
منذ فترةٍ ليست بالقليلة، شهدتِ الدراما التلفزيونيةُ في مِصْرَ حالةً من الاضطرابِ والتراجعِ، خاصَّةً مع اختفاءِ أسماءِ مؤلفينَ ومخرجينَ كبارٍ غيَّبَهُمُ الموتُ أو التقدُّمُ في السنِّ، على رأسِهِم المبدعُ الكبيرُ أسامةُ أنور عكاشة، وصالحُ مرسي، وغيرُهُم، بالإضافةِ إلى مخرجينَ من الطِّرازِ الرفيعِ مثل نورِ الدمرداشِ، ومحمَّدِ فاضلٍ، ويحيى العلميِّ، وإنعامِ محمَّدِ علي.
ثمَّ استبشرنا خيرًا بظهورِ أسماءٍ جديدةٍ واعدةٍ مثل أسامة غازي، وعبد الرحيم كمال، وباهر دويدار في مجالِ التأليفِ، ومخرجينَ مثل أحمد صقر، وحُسني صالح، ومحمَّد النقلي، وبيتر ميمي، وغيرِهِم على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ.
لكنَّ الجميعَ لاحظَ أنَّه، ومنذ فترةٍ، ظهرت نوعيَّةٌ معيَّنةٌ من المسلسلاتِ تُقدِّمُ صورةً غريبةً لا وجودَ لها في الواقعِ عن المجتمعِ المصريِّ، حيث تُصوِّرُ هذا المجتمعَ على أنَّه مجتمعٌ من الرُّعاعِ، والبلطجيَّةِ، وتُجَّارِ المخدِّراتِ، وقطَّاعِ الطُّرقِ، والعصاباتِ الإجراميَّةِ، وشُذَّاذِ الآفاقِ، ناهيكَ عن تصويرِ الصَّعيدِ المصريِّ ومجتمعاتِ البدوِ على أنَّها دولةٌ داخلَ الدولةِ. إلى درجةِ أنَّ الأصدقاءَ والنقَّادَ من دولٍ شقيقةٍ كانوا يلومونَنا، كمصريينَ لا ناقةَ لنا ولا جملَ في إنتاجِ هذه النوعيَّةِ من الأعمالِ، على السماحِ بالإفراطِ في إنتاجِ أعمالٍ تضرُّ بصورةِ مصرَ وسمعتِها.
وبالصُّدفةِ، شاهدتُ جزءًا من حلقةٍ في مسلسلِ “سيد الناس” كانت بالغةَ الغرابةِ بالنِّسبةِ لي، حيث تدورُ أحداثُها في حيٍّ شعبيٍّ أعرفُهُ جيدًا، ولديَّ أصدقاءُ منه، وهو حيُّ السَّبتيَّةِ، الذي قدَّمهُ المخرجُ في صورةٍ لا علاقةَ لها لا بالواقعِ ولا حتَّى بالدراما.
أحدُ أبطالِ العملِ، أحمد زاهر، كان جالسًا أمامَ محلِّه على كرسيٍّ “فوتيهِ مذهبٍ” (!!)، كما أنَّ الشخصيَّةَ التي يلعبُها لم تجدْ مانعًا من جذبِ زوجتِه من شعرِها في الشارعِ، وصفعِها، وسبِّها بلغةٍ غايةٍ في السُّوقيَّةِ، مخاطبًا إيَّاها بلفظ “يا مرا”، الذي يُعدُّ لفظًا بذيئًا في اللهجةِ المصريَّةِ، لا يُستخدمُ في المجتمعاتِ الحَضريَّةِ إلَّا في الأوساطِ المتدنِّيةِ جدًا والبالغةِ الانحطاطِ.

فقرَّرتُ متابعةَ المسلسلِ على إحدى المنصَّاتِ للتحقُّقِ من الأمرِ، فخرجتُ منه بملاحظاتٍ أوليَّةٍ كانت كالتَّالي:
- أتساءلُ كيف يمكنُ لنجمٍ أو ممثلٍ متميِّزٍ أن يُضحِّي بنجوميَّتِه وموهبتِه مع مخرجٍ مثل محمَّدِ سامي، الذي يجعلُهُم ينسونَ التمثيل؟!
- كما أنَّه لا بدَّ من التَّنويهِ بأنَّ جميعَ نماذجِ البلطجةِ والعصاباتِ الإجراميَّةِ المافيويَّةِ على الطَّريقةِ الصَّعيديَّةِ، وكذلك عالمَ “العوالمِ”، لا توجدُ إلَّا في المخيِّلةِ المُعتلَّةِ للمؤلِّفِ، و”ورشةِ القلمِ” التي تكفَّلت بمهمَّةِ السِّيناريو والحوارِ، و**(مخرجِ العملِ) محمَّدِ سامي**، الذي يُصرُّ على تشويهِ صورةِ المجتمعِ المصريِّ وتقديمِ صورةٍ زائفةٍ عنهُ بشكلٍ ممنهجٍ. ويُشارِكُه في هذه المسؤوليَّةِالجهاتُ التي تموِّلُ إنتاجَ هذا الهراءِ، الذي لا يمتُّ للدراما الحقيقيَّةِ بصلةٍ.
ولا شكَّ أنَّ ما يُطلق عليه “ورشةُ كتابةٍ” ما هو إلَّا ورشةٌ فعليَّةٌ لصناعةِ “الإيفيِهاتِ” السَّخيفةِ، والمصطلحاتِ المبتذلةِ، واللغةِ السُّوقيَّةِ الغريبةِ عن المجتمعِ المصريِّ، فضلًا عن أشكالٍ من القَسَمِ لم يُنزلِ اللهُ بها من سلطانٍ. فإنْ كانت هذه العباراتُ تصلحُ لعوالمِ الرُّعاعِ، فهل يُعقلُ أن تُصبحَ جزءًا من الدراما المصريَّةِ؟!
باللهِ عليكم، هل سمعتم من قبلُ شخصًا يقسمُ قائلًا: “وعِرْضِ أُختي”؟ أو آخرَ يقسمُ بـ “ومَلَكُوتِهِ”؟!
إنَّه أمرٌ يُثيرُ القرفَ والغثيانَ، ولا يمتُّ بأيِّ صلةٍ للمجتمعِ المصريِّ، الذي يتعرَّضُ لحملةِ تشويهٍ ممنهجةٍ من قِبَلِ كلِّ مَن يكفُلُ الجهلَ والحقدَ على مصرَ وأهلِها، مستهدفًا طَمسَ حقيقتِها وتشويهَ صورتِها.
إنَّ مِصْرَ بلدٌ له فضلٌ على الجميعِ، من المحيطِ إلى الخليجِ، ولا يمكنُ أن يُنكرَ هذا الفضلَ إلَّا جاحدٌ أو عدوٌّ