

هي ليست حكاية نقف عندها لوهلة وتنطفئ، بل هو سرد إنساني، جمع بين الجغرافيا والتاريخ، الوطن، الأرض، الشتات، وتقلب الأنفس في أطوار عدة، بين الندم على الفعل، ومحاولات طلب المغفرة والصفح.
نوال، الفتاة المسلمة في مجتمع غربي، عاشت التخبّط الإنساني كلّه في قلبها، بصمت كبير، تخبّط الغربة، التفرقة العنصرية، اغتراب الأنثى عن محيطها، بل وأكثر، الغربة في وسط الجالية العربية ولو تعلمون كم هي قاسية قسوة الدهر، حين يصبح أمثالك واقرانك سكاكين تطعن ظهرك وهي مبتسمة في وجهك.
نوال، هي ذاته التي شرّح من خلالها الكاتب الفنان عبدالرازق عكاشة المجتمع المصري، الفرق بين المدينة الكبرى (القاهرة) وأهلها وتعاملاتهم، مع أهالي القرية والمدن البعيدة عن مركزية الحكم.
الرحلة النضالية هنا لا تقتصر على حياة نوال في الغرب، بحثها عن ذاته، عن جذورها عن انتمائها لوالدها المصري، وأمّها المغربية، بل هي رحلة ممتدة إلى الضمير الإنساني، الذي صار يعتبر الإنسانة (المؤنثة) مجرد جسد يمكن استباحته لأي غرض، الضمير الإنساني، الذي غيّبه فقدان الوعي، فصار يرتكب المفاسد جميعًا دون أدنى مراجعة للذات.
الخطيئة والتوبة، الثواب والعقاب، الإنسانية وأحاسيس الأنثى، المجتمع وفساده، الوطنية التي صارت شعارًا تلوكه الألسن بينما هو من أكثر المعاني سموًّا وأهمية لحياتنا اليوم في مجتمعاتنا العربية جميعًا.
نوال، ليست حكاية عادية، ولا سردًا جمع بين المغرب ومصر وفرنسا، بل تونس التي كانت فيه حاضرة، تجربة العراق، التطرف الديني، التكتلات السياسية والعرقية في المجتمعات الغربية، الإنسانية التي يتخلّى عنها البعض مقابل رغبة أو شهوة أو حقيبة، وآخرون يتمسكون بها حتى آخر لحظة من عمرهم.
الإنسانية هنا، جعلت دموعي تتلاحق وأنا أقرأ. فلم أكن أقرأ نوال وحدها بين السطور، بل كنت أرى الحدث في تصوير مشهدي عال، يحمل في حقيبته حتى رائحة الأماكن وألوانها وظلالها ونورها، وفي الوقت نفسه، قرأت نداء، ومنال وليلى وكل أنثى عاشت الاغتراب وهي تحاول أن تظل متمسكة بجذر لا تعرفه في الواقع سوى بقلبها الذي أبصر محبة الأوطان.
تحية كبرى للأستاذ عبدالرازق عكاشة، الذي جعلني أشهق وأتنفس كل حرف خطّته حكايته الإنسانية، أبكي وأضحك مع حروف حملت إلينا أبعاد الثقافة والحق والعدل والرغبة في وطن يقبلنا كما نحن دون زيف أو رتوش، صدر أب حنون يأوينا بعد الشتات.
أنصح كل من يرغب التعرف على هذا العالم بعيون أنثى حقيقية ومعاناة إنسانية، أن يقرأ الرواية ويسبر أغوار سطورها بقلبه قبل عقله.