أدبإعلام

الوردة الشامية … حديث الحب والأذية

بقلم طارق العمراوي، تونس

الوردة الشامية … حديث الحب والأذية

بقلم طارق العمراوي، تونس

 

ضمن مكتبة الطفولة وعن الهيئة السورية للكتاب ومديرية منشورات الطفل صدرت قصة ” الوردة الشامية”للكاتبة والقاصة الدكتورة هند مصطفى واختارت الفنانة التشكيلية  زبيدة الطلاع تقديم لوحات تشكيلية غير ملونة بهدف  إشراك  الطفل- القارئ في هذه العملية الفنية على جانب  قراءة القصة وتتبع مسار أحداثها  وحركات أبطالها وتفاعلهم في الزمان والمكان.

جاء العنوان جملة اسمية الوردة  الشامية وهو عنوان يحيلنا على ثقافة أهل الشام وتقاليدهم في حب النبات والعطور والبساتين والحدائق وقد اختارت الكاتبة  تعميق هذا التقليد والدفع به  للتوارث جيلا بعد جيل

اختارت الكاتبة شخصية الساحرة التي تفاعل معها الطفل وما زالت تغريه أفعالها الشريرة وانتصار الخير  عليها في الأخير  وفرحته بهزيمتها وطردها من أرض الخير أو موتها  في قصرها والخراب الذي  تعيش فيه فكان الاسم الخاص “زكزوكة” والقصر المخيف في أعلى التلة وهذا المكان المرتفع والمشرف على الآخرين   اختيار مقصود  ذاتيا  للكره المتبادل  بينها وبين الناس منذ الأزمنة القديمة  وموضوعيا إستعدادها للهروب وهي تشاهد القادمين لقتلها أو طردها كما حضرت المكنسة السحرية و التي تطلبها للتنقل والنزول من الأعالي  وآخرها الكرة الزجاجية والتمائم  المتوارثة لدى معشر السحرة والساحرات مثل ” أبراكدبر” مع حضور الغراب صاحب السحرة في كل الأزمنة والامكنة  والذي احتاجته ليجلب لها  الوردة السحرية المؤذية من الجدة “بدرية” فهذه العائلة كغيرها تتوارث السحر وعالمه الخاص وعقاقيره وطلاسمه وتمائمه

وفي حركة قدوم للقرية  أمام شكلها المخيف ومكنستها وثيابها الرثة والخوف من الاذية  هرب أبناء  القرية لتقرر بعد هذه  الاستقبال  معاقبتهم باستقدام الوردة السحرية المؤذية برائحتها التي تحدث الذهول وزيتها  الذي يجعل الجلد يتقرح وطعمها يقتلع الاسنان  وبعد مسيرة  مرهقة وبعيدة حل بأرض سورية بعد أن وجهته الجدة  زكزوكة  إليها وقيل له “بأن الوردة السحرية تزرع في بلدة المراح وهي بلدة في جبل القلمون التي تبعد 60كم عن دمشق”

وكان النص فرصة للطفل- القارئ  أن يتعرف  على الوردة وكأنه في حصة علم احياء  وكانت المصطلحات العلمية كالفسيلة والبتلات الأصلية والبذور والتربة والري الدائم والسماد العضوي ليلج مجال الاستعمالات المطبخية مثل جمع البتلات لصناعة المربى و الشاي والزيت وماء الورد  لتحصد بعد مدة  وذهبت لأذية أهل القرية لكن انقلب السحر على الساحر بل كل الخير  لمن آلت على نفسها أذيتهم  فظهرت عليهم آثار السعادة   فقدت فشلت المحاولة  الأولى وأمام إصرارها على إيذاء اهل القرية الطيبين طبخت المربى وفي نيتها القضاء عليهم لكمهم قابلوا احسانها المدسوس  بالهدايا  علي لكنهم “وشاح من الحريرو قبعة من ريش النعام  وفستان  ملون وكعكة من طبقات عدة ”

معذكر استعمالات هذه الوردة وما أحدثته  في أجسام أهالي القرية  هذا الحداد شرابها أراح  بدنه ورائحتها عطرت بها الخيلطة البهية |أقمشتها ليستفيق قلبها بعد نوم طويل ونبض بالحب  الخ لتصطف هذا الشعور الذي لم تعهده وقالت ” ما أجمله” لتعيد تقيمها ورؤيتها لأهل القرية قائلة” أهل القرية لطفاء  وليسوا سيئيين بل انهم طيبون”.

وأمام هذه الاستفاقة النوعية  وولوج الحب سريرتها سارعت لسكب المربى الذي مازالت تعتقد أنه خطر لكي لايتناوله أهل القرية  فتزحلقت فتقرح جلدها وسقطت من  سنتين  من فمها وقبلت اعتذار  الغراب الذي أساء  الاختيار  بين الوردة المؤذية و الوردة النافعة والتي لن تحتاج إليها  بعد اليوم  هي وغيرها من لعقاقير بعد أن غمرها حب أهل القرية لهاوعادت الحياة لذلك القصر المخيف  ولم تعد تقلقها  الوحدة  إذ امتلأ قصرها بالضيوف والضحكات  والسهرات .عكس العديد من القصص التي اثرت سلبا على  نفسية الطفل قصص انتهت بقتل الساحرة تفاديا لشرورها  أما بالحب استطاعت الكاتبة كشف المنطقة المنيرة لدى الساحرة  في الوقت المناسب والاشتغال عليها لتحويلها وارجاعها لأصل الانسان المحكوم بالحب قبل الشر .

كتبت القصة وهي تحاكي زمن السحرة وعالمهم الخاص  كانت مرتكزات مقاومة الشر الحب والإحسان مقابل السيئة  في سردية جميلة شيقة تشد الطفل – القارئ ليسعد بقراءتها واستثمار ما جاء فيها  من معلومات ومفردات يواصل العمل عليها لتغذية  بنكه اللغوي والمعرفي والمعلوماتي  وبالاعتزاز ببلده سورية وما تحتويه من ثروات طبيعية وبشرية توارثتها الأجيال وعلى الكاتب أن يساهم في تمريرها لرجل الغد .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى