

لمن لا يعرف المركز الثقافي الدولي بالحمامات، هذا المكان الساحر الخلاب الذي يجسّد تكثيفًا لسحر الطبيعة التي تجمع بين البحر والغابة والمرتفعات، بإطلالة بديعة على خليج الحمامات، أحد أجمل بقاع تونس..
وحسنًا فعل الزعيم التونسي “الحبيب بورقيبة” حين أمر بشراء المكان، الذي كان يُعرف باسم مالكه السابق الروماني أو الفرنسي الأصل “چورچ سبستيان”، عام 1962، ليحوّله إلى مركز ثقافي دولي حوالي عام 1964.
وقد اشتهر هذا المكان منذ زمن مالكه الأول “جورج سبستيان”، الذي بنى فيه عام 1927 فيلّا أو قصرًا صغيرًا فريد الطراز، باستقبال الفنانين والمشاهير مثل الممثلة العالمية “جريتا جاربو”، و”جان كوكتو”، والرسام الشهير “بول كلي”، و”إدوارد الثامن”. كما كانت تلك الفيلا مقرًا لثعلب الصحراء “رومل” خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهاء الحرب سكن في نفس المكان رئيس وزراء بريطانيا الأسبق “ونستون تشرشل” في الغرفة السوداء الشهيرة، التي تشبه “قمرة” في بارجة، كلها من الرخام الأسود الباهظ الثمن والنادر. وقد سبق لكاتب السطور تناول هذا الموضوع في مجلة “العربي” الكويتية الغراء.
لكننا هذه المرة التقينا بالعذوبة والأصالة وتماهي المشاعر مع فنان رائع، في إحدى أجمل سهرات مهرجان الحمامات الدولي في دورته الـ59 لعام 2025، ألا وهو الفنان “يوري بوينافنتورا”.

تحوّل الزمان والمكان إلى سيمفونية راقصة بفضل عذوبة وجمال صوت “بوينافنتورا”، حيث امتزج صوته الحنون بموسيقى “السالسا” التي تتمايل معها الأجساد وتتراقص في نعومة، مع فواصل من عزف الصولو على آلات النفخ مثل الساكسفون والكلارينت، لنعود إلى صوت “يوري بوينافنتورا” العذب، قبل أن نعبر إلى مراوحة جديدة لـ”صولو” مع آلة “التشيلو”، ويتماهى الجمهور والمكان مع صوت نجم الحفل وعازفي فرقته البارعين، لينصهر الكل في واحد.
داليدا والشيخ إمام:
من المؤكد أن من أقرب شعوب الأرض إلى روح الشعوب العربية ومشاعرها والتفاعل مع قضاياها هي شعوب أمريكا اللاتينية. وقد حرص “يوري بوينافنتورا” على التفاعل مع الجمهور، سواء باللغة الإسبانية – اللغة الرسمية لبلاده كولومبيا – أو من خلال اللغة الفرنسية التي تحدث بها أيضًا بشكل مفهوم ومقبول، بدا واضحًا من خلال تفاعل الجمهور وتجاوبه معه، خاصة عندما طالبهم بالرقص مع غنائه ألحان “السالسا”.
كما أثار شجون الجمهور عند استحضاره لسيرتي وفن النجمة الأيقونة “داليدا”، والتي يعرف سيرتها منذ مولدها في حي “شبرا” بمصر، وعملها ككومبارس في السينما المصرية قبل أن تعرف طريق النجومية لتصبح أيقونة من أيقونات فنون الموسيقى والغناء الفرانكوفونية.
كما كان استحضاره لسيرة وفن الشيخ “إمام” دليلًا على إلمامه الفني الكبير، وموسوعيته، واطلاعه على القضايا الوطنية والإنسانية العادلة.
سهرة “يوري بوينافنتورا” زادت مهرجان الحمامات ألقًا على ألق، وزادت المكان سحرًا على سحر، وسُجلت في الدورة الـ59 من مهرجان الحمامات الدولي كسهرة لا تُنسى في تاريخ هذا المهرجان العريق، وإحدى أروع سهرات تلك الدورة.
رابط الڤيديو من موقع الزميل “ستاند اب TV
—
يوري بوينافنتورا.. عميد السالسا الكولومبية:
يُعد المغني الكولومبي “يوري بوينافنتورا – Yuri Buenaventura” عميد السالسا الكولومبية.
وهو فنان كولومبي شهير، يُعرف بكونه أحد أعمدة الموسيقى اللاتينية عالميًا، وخاصةً موسيقى السالسا. يتميز بصوته القوي والعاطفي، وقدرته على أداء كلاسيكيات السالسا بشغف كبير.
وقد اشتهر بشكل أساسي بموسيقى السالسا، بالإضافة إلى البوليرو وموسيقى أمريكا اللاتينية بشكل عام، ويمزج في أعماله بين الألحان اللاتينية التقليدية والإيقاعات العالمية. وقد بدأت مسيرته الموسيقية فعليًا في التسعينيات.
أصدر ألبومه الأول Herencia Africana عام 1996، وحقق نجاحًا كبيرًا في كولومبيا وأوروبا. واشتهر بإعادة تقديمه لأغنية Ne me quitte pas الشهيرة.
وبعد انقطاع دام ست سنوات، أطلق ألبومه الجديد بعنوان Ámame، الذي وصفه بأنه “حلم موسيقي” و”تحية للموسيقى اللاتينية في نيويورك”.
كما اشتهر “بوينافنتورا” بعروضه الحية المفعمة بالطاقة والتفاعل مع الجمهور. وغالبًا ما يدعو الحضور للرقص على خشبة المسرح، ويُعرف بحضوره الآسر وكاريزماته الطبيعية.
ودائمًا ما يحرص على تضمين رسائل إنسانية في عروضه، ويندد بالحروب والصراعات في العالم، مؤكدًا على أهمية الموسيقى في تجاوز الحدود وتقريب الشعوب.
وليس ذلك فحسب، بل يُعد “يوري بوينافنتورا” مصدر إلهام للعديد من الفنانين، وقد تأثر بأعمال فنانين عالميين مثل باكو دي لوسيا، جيمس براون، نينا سيمون، بوب مارلي، ولويس أرمسترونغ.
كما زار “بوينافنتورا” المغرب وتونس، وأقام العديد من الحفلات الناجحة فيهما، من بينها مشاركته في مهرجان موازين ومهرجان الحمامات الدولي، حيث لاقى تفاعلًا كبيرًا من الجمهور العربي. وقد أبدى إعجابه بالمغرب، وكتب أغنيتين عنه هما Marruecos و La vallée des roses.
باختصار، “يوري بوينافنتورا” هو فنان كولومبي متميز يجسد روح الموسيقى اللاتينية الأصيلة، ويقدمها بأسلوب يجمع بين الشغف والإنسانية