
صدر للكاتبة والمترجمة معصومة تميمي قصة “ريم مشداخ”، وأمّن الرسومات الفنان التشكيلي مهناز بني تميم، وهي تجربة تنضاف للقصص المطبوعة بأكثر من لغة، وهنا كانت اللغة العربية واللغة الفارسية. وهي فرصة للقارئ العربي للتساؤل عن هذه الكتابة واللغة والناطقين بها وكاتبيها، وأي الدول تنطق بها، والعكس مع القارئ الفارسي.
وهي حديث الحيوان، هذا التقليد المتوارث منذ كليلة ودمنة وقبلها، وها هي الكاتبة تستحسن الحديث على ألسنة الحيوان الذي يوجه رسائل مهمة وهامة عن بيئته التي لوثها الإنسان، وهو المتمتع بخيراتها وثرواتها، ها هو يسئ إليها بجشعه، وكم هو مقنع عندما يتحدث المتضرر عن الضرر الحاصل الذي أحدثه الفاعل.
ونظرًا لعدم معرفة ريم بالشيء الذي سلب منها الرؤية وساهم في إسقاطها في خندق وكاد يؤدي إلى حتفها ونهايتها، حتى العصفور لم يعرف هذا الشيء، واعتبرته الغزالة نفاية طائرة لتفتح مع الطائر حديثًا خاصًا لامس التلوث كإشكالية، أين استغربت ريم، طارحة سؤالًا: “لماذا لا يهتم البشر بنظافة الطبيعة وتلقي النفايات فيها؟”، مذكرة بتبعات هذه النفايات القادرة على تسميم الحيوانات بالمواد الضارة التي ينتجها الإنسان في حراكه الاقتصادي.
وللطائر أيضًا حادثة دعمت هذا النقاش، قائلًا: “أكل صديقي البلبل من القمامة المرمية في البيئة وتسمم، حيث انسدت أجهزته الهضمية وتدهورت حالته الصحية”، وربما مات بعد ذلك، كما ماتت عديد الحيوانات، لا في الفضاء فقط أو على الأرض، بل حتى في البحار والأودية، أين ترمى فضلات المعامل والمصانع والتي أثرت على الثروة السمكية فهجرت الشواطئ القريبة، مما تسبب في فقر العديد من الصيادين الذين امتهنوا الصيد البحري، وهكذا أثر التلوث حتى على الإنسان.
كما استباح جزء هام من الغابات المفتوحة والمنفتحة لاستغلال خشبها لصنع أدواته المكتبية والمنزلية، وتوسع المدن والعواصم والقرى على حساب المد الأخضر، كما جعل داخلها محميات طبيعية تعيش فيها العديد من الحيوانات والتي اعتبرتها ريم تحميهم من الصيد العشوائي، والضرورة التي تجعلهم يعيشون في هذه المحميات الطبيعية أنها توفر الأمان وتنظم فترات الصيد لضمان التكاثر الطبيعي عبر توفير كل مستلزمات العيش الطبيعي. ومن أولوياتها أيضًا حماية هذه الأصناف الحيوانية من الانقراض ووضعها تحت الدرس البيولوجي والتعلمي للعلماء والمخابر، وتوفر للناس ولمحبي الطبيعة التمتع بهذا الصنف من الحيوانات وهو في بيئته الطبيعية.
كما ينتهك الإنسان حرمة المكان عبر حمل الحيوان للعيش بالحدائق العمومية الخاصة بالحيوانات أو في السيرك، عبر إخراجه حتى من حيوانيته وتصرفاته الطبيعية، كأن ينجز أفعالًا بهلوانية، ومن هذه الحيوانات الفقمة والقرود والأسود والنمور والفيلة وغيرهم.
وللحيوان أيضًا قراءته الخاصة للبناء الفيزيولوجي لغيره، فلقد تمنت هذه الغزالة أن يكون لها جناحان لتحلق في السماء بحرية وتلعب مع الحيوانات الأخرى. وربما حيوان البحر يتمنى العيش والتنقل على اليابسة وأن تكون له أقدام، وهذا درس ورسالة يمكن لقراء القصة استثمارها في أن يقبل الإنسان أو الحيوان ما هو عليه، بل يطور من حالته ووضعه وواقعه.
كما وفرت القصة جملة من المعلومات بطريقة سلسة ومعبرة، فبعد أن بحث البلبل عن غذائه، وفي عودته لصديقته، سألها عن كيفية أكلها وشربها، فأجابته أنها تحب أكل ورق الأشجار والأغصان اليانعة. وربما لأن الإنسان أضر بالثروة الطبيعية عبر اقتطاع العديد من الأراضي الغابية التي تحتوي على الأشجار الخضراء والنباتات التلقائية، مما يضطر الغزال لقطع مسافات طويلة بحثًا عن الكلأ.
ونظرًا لتنقله من مكان لآخر ومشاهدته العديد من الحيوانات، إلا أن البلبل، ومن ورائه الطفل المطالع للقصة، لم يستطع التفريق بين الغزلان وريم مشداخ. ولتعميق معرفته بهذا الحيوان المتميز والجميل، ولتقريب الصورة أيضًا للطفل القارئ، وهذه إحدى أهم أهداف كتابة القصة الطريفة الحاملة لفكرة وأحداث وأفعال وأقوال ومكان للتحاور أثر في السير الطبيعي لمسار القصة، لتقدم ريم جنسها وصنفها قائلة: “يتميز ريم مشداخ من باقي الغزلان برشاقته وجماله وسعة عينيه وبعلامة مميزة هي وجود حفرتين كبيرتين على وجهه حيث تعطي له أكثر جمالًا وتميزًا، ولونه في الغالب يكون أصفر وبطنه أبيض اللون”.
كما أجابته في أول القصة عن سبب سقوطها في الخندق: هبوب عاصفة رملية عاتية ومخيفة جدًا وبحثها عن ملجأ لتحمي نفسها، وهذا غريزة حب البقاء، وهي في رحلة إلى المنطقة الرملية، وكيف تتنقل الغزلان في مجموعات من 15 إلى 30 رأسًا من الإناث والصغار وذكر واحد، مذكرة بفصل الولادة، وتعيش بقية الذكور وحيدة أو ضمن قطعان صغيرة.
ومن الرسائل التي توجب التذكير بها أن ضياع ريم وفقدانها أثر القطيع الذي تنتمي إليه لهو لعبها بعيدًا عن مرأى القطيع وتسلقها الكثبان، وهذا ما حصل ويحصل مع عديد الأطفال في المنتزهات الكبرى أو في الرحلات المدرسية ذات الطابع الدراسي والاستطلاعي التي تقوم بها نوادي المدارس والمعاهد الثانوية.
قدمت الكاتبة ميمونة تميمي قصتها “ريم مشداخ” بلغة راعت المستوى المعرفي والحس الحركي للطفل القارئ. كانت رسائلها الأولى تعريفية – معلوماتية حول هذا الحيوان الجميل، تواجده، طرق تكاثره، والجانب الفيزيولوجي لهذا الجنس الحيواني النادر الذي يتواجد بالمناطق الصحراوية التي تقع غرب إيران، مع حوار شيق يستمتع القارئ به ومن خلاله.
والإشكاليات التي طرحت في متن الحوار ممكن استثمارها بعد مطالعة القصة. وقد اختارت الكاتبة البلبل كعصفور جميل في لقاء تقاطع مع جمال الريم، فكان الجمال أساس القصة، وكانت مضامين المتن مرتكزاته، والمفردات مغذية لأفكار الكاتبة، لنقرأ في الأخير قصة متكاملة البناء والمتن مع متعة الحديث وكنز المعلومات المترامية على طول مسار القصة.