جاليريشخصيات

وجوه فتحي علي … عالمية النص ومحلية المنتج  

بقلم: عبد الرازق عكاشة، متحف دارنا

أحيانًا تتقاطع أمام مسطرة الروايا، عندك أو عند الآخر المتلقي، (عدة صور) وزوايا مشهدية.  ترتيب الصور يأتي طبقًا لأهمية تلك المشاهد من معارض شاهدتها هنا أو هناك، لوحات افترشت جدران تلك القاعة – ربما في الهند أو السند، وربما في باريس أو لندن أو القاهرة، وربما الإسكندرية.

ولأن لوحات ومعارض البورتريهات تظل حالة خاصة، لأن الفنان يعبر عن مشاعر الآخرين أو مشاعره تجاه الآخرين،
معادلة صعبة فهمها أحيانًا كثيرة. وأحيانًا يدمج الفنان تلك المشاعر شيء في شيء حتى التزاوج؛ مشاعره هو والآخر على سطح نفس الكانفَس أو المسطح الخشبي أو الورقي.

وهنا، تتلاقى الإحساسات في ملعب الإنسانية الواسع. وكذلك هناك مدرسة أخرى من البورتريه، ملعب آخر ومساحة مختلفة، وفيها يرسم الفنان وجوهًا معروفة لاستعراض مهارة وشطارة الشكل.

الفنان فتحي علي، المبدع الجميل، الشخص الطيب، هادئ النفس، الوقور مع ذاته، والمحترم جدًّا مع الآخرين، أعتقد أنه قرر أن يرسم خطًا آخر، لوجوه خُزّنت في وجدانه وليس عقله. وجوه يتحرك معها وبها طبقًا لخريطة لونية ليست محفوظة ولا مكررة أو مملة، لكنها وجوه طبقًا لخريطة لونية وجدانية.

فبالتالي، فيها حس تلقائي عذب، فيها شخصية الفنان، فيها نقائية وتلقائية وصدق فتحي علي، لدرجة تشعر أن تلك الوجوه هي لوحات من بالِتة ألوان الفنان (باليتات ألواني.. صدى صوت لوحاتي)، وجوه وتضاريس لونية، جبال من الألوان، التقطتها عدسة عين الفنان لتحول البقعة اللونية وسحر البالِتة إلى وجوه،تقابل هذه الوجوه مع لقطة وجدانية عفوية، وحالة بصرية شديدة التأمل.

إنها وجوه تسكنها الحكايات:
هذه الفتاة التي تسكن القاهرة القديمة، وذاك الأخرى التي تسكن مناطق البرجوازيين، الزمالك أو المعادي مثلًا. هذه حاملة أسرار، وهذه عاشقة الأمل، هذه تسكن الحلم، وأخرى تخاطب الواقع.

وجوه تم صناعتها وهضمها، وتقديم ملخص لها في أرض الفنان، هذه الأرض النقية العافية، الحبلى بالأفكار، والحاملة لمخزون بصري هائل.

الفنان فتحي علي يشارك جمهوره، فأحيانًا يشعر المتلقي (المتفرج) أنه يتمنى إكمال اللوحة، ليس لنقص في اللوحة، لكن لرغبة التواصل الإنساني، الغرق في حكايات وأسرار البنات.

فوجوه “الريس” فتحي علي عامرة بالأسرار، لو وقفت عدة دقائق أمام كل عمل بتأمل، سوف تقرأ بعضًا من تلك الأسرار والحكايات. لكن، في الحقيقة، كل قاعة بها عدد كافٍ من اللوحات تطلعك على خريطة مشاعر الرسام والمرسوم.

وأنت تتطلع، تسأل نفسك عن جدية المشاركة، والتشابك في تحليل اللقطة مع الآخر، ونبحث عن العلاقات الإنسانية في تلك الوجوه، تشابكها مع شبكة عين وحدقة الفنان. وجوه نضجت وطابت، وطلّت من شباك مرسم الفنان.

الفنان فتحي علي ليس هو ذاك الشاب الذي يرسم من أجل صنع عمل فني، وينتهي كل شيء بعد بيع عمله، لكن فتحي علي هو الرجل الفنان، المبدع، صاحب الخبرات الطويلة، الذي يؤسس لعدة محاور ومسارات بصرية في كل معرض، نموذجًا.

في محاولات من أعماله، تجده في حالة البحث عن النور الرباني الساقط على أشكاله الملونة في معارضه السابقة. هنا تنازل عن لوحاته تلك، وقرر تقديم تجربة حداثية (لِما بعض) الظل والنور، والحارة، ونساء الحوش. وقرر أن يرسم وجوهًا تصلح لأن تكون خط إنتاج في جداريات كبرى، كما تفعل الفنانة الإفريقية الهولندية مادلين توماس إس، أحد أشهر فناني أوروبا، منذ عرضت أعمالها في بداية التسعينات خارج هولندا وجنوب إفريقيا، وتحديدًا في سنتر جورج بومبيدو، تحت اسم “وجوه من عمري”، مشروع كانت قد بدأت أو شرعت له منذ السبعينات، لنقدمه في المركز الثقافي جورج بومبيدو. ولحظتها كانت قد قررت أن تسمي الوجوه: “أنا ونجوم عمري”، اسم اقتبسه بعض الفنانين العرب.

تذكّرت مادلين، لأن وجوه الفنان فتحي علي تصلح عند تجمّعها أن تكون جداريات متجاورة، حالمة، وهي مشاركة ومؤسسة لنفس الحالة الإنسانية والزمنية. في الحقيقة، يظل هناك سؤال وشكر مهم لـ”قوميسير” المعرض، وهو الفنان رضا خليل ، صديق عمر الفنان، الذي ساهم في دفع وتحريك طاقات الفنان تجاه تأسيس هذا المعرض الهام، المقام حاليًا في قاعة “آرت كورنر – الزمالك”.

وفي النهاية، لا بد من التأكيد على جماليات البورتريه عند هذا الفنان، لأنها وجوه تحمل الدراما الإنسانية، ولكل وجه شخصية وحالة، لكن، كما قلت في البداية، إن كل حالة امتزجت وتزوجت مع حالة ومشاعر والخريطة الإنسانية للفنان فتحي علي.

القاهرة – متحف دارنا
عبد الرازق عكاشة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى