ينعى المجتمع الأدبي العالمي رحيل قسطنطين ألكساندروفيتش كيدروف، أحد أعمدة الشعر الروسي والعالمي. فقد كان شاعرًا، فيلسوفًا، وناقدًا أدبيًا، وصاحب نظرية “الرمز الفوقي” (Metacode) ومصطلح “الاستعارة الفوقية” (Metametaphor)، ومؤسس تيار “الاستعارية الفوقية” في الشعر الروسي — وهو تيار يمزج بين الفكر الكوني والدقة الشعرية.
مارجريتا آل، رئيسة منظمة كتاب العالم (WOW) ورئيسة المجلس الأدبي في جمعية شعوب أوراسيا وإفريقيا، وجهت رسالة وداع مؤثرة لأعضاء المنظمة:
“لقد رحل قسطنطين ألكساندروفيتش كيدروف — الشاعر والفيلسوف ومبتكر نظريتي ’الرمز الفوقي‘ و’الاستعارة الفوقية‘. كانت كلماته دقيقة كأنها معادلة، ولا نهائية كاتساع الكون.
وُلد كيدروف في مدينة ريبيسك عام 1942، وكان اسمه عند الولادة بيرديتشيفسكي. بدأ رحلته الشعرية في أوائل الستينيات، حيث تجلّى عمله كتعبير بديع عن الشعر الفكري والفلسفي، إذ انصهرت فيه العلوم والكون، العاطفة والمنطق، لتكوّن طاقة أدبية هائلة.
كان أستاذًا في معهد غوركي للأدب، ودكتورًا في الفلسفة، وحاصلًا على درجة مرشح العلوم الفيلولوجية، وعضوًا في اتحاد كتاب الاتحاد السوفيتي منذ عام 1989، وعضوًا في اللجنة التنفيذية لنادي القلم الروسي.
أسس الجماعة الأدبية “DOOS” — الجمعية التطوعية لحماية اليعاسيب — والتي كانت واحدة من أكثر الجماعات حرية وشاعرية في تاريخ الأدب المعاصر.
رُشّح لجائزة نوبل في الأدب (2003–2005)، ونال جائزة مانهاي الأدبية في كوريا الجنوبية (2013)، وجائزة الأدب العالمية (WOW) التي تأسست عام 2023. لقد غيّرت فكرته حول الاستعارة الفوقية فهمنا للصورة الشعرية ككون مصغر.
علّمنا أن نرى الكون في كل بيت شعر، وأن نشعر باللانهائي في كل كلمة. ستبقى أفكاره وقصائده حيّة، كما يظل ضوء النجوم البعيدة يسطع في السماء.
تحية لذكراه، للشاعر والمفكر والإنسان الذي كانت القصيدة بالنسبة إليه نَفَس الكون.”
أما الشاعرة الروسية البارزة وسفيرة اليونسكو ألكسندرا أوتشيروفا فقد كتبت في رثائه:
“من الصعب تصديق هذا الرحيل. لا يسعنا إلا أن نؤمن بأن خلود الروح البشرية ليس مجرد حلم قديم للبشرية.
لقد غادرنا شاعرٌ عظيم، مفكرٌ، وإنسانٌ كرّس حياته لخدمة الكلمة والجمال. كان يرى ما وراء حدود الفهم البشري للكون وللوجود، وكان يوحّد بين الأبدية واللحظة، بين الفكر والإحساس، ويكشف اللامرئي في صور متفرّدة يغمرها الضوء والحب.
هذا الألم لن يزول سريعًا من قلوب أصدقائه ومحبيه، ولكن إرث قسطنطين ألكساندروفيتش كيدروف — بوصفه كنزًا وطنيًا — سيبقى خالدًا في الأدب الروسي والثقافة العالمية، كرمز فريد للتفكير العميق وكشف العوالم اللامحدودة وقيمة الحياة الإنسانية.
أحبك، قسطنطين ألكساندروفيتش العزيز. ستبقى في ذاكرتنا إلى الأبد، مع حبنا الأبدي وامتناننا الذي لا حدود له. المخلصة، ألكسندرا أوتشيروفا.”
ومن النمسا كتب الشاعر الروسي فيكتور كليكوف:
“رحل شاعر استثنائي — تجسَّد فيه جوهر الشعر المعاصر في العالم. كان إنسانًا نبيلاً، دائم الدعم للشعراء الشباب الباحثين عن دروب جديدة. كان مفكرًا كبيرًا، وأبدع فلسفة جديدة أطلق عليها ’فلسفة الشعر‘.
“رحمة الله على شاعر الكون العظيم! سيبقى قسطنطين ألكساندروفيتش حيًّا في قلوبنا إلى الأبد.
أعماله ستعيش لقرون — مبدعة لا مثيل لها. لقد كان رجلًا عظيمًا، ذو روح طاهرة ومضيئة، صانعًا فريدًا للجمال.
أتذكر كلماته عن الموت — كان يقول إن الموت مستحيل ما دام الإنسان حيًّا في ذاكرة وقلوب الآخرين.
وأنا أؤمن أن قسطنطين كيدروف سيبقى حيًّا في قلوب كثيرين. ذكراك خالدة، قسطنطين ألكساندروفيتش! لن ننساك! نحبك! إلى الأبد!”
أما الشاعرة وخبيرة الدراسات الثقافية أولجا ميدفيدكو فقد قالت:
“انتقل الشاعر والفيلسوف والمعلم قسطنطين كيدروف إلى الأبدية. لقد دعمني كثيرًا في عملي مع جمعية غوميليوف. كم كانت أحاديثنا ممتعة ومُلهمة!
كان إنسانًا نادر الفكر، فريد النظرة. طوبى لذكراه العطرة!”
كيدروف في القاهرة، مع مارجريتا آل، أشرف أبو اليزيد، ووالي أوكيديران
الاحتفال بالحياة… بالشعر
في 12 نوفمبر 2024، احتفلت الأوساط الأدبية في موسكو بعيد ميلاد كيدروف الثاني والثمانين. وبهذه المناسبة، وجهت مارجريتا آل، رئيسة منظمة WOW، رسالة مفتوحة إلى الشاعر الكبير:
“زملائي الأعزاء وأصدقائي،
نحتفل اليوم بعيد ميلاد قسطنطين ألكساندروفيتش كيدروف — الشاعر الفذ، دكتور الفلسفة، ومبتكر نظريتي الرمز الفوقي والاستعارة الفوقية، والحائز على جائزتي WOW ومانهاي.
أدعوكم في هذا اليوم المميز إلى التعبير عن تمنياتكم له بأبيات شعرية رباعية — كتحية صادقة، ومقدمة رمزية إلى هذا الشكل الشعري الفريد. وربما تكون هذه بداية تقليد جديد لمنظمتنا.”
جائزة مانهاي: تكريم يجمع العالم
جائزة مانهاي، التي أشارت إليها مارغريتا آل، هي سلسلة مرموقة من الجوائز التي تُمنح في مجالات: السلام، الخدمة المجتمعية، التميز الأكاديمي، والفنون والأدب. تُمنح الجائزة من قبل “جمعية تعزيز وتطبيق مبادئ مانهاي”، وهي تحمل اسم الشاعر والراهب البوذي المصلح والمناضل من أجل استقلال كوريا هان يونغ-أون (1879–1944).
لقاءات عبر القارات
في نيبال، التقى الكاتب بـ أنورادها كويرالا، مؤسسة ورئيسة منظمة “مايتي نيبال” وأول حاكمة تُعيَّن من قبل الحكومة النيبالية. وقد حصلت على جائزة “قلب شجاع” (ماساتشوستس، 2006)، واختيرت بطلة العام من CNN عام 2010، كما فازت بجائزة مانهاي للخدمة المجتمعية.
ومن تركيا، وبفضل مارغريتا آل، أتيحت للكاتب فرصة لقاء الشاعر كيدروف عبر مكالمة فيديو. أظهر الشاعر بكل فخر درع جائزة مانهاي التي تسلّمها عام 2013. وعندما علم بفوز الكاتب نفسه بالجائزة الأدبية في العام التالي، هنّأه بحرارة.
وفي القاهرة، خلال الدورة السادسة من مهرجان أوراسيا الأدبي، التقى الاثنان مجددًا، ما أسفر عن ترجمة مختارات من قصائد كيدروف إلى اللغة العربية، نُشرت لاحقًا في مجموعة بعنوان “أربعة شعراء على طريق الحرير”.
تضمّنت هذه المختارات قصائد لكل من قسطنطين كيدروف، مارجريتا آل، سيرغي بيريوكوف، وأشرف أبو اليزيد، وصدر الكتاب خلال مهرجان LIFFT أوراسيا الأدبي عام 2023.
لقد خفَت نجم من نجوم الشعر، لكنه لم ينطفئ — بل يواصل إشعاعه من خلال الكلمات، والفلسفة، والذكرى. إن روح قسطنطين كيدروف ستظل حيّة، أبدية، في سماء الشعر العالمي.
Elena Katsyuba and Konstantin Kedrov 2013, at Chekhovka on Strastnoy 6, at the exhibition of sculptor Mokrousov. Photo by Margarita Al — with Konstantin Kedrov and Elena Katsyuba.