أدب

” النجمات تريد النوم” – طرافة الفكرة ومسارها

 بقلم: طارق العمراوي، تونس

نشرت الكاتبة براء غسان أبو بكر نصها “النجمات تريدالنوم ” عن دار الهدى للطباعة والنشر  وقامت بتشكيل الرسومات الفنانة منار الهرم ودقق ونقح النص لغويا الدكتور حسن عثمان.

 وقد اختارت الكاتبة الصعود إلى السماء هذا الفضاء الذي طالما تشد اليه الطفولة الحالمة عبر قصص الفضائيين وعالمهم المجهول المصاحب للأسرار والطلاسم لكن الكاتبة اختارت القمر والنجمات للحديث عنهما وبهما في اخراج سردي  نوعي أنار وقدم فكرة طريفةإذ أنسنت الكاتبة في الأول القمر والنجوم لنستمع لحديثهم وهمومهم وقلقهم ووضعهم وأنشطتهم ثم طلبهم الخاص وتحقيقه ومآلات فعلتهم الأولى من نوعها .

فمن عادة القمر والنجوم أن يكونوا جزء من جمالية الفضاء البعيد قمر واحد ثابت لكن بأحجام مختلفة نظرا لحركة الكواكب والفضاء ليكون مصباحا منيرا مرتين في الشهر عندما يكتمل ونجوم عديدة تغطي هذا الفضاء السماوي الرحب إذ تقول الكاتبة ”  يسهر القمر والنجمات ليضيؤا عتمة الليل” كي لا يخاف الأطفال ولتقريب صورة الضوء والانارة  مكنت الكاتبة النجمات من مصابيح تطفئها النجمات إذ خلدت للراحة  والنوم في النهار بعد ليلة كاملة دون ملل أو كلل حتى جاء اليوم الموعود وعلقت النجمة ” نجومة”  على عملها والذي اعتبرته صديقتها من صلب وظيفتها وعملها  وله ضوابطه واهميته   فإلى جانب أنه يجعل السماء جميلة عندما نقوم  بمهمتنا كل ليلة وعن علاقتهم بالطفال تقول “جمجومة”  ” فانت حين تضيئين في الليل فأن الأطفال لا يخافون حينئذ من العتمة” لتسأل جارها السيد” قمور” الذي ذكرها فقط بوظيفتنا” أن نضئ الليل وننام في النهار”.

طارق العمراوي، تونس

لكن الكاتبة أرضت فكرة ” نجومة”  وساهمت في تحقيقها لنرى معها ملآلات الفكرة الطريفة إن طبقت وحازت الانجاز ولتعميق فكرتها وانعكاسها على السماءنامت كل النجوم مع البطلة بعد أن اعترفت ” جمجومة ” بأحقية فكرة صديقتها  لكن برؤية أخرى الأولى تريد تغيير مسار وظيفتها وضرورة أن تدخل عليه تغييرا  جذريا لكن الثانية من منطلق تجربة النوم لليلة واحدة قائلة ” نجومة معها حق نعم هي محقة في كلامها ماذا كان  سيحدث لو كنا قد نمنا لليلة واحدة فنستريح؟ هاااااه” مؤكدة أن بقاء النجمة صاحية كل ليل فيه من الارهاق ما فيه وهكذا عمت الفكرة ونامت كل النجمات   ليلتحق بهن القمر الذي احس بالملل والوحدة “فلا أحد يتحدث إليه أو يؤنسه”وهذا ما يحتاجه الليل الطويل الحديث والاستئناس بالاخر  كي لا يغلبنا النعاس ونؤدي وظيفتنا على أحسن ما يرام ولتقريب صورة العيش هناك بالعيش هنا.

وهكذا أصبحت ” السماء حالكة السواد” والتي ينتبه لها الانسان كما ينتبه للكسوف والخسوف فهو في علاقة تأثير وتاثر منذ تواجده على البسيطة. وأول تفاعل مع المشهد  الجديد الغير مألوف للطفل “سمور”  الذي انتبه للعتمة الشديدة متسائلا اين اختفت النجمات والقمر ومع تساؤله خاف وارتجف وبكى  بشدة ليمرر قلقه وحيرته  لوالده فكان رده  على تشويش فكره بأن الغيمات هي التي غطت النجمات والقمركتفسير متداول  لدى البشرخاصة في فصلي الخريف والشتاء  ولن يتبادر إلى ذهنهما أن النجوم ملت الاضاءة ليلا وأن عملهم شاق متعب ومرهق وجاء دور الريح الذي أوصل صوت الطفل لتتأسف نجومة من الكل خاصة بعدما علمت أن طفلا شعر بالخوف واتفقت جميع النجمات والقمر أن لا تتكرر فعلتهم و أن لا يتواصل خوف الطفل و أن  لاتعاد العتمة  مرة أخرى عندما ” أخذ سمور يفتح النافذة ببطء شديد ودقات قلبه تتسارع حتى رأى ضوء القمر أبيض ورأى النجمات تلمع عاليا” ليعترف بجمال السماء “بأضوائكم” وتعاد الدورة من جديد لتضئ النجمات والقمر كامل الليل وهذه المرة كما قلنا ” سنضئ العتمة من أجلك”

كما شق النص توزيع لغوي خاص عبر التسميات الخاصة للنجوم وللطفل فكان “قمور” و”سمور” و”نجومة” و”جمجومة” كلعبة صوتية تعطي للسرد  بعدا جماليا ومضمونيا ولغويا كأن تنفتح على مشتقات الافعال والصفات وأهمية المعرفة البيئية والفضائية كحركة القمر المنير وتحولاته من الاكتمال في ليالي البدر إلى الهلال الذي يزين السماء بشكله الخاص .

كما تستوقفك وانت تتابع مسار القصة على الأرض أهمية أن يكون  الطفل في غرفة مستقلة عن والديه كخطوة هامة في بناء  شخصيته المستقلة ويكون له رصيد نفسي وحس حركي يواكب تطوره وصقل شخصيته وهذا مثال سمور مع اخوته  في نفس الغرفة وكيف يحترم مع من يقاسمه إياها  فرفض أن يشعل الضوء كي لا يستيقظ اخوته وهذه تربية تقدم في البيت  كوجبة اخلاقية وتربوية كل يوم لان البيت هو المدرسة الاولى وهي البوابة الاولى التي يجب أن  يتخرج منها الطفل وقد حمل بعديد المفاتيح والادوات للخارج مدرسة كانت او شارعا او مكتبة او حديقة حيوانات  أو سوقا.

ان نص ” النجمات تريد ان تنام” يورطك منذ العنوان  كعتبة  وجملة تعجب كيف للنجمات ان تنام؟ ماذا سيقع ان نامت ؟ وهكذت يجب عليك مطالعة النص كي تفك سر العنوان وطلسمه مع لغة ساحرة صاحبت النص وحوار شيق طريف كان أداتها السردية المميزة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى