بقلم: روسيلا نيكولو، عن مجلة IL SAGGIO الثقافية الشهرية – السنة التاسعة والعشرون – العدد 350 – يونيو 2025 – الصفحتان 18-19ترجمتها إلى الإنجليزية الشاعرة الإسبانية فيرجينيا فرناندث كولادو، ويترجمها للعربية أشرف أبو اليزيد
(13) من النافذة، تناديني الصحراء. عظيم هو الصمت حين لا تسقط القذائف.
(14) قبل المنفى، كان لي بيت. وفي الحديقة، تصاعد الدخان من اللحم والضحك.
(21) كانت لي مكتبة، وحديقة، وسلحفاة. ثم جاءت الحرب، فأصبحت أتسكع بين الذاكرة والطرقات.
**
تجاوز إغراء قراءة هذه المقاطع كأنها صفحات من يوميات منفى، كأنها شذرات سيرة ذاتية مكتوبة على أطراف الأوراق، في دفاتر مهترئة، أو في هوامش وثائق منسية – يستدعي تأملًا عميقًا لمشهد داخليّ، بكل ما فيه من رموز، وسحرٍ حزين، وإصغاء لصرخة مقاومة، ونَفَس نضال باسم شعوبٍ كثيرة اقتُلعت من جذورها، وأصبحت ثقافتها مهددة بالاندثار.
لقد سبق لي أن تحدثت عن إسماعيل دياديه حيدرة، حين ترجمتُ مقاطع من هذا العمل الفريد: “تبراء “ دار نشر الساحلية – La Sahélienne ، والذي لا يزال في انتظار ترجمته الكاملة إلى اللغة الإيطالية. هذا العمل متجذر في تقليد أنثويّ صرف. “التبراء” هي قصيدة من شطرين، تُكتب عادة باللغة الحسانية، وتؤلفها نساء الصحراء بين جنوب المغرب، وولاتة، وتيشيت، وودان، وتومبكتو.
بهذا الشكل الشعري، الخاص بنساء الرمال، كتب إسماعيل قصائده، متحررًا من ضرورة الالتزام الصارم بالوزن والقافية، جامعًا ما كتبه خلال سنوات منفاه، بين 2011 و2021، في ديوان واحد.
يقول إسماعيل:
“في هذا العالم المتغيّر، حيث نحن جميعًا عابرون للرغبة، نسافر من بلد إلى بلد، ومن مدينة إلى مدينة، دون أن نستقر في مكان واحد، لا أكتبُ في هذه القصائد صورةً للعالم الذي أمرُّ به عابرًا، بل أرسمُ نفسي في قلب هذا العالم. وهكذا أستطيع أن أقول للقارئ، رفيقي في السفر، إنني عبّرتُ عن ذاتي في هذا الكتاب كاملًا.”
**
ابن الصمت الصحراوي، صياد نجوم، مسافر وحيد بردائه وجرابه، سعيد في عزلته متأملًا طيران البلشون، إسماعيل دياديه حيدرة، كاتب ومثقف رفيع، أستاذ محاضر ومتعدد اللغات، وُلد في تومبكتو عام 1957، المدينة العريقة الواقعة في شمال مالي.
هو آخر سليل لـ “علي بن زياد الكوتي”، المواطن الطليطلي الذي طُرد من طليطلة عام 1468 بسبب الاضطهاد الديني. في منفاه، حمل معه مجموعة ثمينة من الوثائق المكتوبة بالعبرية والعربية والإسبانية، والتي شكّلت مكتبته الخاصة. وبعد وفاته، استقرت عائلته نهائيًا في تومبكتو.
على مرّ القرون، خضعت هذه المجموعة الأصلية لتحولات كبرى، لتصبح في النهاية مجموعة كاتي، أحد أبرز خزائن الذاكرة الأندلسية العربية واليهودية والقشتالية والأفريقية (انظر كتاب فلورانس كانتان “روح الأمكنة – من الأندلس إلى تومبكتو – الرحلة المدهشة لمخطوطات كاتي”).
في عام 2012، حين سُلّمت المدينة إلى المتطرفين الإسلاميين، اضطر إسماعيل إلى الهروب من تومبكتو، حاملًا معه ذاكرته ومخطوطاته.
**
في منفاه، وأثناء رحلاته حول العالم، كتب حيدرة قصائد “تبراء“، مستحضِرًا تقليدًا قديمًا بنَفَسٍ جديد، حيث تمتزج قوة التعبير الرصين بطيف من النغمات: رقيقة، حزينة، وساخرة. لغته تنساب كالمحادثة، شفافة وواضحة، ملتزمة بواقع الإنسان ووجوده. وهي توازي رؤيته الشعرية وفلسفته الحياتية المستوحاة من مدرسة الخيام في تومبكتو.
وكما كتب الشاعر الروماني مارتياليس في الإبيجرامات، X، 4 :
“هنا لن تجد قنطورًا، أو غورغونات أو هاربيات – صفحتي تنطق بطعم الإنسان.”
كذلك في “تبراء”، سواء في مقدمته أو في أبياته، يتألق الإنسان – إسماعيل الذي يرسم نفسه داخل العالم، يجعله يتكلم، ويحبّ، ويضحك في وجه الموت.
**
(1203)
في يوم ما، ستنمو الأعشاب على قبري، لكن لا تبكِ. أنا السحابة العائمة، وقد ضحكتُ من كل شيء.
**
من رحم الصحراء، يتصاعد صوته كشعلة نار، ليحدثنا عن بساطة الحياة، حيث الحب، والجمال الغامض في فوضى الوجود، يضيء الطريق: هو إنسانية كاملة، سلام وقوة، دهشة وسحر، أفق، وزيادة في جناحَي الحرية.
**
(549) أغني لك بلغتي الأفريقية، حيث تتزين المرأة بأوراق الشجر. وتغتسل العارية بنور العيون ونظرات المحبوب.
**
رسالته أن يواصل الترحال، والحب، والنوم تحت سماء مرصعة بالنجوم، ينظر في عيني الموت، ويتعلّم أن يعيش اللحظة، يتذوق وجوده بعمق، ويصوغ العالم كما يُشكَّل الطين.
فالصحراء ليست مكانًا جغرافيًا فحسب، بل هي تجربة قلب الإنسان.
**
(141)
وحده الذي لا يؤمن بشيء، يستطيع أن يستمتع بكل شيء. الجمال موجود فقط لأولئك الذين اجتازوا الصحراء.