّنها لجنة الحزب رئيسة لقسم التصميم. وقد حصل استوديو السينما الكوري على وسام كيم إيل سونغ تقديرًا لإنتاج الفيلم، الذي مثل كوريا الشمالية في أسبوع السينما في الكويت قبل 12 سنة وقمتُ بترجمته إلى اللغة العربية.
هل يعكس الفيلم المجتمع الكوري الشمالي؟
أتساءل إن كان هذا الفيلم يمكن اعتباره دليلًا لفهم المجتمع الكوري الشمالي من الداخل. خارج كوريا الشمالية، نجد أنفسنا نتصرف وكأننا نفهم واقعهم ودوافعهم أكثر منهم، مما يجعلنا الوجه الآخر لعملة الديكتاتورية!
لا أحد ينظر إلى كوريا الشمالية بعيدًا عن صورتها النووية التي تعرضها وسائل الإعلام العالمية، والتي تركز فقط على “سلوكها السيئ”. ولكن هل تساءل أحد عن لماذا تتصرف كوريا الشمالية بهذه الطريقة؟
ازدواجية المعايير في الشرق الأوسط
المثير للدهشة أن هذا الأمر يثير تساؤلات في الشرق الأوسط نفسه، حيث قد يتساءل العرب: لماذا تُعتبر كوريا الشمالية (جنبًا إلى جنب مع إيران) رمزًا للشر، بينما تُمنح إسرائيل، التي تمتلك أسلحة نووية، الحق في التصرف بنفس الطريقة دون أي لوم أو عقوبات؟ كتبت هذا الكلام قبل 12 سنة أثبتت المعنى نفسه مجددا
إذا كنا نعتقد أن صورة كوريا الشمالية كدولة شريرة ستظل ملتصقة بها إلى الأبد، فعلينا أن نعيد التفكير. فقد تمثل كوريا الشمالية نموذجًا لدول أخرى أرادت أن تحذو حذوها لكنها لم تنجح لأسباب مختلفة.
الحرب الإعلامية وصورة أمريكا
بينما تركز الولايات المتحدة على محور الشر عبر الإعلام العالمي، فإنها غير قادرة على تجميل صورتها أمام الملايين حول العالم، الذين يتظاهرون احتجاجًا على سياساتها: غزو الدول، زعزعة الاستقرار، بل وحتى تدمير البيئة.
لم تعد التظاهرات تقتصر على المسلمين الغاضبين من قتل المدنيين بطائرات مسيّرة في باكستان، بل امتدت إلى الفلبين أيضًا، حيث اجتمع نشطاء فلبينيون وهم يرتدون عصابات رأس عليها صور سلاحف البحر، احتجاجًا على تدمير الشعاب المرجانية من قبل السفينة الحربية الأمريكية USS Guardian، التي جنحت بالقرب من شعاب توباتاها، أحد مواقع التراث العالمي جنوب غرب الفلبين، في يناير 2013. والسلسلة مستمرة حتى اليوم…
الحاجة إلى طريق ثالث
ببساطة، لن تكسب الولايات المتحدة الحرب الإعلامية إلى الأبد، ولن يقبل العالم الاستمرار في الانخراط في حروب غير مرغوبة، تفرضها أمريكا مرارًا، فقط ليكتشف لاحقًا، كما حدث في العراق، أن مبررات الحرب لم تكن موجودة أساسًا. فقد استمرت الحرب هناك لعشر سنوات بحجة تدمير أسلحة نووية لم يُعثر عليها أبدًا.
إذن، كيف نواجه قضايا شرق آسيا؟ الحل لا يكمن في الكلمات المتبادلة أو الحروب المدمرة، بل في إيجاد طريق ثالث.
العقوبات ليست الحل. وأتفق مع السيد شييو يانغ، الباحث البارز في معهد الدراسات الدولية في الصين (CIIS) ونائب رئيس معهد منتدى بواو، الذي أكد في مقابلة مع CCTV (17 فبراير 2013) أن العقوبات لم تثبت جدواها في معاقبة كوريا الشمالية.
وأشار إلى أن الصين ستبقي الباب مفتوحًا لمساعدة كوريا الشمالية على مواجهة العقوبات، لكنها ليست الداعم الوحيد، فكما حدث مع كوبا، جنوب أفريقيا، إيران، ليبيا وسوريا، لم تنجح العقوبات في الماضي، حيث تمكنت تلك الدول من إيجاد طرق سرية لتجاوزها.
الصين وكوريا الشمالية: اختلاف الرؤى حول النووي
هذا لا يعني أن الصين تدعم استمرار كوريا الشمالية في تطوير أسلحتها النووية، بل العكس صحيح. يرى شييو يانغ أن المشكلة تكمن في أن كوريا الشمالية ترى أن التخلي عن برنامجها النووي سيجعلها أقل أمانًا، في حين أن الصين تعتقد أن نزع السلاح النووي سيحقق لكوريا الشمالية الأمن والازدهار من خلال الانفتاح على المجتمع الدولي.
لكن كوريا الشمالية لا تثق بهذه الفكرة، مستشهدة بما حدث في ليبيا والعراق، حيث لم يؤدِ نزع أسلحتهما إلى أي استقرار.
حان وقت بناء طرق جديدة للسلام
السؤال الأهم هو: كيف يمكننا تحقيق التغيير؟
أرى أن السياحة، التعليم، الثقافة، والمشاريع الاجتماعية يجب أن تُشجع أكثر، لتشجيع اندماج الكوريين الشماليين مع جيرانهم. يجب أن يكون هناك “قطار للسلام“ يعبر الصين، اليابان، والكوريتين، ليحمل مسافرين من مختلف الجنسيات، من الروس والفلبينيين وغيرهم. كما يجب تنظيم معسكرات رياضية مشتركة، وزيادة قبول الطلاب الأجانب في الجامعات، وإتاحة عرض الأفلام بحرية.
التغيير يجب أن يحدث على مستويين في كل دولة: على مستوى القيادة، وعلى مستوى المواطنين.
رسالة من “Ek Tha Tiger”
في أغسطس 2012 كنت في الهند، وكان الفيلم الأكثر رواجًا في جميع دور السينما هو “Ek Tha Tiger”، من تأليف وإخراج كبير خان، وبطولة سلمان خان وكاترينا كيف. تدور قصته حول عميل هندي يقع في حب عميلة باكستانية، ويحاولان معًا الفرار من حياة التجسس والانقسامات بين بلديهما.
في نهاية الفيلم، يسأل قائد العميل الهندي: “متى ستعود؟“، فيجيبه: “عندما يؤمن الجميع بأنه لم يعد هناك سبب لخوض الحروب غير المرغوبة.”
وهذا صحيح؛ المستقبل سيكون لنا عندما نؤمن بقوة السلام.
لنبنِ طرق حرير جديدة، يسلكها رسل السلام، وليس غزاة الحروب. “عجلات السعادة” حقيقية، ولكن يجب أن نديرها جميعًا معًا.