عوالم بيان هايون الشعرية بين الغيوم والمياه
— ترجمة ومراجعة نقدية بقلم أشرف أبو اليزيد

بيان هايون، التي يحمل اسمها الأدبي معنى “بين الغيوم والمياه”، هي شاعرة صينية تمتاز برؤية نادرة وعمق شعوري بالغ. تتنقل أعمالها بين المساحات الداخلية للروح البشرية وبين اتساع الطبيعة والتاريخ، بكل ما في ذلك من نعومة وعمق. وكعضو في عدد من الجمعيات الأدبية الصينية، وشخصية محورية في مبادرات ثقافية، رسخت بيان هايون مكانتها كصوت شعري فريد في الشعر الصيني المعاصر، صوت يجمع بين الحميمية والاتساع، وبين الرقة والعمق الفلسفي.
في قلب شعر هايون وعي بيئي عميق، متداخل مع تأملات وجودية. ففي قصيدة “لون العشب”، تتأمل في الصلابة والمعاناة غير المرئية من خلال استعارة العشب:
“هم لا يأبهون بالتواضع أو التفاهة / هم موجودون حتى في المشاعر / كلمات مثل الألم، الموت، الدونية، والحزن / كلها مغلقة.”
ترتقي هايون بالمألوف إلى مستوى فلسفي، كاشفةً كيف أن أبسط أشكال الحياة تحمل في داخلها حكمة عن البقاء والهشاشة والانبعاث من جديد. طريقتها الشعرية تتسم بالمراقبة والانغماس معًا؛ فهي كثيرًا ما تضع ذاتها داخل الطبيعة، لا خارجها.
في “داء الرئة السوداء”، تنتقل من الطبيعة إلى واقع مؤلم، حيث تجسد معاناة عامل منجم أصيب بمرض رئوي مزمن. لا تُضفي الرومانسية على الألم، بل تُظهره بوضوح شعري وتعاطف إنساني:
“هذه الرئة القاسية، هذا المصير القاسي / لا أستطيع سوى أن أبذل جهدي / أعطي الدواء والأوكسجين، وأمنح راحة مؤقتة.”
هايون تُبرز في هذه القصيدة التضحية اليومية لأناس يُهمشهم المجتمع، مستخدمةً الشعر كوسيلة لإضاءة الحقيقة.
أما في “فراشة الفيلسوف تشوانغ تسي”، فإنها تستحضر الفلسفة الطاوية لتصور الحرية الروحية والانعتاق من أعباء المادة:
“ارتدِ جناحي فراشة وارقص برشاقة / وضع جانبًا الزينة من ذهب وفضة ونحاس وحديد / التي نُحتت في الجسد لسنوات.”
في هذه الأبيات، تدعو القارئ إلى التخفف من الأعباء والعودة إلى الجوهر، مجسدةً الحلم بالتحول والحرية.
تعتمد هايون في شعرها على إحساس عميق بالمكان: من سهول منغوليا في “مروج هويتينغشيلي”، إلى جلال “سور الصين العظيم على جرف ناطحة السحاب”، وصولًا إلى حداثة “موعد في دبي”. في كل مشهد، لا تكتفي بوصف المكان، بل تخلقه شعوريًا وروحيًا.
أسلوبها الشعري يتسم بالغنائية الطبيعية، والصور الدقيقة، والتأملات الفلسفية، مما يتيح لها التنقل بين موضوعات متعددة: دهشة الطبيعة، الذاكرة التاريخية، الصحوة الروحية، والتواصل العالمي. سواء تأملت في تواضع الأعشاب أو في أبراج دبي المذهلة، تظل قصائد بيان هايون تنبض بالحياة، بالحس، وبالموسيقى الداخلية للروح.
في زمن تتكاثر فيه الحواجز الجغرافية والعاطفية واللغوية، تذكرنا قصائد بيان هايون بقدرة اللغة على تجاوز الحدود، وملامسة الأرواح، وتخيّل عوالم بديلة. إنها تقف حقًا “بين الغيوم والمياه”، وتكتب من هناك قصائد تتلألأ بالبصيرة، والمرونة، والموسيقى الخفية للذات.
السيرة الأدبية لبيان هايون (بين الغيوم والمياه)
بيان هايون، شاعرة صينية يتخذ اسمها الأدبي معنى “بين الغيوم والمياه”، وهو تعبير شاعري يختزل رؤيتها للعالم والحياة. هي عضوة في جمعية الشعر الصينية، وجمعية النثر الصيني، وجمعية أبحاث أدب الحكايات الرمزية. كما تشغل عضوية الهيئة التحريرية لجمعية شعر داتونغ، وتشغل منصب نائب الأمين العام لجمعية أبحاث ثقافة سان جين، فضلاً عن دورها كمخططة عامة لفرع مهرجان عيد الربيع الشعري في مقاطعة شانشي.
نُشرت أعمالها في عدد من الدوريات البارزة مثل: “النجمة”، و”صحيفة الشعب”، و”يوميات الكُتّاب”، و”أدب شانشي”، و”النهر الأصفر”، و”ريح الجبل”، و”نيوزيلندا”، و”أخبار أستراليا ونيوزيلندا”، و”قصر الشعر”، و”الأدب الجديد”، و”قائمة تصنيف الشعر الجديد في الصين لعام 2022″، و”قائمة الشعر الصيني الجيد لعام 2023″، و”شرارة”، و”الكتّاب الشباب”. وقد أصدرت مجموعات شعرية مثل “الريح تعبر الحدود” و**”طريق صغير في هذا العالم”**.
لون العشب
منذ الربيع، وهم يعتنون بأنفسهم
يمدون براعمهم الغضّة تباعًا
حتى يعمّوا وجه الأرض كلها
خُضرةً وازدهارًا
هذه النبتات الخضراء، لا تعرف الكوارث ولا المشقة
لا تعرف سوى النمو
تناولت المبيدات لتنجو
وجُرحت عرضًا من فأس الحقل
لكنها تؤمن أن ذلك ضروري
لا تأبه أبدًا بالتواضع أو التفاهة
بل تعيش في عمق المشاعر
كلمات مثل الألم، والموت، والدونية، والحزن
كلها مغلقة
لذا يمكنها أن تموت وتولد من جديد
تحت وقع المبيدات والفؤوس
وأنا أعيش أيامًا سعيدة بينها
غالبًا ما أضمّ ركبتيّ وأجلس إلى جوارها
أختبئ بين ألوان العشب
حتى وإن حملت الريح رائحة المبيدات، لا أشعر بها
وأقوم بسهولة
مراعي هويتنغشيلي
جاءت بي زهرة صفراء صغيرة إلى هنا
ابتسامتها المضيئة أصبحت
اللون الأصلي للمراعي الشاسعة
بتلات ذهبية، منسوجة معًا
بلسانٍ منغوليّ يرنّ
غناء الأزهار ينبض من قلبي
قطعة موسيقية، تُعزَف مع كمان الرأس الحصاني
تتحدث مع الأبقار والأغنام طوال اليوم
في قلب صغير
قاموس عن الاتساع والحرية
لقد سُجنتُ في هذا العالم طويلًا
لم أعد أذكر شكل الحرية
الآن، محاطةً بفرح زهرة برية
ي gallop قلبي في المراعي البعيدة
داء الرئة السوداء
يرافق الإنسان على عمق كيلومتر تحت الأرض
يرافقه مرارًا في ظلمة المناجم
غبار يتراكم عبر السنوات
يندمج في أنفاسه، ويترسب في رئتيه
ليصبح جزءًا من حياته
يقولون إنه “عامل منجم للضوء”
الكل يعلم أنه يعمل كي يبقى
ومن أجل العمل، يهب قوته وحياته كل يوم
رئته الطرية تحوّلت إلى صدفة حديدية صلبة
ولكي يتنفس
يركع على السرير
ويضع وسادةً، ثم ينام
شفاهه أرجوانية، وصدره مشوّه
ها هو أمامي الآن
هذه الرئة القاسية، هذا المصير القاسي
لا أملك إلا أن أقدّم الدواء
وأعطيه الأوكسجين، وأواسيه قليلًا
حين كتبت هذه القصيدة، كانت رئتاي تكافحان للفتح والانغلاق
تحوّلت إلى ألم صامت
وإلى نغمة مهيبة وعادية في آنٍ معًا
فراشة الفيلسوف تشوانغ تسي
الزهور نائمة، وأفق التسعين ألف ميل ينتظرك
الأحلام تأتي بأشكال شتى على طول الطريق
يمكنها أن تسبح بحرية لخمسة آلاف سنة
أنا واقفة أمامك
تضربني أشعة الضوء الحر
فتذوب الأحزان والأفراح، ويتّضح العالم وتنجلي الغيوم
تبتسم في حلمك، كما لو
أن الضوء كله يربّت على إيقاع أنفاسك
برودة العالم تذوب تدريجيًا
ارتدِ جناحي فراشة، وارقص بخفة
اتركْ الحليّ الذهبية والفضية والنحاسية
التي نُحتت في الجسد لسنين
يمكن للجسد أن يكون خفيفًا ورشيقًا
نظرة تلو أخرى
فراشات تشوانغ تسي كلها ترقص
وأخيرًا أضع عني كل شيء
فالجسد يستطيع أن يكون خفيفًا ورشيقًا
سور الصين العظيم على جرف ناطحة سحاب
تم جمع التراب المدكوك
سُحُبٌ ودخانٌ من ألف سنة مضت
أفكار تفرقها الرياح
تنينٌ عملاق
يندفع في أحضان الشمال الشاسعة
تجتمع فيه القوة
بفضل الشغف الكامن
هكذا يلتفّ طوطم الأمة صوب الشمال
يخطّ دائرتَه الثقيلة الشاسعة
كتابٌ من التاريخ
كم من نار أشعلت وأُطفئت على أبراج المراقبة
تصاعد الدخان وانخفض مرارًا
وسط خطوات التاريخ
راح يتخلى عن درعه الثقيل
ويطوي رمحه الذهبي وفرسه الحديدي
ويطوي مليون بطل
روح الأمة تتصلب
في هذا المائع المتذبذب
من احترق بشكل مأساوي في حياة سابقة؟
ومن يراقب وحيدًا في هذه الحياة؟

موعد في دبي
هل هو الطائر الخائف ينظر نحو الأعلى وسط الرمال الصفراء
حين يتمدد فوق جزيرة النخلة؟
القمر الجديد يصعد بهدوء نحو قبة البرج
حبة رمل تشتاق أن تندمج في مسار أخرى
قطرة ماء تلتقي بأخرى على بعد آلاف الأميال
الحب الحقيقي هو تراكب توهجات الشمس
في هذه اللحظة، يرفعنا برج العرب
نصرخ وسط توهّج ذهبي
في هذه اللحظة، نشهد الأسطورة مع الإمارات
كم هو ساحر أن ألمس انعكاس برج خليفة
يقف شامخًا، لكنه يجعل العالم يسمع صدى الأمواج
برج يخترق الغيوم، وآخر ينبثق من الأرض
مدينة تستيقظ
واحة خضراء تظهر، وصحراء تمتد
ألمع العيون في سماء الشرق الأوسط
تنظر من بعيد إلى العلم الأحمر ذي الخمس نجوم، وتتوهج معه
جمال، لؤلؤ، حرير، وخزف
تصطف أمام أجنحة معرض طريق الحرير
فتيات يرقصن بخفة، يعبرن الوعود المذهبة
تعكس أصول الأرواح، ماضٍ وحاضر
الليلة هناك شعر. تقول الأسطورة إن الشعر يسكنه
الحرية والروح تتطابقان بشكل مثالي
انطلق نداء المسجد، وأشارت إلينا نافورة الموسيقى
مأدبة أدبية كبرى على طريق الحرير
لنتلاقى مع روح نبيلة ووحيدة، نحتضنها ونحلق معها
لنتبادل التقدير، ونتفهم أرواحنا معًا