
في الذكرى الخامسة والثلاثين لانطلاق مهرجان ميديين الدولي للشعر، طرح مؤسِّسه، الشاعر الكولومبي فرناندو ريندون، سؤالًا عميقًا يتجاوز حدود بلاده:
ما الذي يجعل هذا المهرجان يجتذب هذا العدد الهائل من الشعراء من مختلف أنحاء العالم، وتلك الآلاف التي تحجّ إلى فعالياته سنويًّا؟
كانت الإجابات، المتدفقة من شعراء ومثقفين وفنانين من أرجاء المعمورة، بمثابة مرآة تعكس مكانة المهرجان الفريدة في قلب الشعر العالمي.
ومع انتشار صور سيمون شفَتال لجماهير تصغي للقصائد بينما تلوّح بالأعلام الفلسطينية، بدا المشهد كأنّه ثورة حيّة للكلمة.
من قيرغيزستان، أعلنت ألتيناي تيميروفا:
“إنه أضخم مهرجان شعري في العالم، منظم ببراعة، واسع النطاق ومليء بالوعود! شكرًا لأنكم جمعتم العالم كله ليتحدث بلغة الشعر.”
طارق الطيب (السودان–النمسا) وراتي ساكسينا (الهند) بعثا تهانيهما، فيما استعاد لويس برافو البدايات:
“ولد المهرجان في أحلك فترات كولومبيا، ساعيًا إلى خلق صلات عالمية في خضم عنف محلي. لقد ربّى أجيالًا في ميديين، علّمها الإنصات لعشرات اللغات… ليس تكديسًا جماهيريًا، بل حضور حيّ؛ ليس دعاية، بل لقاء؛ ليس منتجًا معلبًا، بل كلمة نابضة بالحياة.”
أما الشاعر الفيلسوف كيريدو فرناندو، فكتب:
“الشعر يحفظ جوهر الفكر في عالم أغرقه الضجيج، وابتذال الرغبات، والسلاح، والمخدرات، وفقدان الحس بالحرب. ما ينجينا، أُكرّر، يُؤَسّسه الشعراء.”
أرتورو هيرنانديز فوينتيس وصف المهرجان بـ:
“ملتقى عالمي… ونموذج ساطع للإخلاص للشعر.”
بينما كتبت دوريس سارّيا فالنسيا بحسّ شعري:
“لأن الفجر ملكٌ لقُبرة عاشقةٍ للشمس… لأننا نقع في الحبّ على وقع الكلمات… لأننا نقاوم النسيان.”
أما المخرج السينمائي باكيكو أوردونييث، فقال:
“علينا أن نعود. المهرجان نَفَس الحياة.”
من كوبا، صرّح مانويل غارسيا فيرديسيا:
“لأنه فضاء يُحترم فيه الشعر بحقّ، ويُقدَّر. كنت هناك، وشعرت بذلك كما لم أشعر به في أي مكان آخر.”
خوان كارلوس موريو سانشيز ذكّرنا:
“لقد ألهم تأسيس مهرجانات شعرية كثيرة في أمريكا وأبعد.”
وجاءت إجابات أخرى تكمّل اللوحة:
قالت إيرين تابيا:
“لأن ميديين بنت ثقافة جمهور.”
يوردانيس فيبليس وصفه بـ: “لقاء سحري.”
بلانكا موريل كتبَت: “فعل جماعي من الأمل.”
ناتاشا كَناپِه أضافت: “لأنهم يعرفون الاسم الحقيقي للشعر.”
جيرمان ريوس جاليغو اختصره: “واحة في صحراء الهمجية.”
الشاعرة إمنا كودِپي كتبت بعد متابعة المهرجان عن بُعد:
“هذا العام تابعته بالكامل عبر الإنترنت والتلفاز. يا له من إبداع! المايسترو ريندون قام بعمل رائع. آمل أن أكون هناك العام المقبل لأشارك أبياتي.”
النسخة الـ35 من المهرجان لم تكن مجرد احتفال بالشعر، بل تجسيد حيّ له من جديد.
وما عبّرت عنه كارمن أليسيا بيريز وأوليا دريسي البوزيدي لَخّصَ الجوهر:
“إنها ثورة شعرية، فريدة من نوعها.”
بيدرو رييس أوضح:
“ربما بسبب انفتاح الجمهور وحسن الاستقبال الذي يحظى به الشعراء المدعوون.”
ناترالدي أورتيز كتب:
“لأنها خمسة وثلاثون عامًا من المقاومة والإصرار، حتى تسلّلت إلى نخاع عظامنا.”
إسرائيل ألبرتو أُعجِب بالاستمرارية:
“لم أكن أعلم أن شيئًا بهذه الروعة قد غدا تقليدًا.”
ماجو كوييار قال:
“بفضل الجهد والمثابرة، صار جزءًا من هوية المدينة ومن تراثها الوطني.”
بيبْلاب ماجي من الهند هنّأ بإيجاز:
“حدث رائع. تهانينا. محبة.”
ماريالسيرا ماتوتي أعلنت:
“لقد غدوتم أسطوريين. الناس تُقدّر الجمال، والصدق، والأصالة. فليحيا مهرجان ميديين!”
ألما كويروز كتبت: “أريد أن أذهب.”
إليزابيث بيرغالو أجابت ببساطة: “لأجل صدقه.”
تيريزا كونسويلو كاردونا تأملت:
“الشعر يتجدد مع كل كبوة للإنسانية، وكل بناء للأمل… إنه من أعمق وأصدق تعبيراتنا الإنسانية والروحية.”
خوان ماوريسيو أوتشوا جالييغو أكد على اتحاد الأصوات:
“من رحم المقاومة، تنبع وحدة أصوات العالم… فالشعر هو اللغة الكونية.”
أدريانا يي مايبيرغ أشارت إلى روح المهرجان:
“التزامه الحقيقي بالحياة والجمال.”
إلياس بينيدو رويز كتب: “الشعر هو قلب الحياة.”
أورسولا ألفارادو قالت: “يا لها من روعة!”
وبيوفيلو بانكلاستا اختصر روحه:
“إنه وعد بالحيوية والجمال.”
في هذه الردود، يتجلّى السبب الحقيقي لقوة مهرجان ميديين: إيمانٌ مشترك بأن الشعر يداوي، ويوحّد، ويحفظ روح الإنسانية حيّة.
وأدرج الشاعر المصري أشرف أبو اليزيد قصيدته (إلى ميديين، حيث تُبعث القصيدة) في خانة الإجابة على السؤال:
ميديين!
أيتها المدينة التي تكتبنا كما نكتبها،
أيتها العاصمة التي تُنبت من الحجارة قصائد،
وتسكب على أعمدة الشمس حبرًا لا يجف.
خمسة وثلاثون عامًا،
والشعراءُ يحجون إليكِ من جهاتِ الأرض الأربع،
ليسوا حملة جوازات،
بل سفراء حروف،
يجلسون على عتباتكِ
ويقرؤون نشيد الحياة من جديد.
يأتيك الساكن في أقصى الشرق،
كراهبٍ خرج من صمته
ليقطّر الحكمة من غيمة الكلمات،
تشقّ بها الصخر،
وتنبت المعنى في أرضٍ عطشى.
ويأتيك الإفريقي،
مغسولًا بماء النيل والكونغو،
ينفض عن كتفيه غبار المستعمِر،
ويكتب بلغته الأولى نشيد التحرر.
ويأتيك العربي،
لا ليُروِي ألفَ ليلةٍ كما رواها الغريب،
بل ليخلقها من ذاته،
وفيها عطرُ الرافدين،
وجلالُ الأهرامات،
وصهيلُ الفاتحين الذين مرّوا بالقصيدة كأنها طريق حرير.
ويأتيك الأوروبي،
حالمًا بفردوسٍ داخلي،
يحمل روحه في حقيبةٍ من جلد الذاكرة،
ويتأمل في المرآة الجماعية ما تبقّى من الإنسان.
ويأتيك الأمريكي،
بأعلام الديمقراطية،
وبأناشيد الحرية،
ومرارة التناقض،
يبحث عن معنى أعمق من نشرة أخبار.
ويأتيك اللاتيني،
كمن عاد إلى بيته،
يعرف أزقتكِ وأسماءكِ المستعارة،
يرقص معكِ على نغمة النضال،
ويكتب لكِ ما لم يُكتب بعد.
ويأتيك الفلسطيني،
نعم،
يأتيك حاملاً نعشه،
ليس فيه موت،
بل كلمات خرجت من تحت كوفيته
تحمل ذاكرة البلاد،
تقصّ على العالم
كيف يكون الحب مقاومة،
وكيف تكون القصيدة وطنًا يُحرر.
يأتي الجميع،
وميديين،
كل عام،
تفتح ذراعيها كأمٍ للقصيدة.
تطرّز رايتها بحروف القادمين،
تغزلها بخيطٍ من محبة،
توثقها بالصوت،
وتطلقها في الهواء،
قصائدَ مطبوعة،
وأجنحةً تعبر الأثير.
يا ميديين،
يا أيقونة الشعر في هذا الزمن المضطرب،
كوني لنا قصيدة لا تنتهي.