إعلامشخصياتلقاءات

الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد … من زاوية أخرى

بقلم: أشرف أبو اليزيد

تابعت مساء الأمس حلقة جديدة بثتها قناة النيل الثقافية على الهواء مباشرة من برنامج “من زاوية أخرى”، وللمتابعة أكثر من سبب. فهو طقس أسبوعي في البيت لأن البرنامج جزء أساس، من عمل زوجتي المخرجة التليفزيونية والكاتبة فاطمة الزهراء حسن. وفي إطار عملها كمنسقة له (producer ) ، سنكون على علم بالضيف، والفواصل، وربما المحاور، وخط سير الضيف حتى الاستوديو، ويكون ظهوره على الشاشة تتويجا لأسبوع من الإعداد مع طاقم البرنامج كله.

وقد جاء الأمس بسبب إضافي، وهو أن صديقي الأديب الكبير، إبراهيم عبد المجيد، هو نجم الأمسية، التي تخصص لضيف واحد في حالاات نادرة، حين يكون  أحد أعمدة الرواية العربية المعاصرة؛ الكاتب الذي جعل من الإسكندرية سردًا حيًّا، ومن الحكاية مرآةً للزمن والجمال والتاريخ.
الروائي والمترجم والقاص إبراهيم عبد المجيد، صاحب الثلاثية السكندرية، والمكرم بأكبر  الجوائز الأدبية الكبرى من مصر والعالم العربي، تحدث بحب وتواضع، وثقة، وقد فضلت أن استمع إليه وحده، فكنت أخفض صوت الأسئلة حتى لا أنزعج بها، وأرفع الصوت حين يجيب حتى استمتع، وكأنه يستعيد معي في جلسة خاصة ذكريات الرحلة، بين المسار العملي، والمسيرة الأدبية.

تسللت كلمات إبراهيم عبد المجيد للقلب والعقل مع،  فالإسكندرية ليست مجرد مكان في رواياته، بل ساهمت في تشكّل وعي المبكر بها كمدينة للخيال والتاريخ. وقد وضعت ثلاثيته “لا أحد ينام في الإسكندرية” و”طيور العنبر” و”الإسكندرية في غيمة”، المدينة في قلب الأدب العربي.

كان شغف الكاتب بالمكان استجابة لاتساعه، مما أعطاه زخما للإبداع، وأطل بالمشاهد على بعض الإشارات، وكيف أن صفحة أولى من الجريدة يمكن أن توجز الحياة، بين الأخبار التي تتصدر، والتقارير التي تتوزع، وأحجام كل منها، ومحتواها المتنافر رغم تجاوره.

الجميل في رحلة الأديب المترجم هو ذلك البحث الدؤووب، فصاحب الأعمال الروائية الخمس والعشرين، والمجموعات القصصية، يدرك أنه لم يخلق للصحافة العادية التي يمكن أن تستهلك موهبته، فاتجاه إلى الصحافة الفكرية، التي لا تتناقض مع إبداعه، فكان يراجع الكتب الإنجليزية، ويجري  اللقاءات، لأن ذلك يمكن أن يشغل النهار، بين يختلي بالليل والإبداع السردي، حيث تطل آلهة الخيال.

لم يشغل نفسه كثيرا بمسألة تحول الإبداع الروائي له إلى السينما، فمنذ عصر نجيب محفوظ ويوسف السباعي ويوسف إدريس، وإحسان عبد القدوس، الذي كانت الرواية ترفد السينما بأكثر من نصف نتاجها، لم تلتفت في الوقت الحالي إلا إلى حفنة، أخذت منهم 15 فيلما فقط، رغم انتشار الروايات ورواجها. فالمشكلة عند السينمائيين.

يشير عبد المجيد إلى أن اقتباس العمل دراميا، في السينما أو التلفزيون، يجعل منه مكونا مختلفا، فالرواية لغة، والعمل الفني صورة، وهو مسؤول عن الأولى، ولا يعنيه الثانية، رغم إشادته ببعض العمال المأخوذه والمستلهمة من حروفه.

اتسع الحوار إلى الأسرار، وخاصة   في كتابه “رسائل من مصر”، الذي ترجم  فيه رسائل  «ليدى دوف جوردون» الكاتبة والمترجمة العظيمة فى تاريخ الأدب الإنجليزي التي جاءت إلى مصر عام 1862 للاستشفاء من مرض السل وسط الطبيعة الجافة. أرسلت رسائلها إلى زوجها وأمها وابنتها حتى رحلت ودفنت في مصر…  ولم تكن الأسرار في رحلة البحث عن الرسائل الكاملة وحسب، ولكن في المحتوى الذي تضمنته هذه الرسائل، فقد أقامت  ليدى دوف جوردون بالقنصلية الفرنسية بالأقصر، وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن القنصلية الفرنسية في الأقصر خلال القرن التاسع عشر كانت مقامة فوق أو بجوار أحد المعابد الفرعونية، وتحديدًا في موقع معبد الأقصر أو بالقرب منه.

ففي تلك الفترة، كان الأجانب، وخاصة البعثات الدبلوماسية الأوروبية والرحالة والمستشرقين، يحصلون على تصاريح من السلطات العثمانية والمصرية للإقامة في مبانٍ قريبة من المواقع الأثرية، بل وأحيانًا تم استخدام أجزاء من المعابد أو مواقعها كمقار مؤقتة أو مخازن أثرية أو مساكن.

وتُذكر حالة القنصل الفرنسي الشهير فرناندو بليو (Fernand Bisson de la Roque)، الذي كان له اهتمام كبير بالآثار، وأقام لفترة طويلة في الأقصر، وربما ساهم وجود القنصلية قرب المواقع الأثرية في تعزيز جهود الفرنسيين في توثيق الآثار ونقل بعض القطع إلى متحف اللوفر لاحقًا.

في كل رواية من رواياته، ثمّة مدينة، وذاكرة، وحب، وحرب، وحياة تُروى بلغة لا تخطئها العين. شكرًا لك صديقي المبدع الكبير إبراهيم عبد المجيد على هذا اللقاء الذي أخذنا فيه إلى “زوايا أخرى” من السرد والفن والحلم.

وجها لوجه، التقيت مع الأديب الكبير في القاهرة أكثر من مرة، آخرها في رحاب مكتبة الجامعة الأمريكية (يناير 2023)، خلال حفل توزيع جوائز ساويرس الثقافية، ولكن بالأمس كان اللقاء عبر الشاشة، وكانت لنا “واسطة كبيرة” لتهديه بعض كتبي التي أحببت أن يتصفحها، ومنها كتابي (نجيب محفوظ: السارد والتشكيلي)، وربما تابع الكثيرون التجارب التشكيلية التي تناولت أعمال عبد المجيد، سواء المعرض التشكيلي المستوحى من روايته “لا أحد ينام في الإسكندرية” الذي أعاد تقديم النصوص من خلال الريشة، والتجربة التشكيلية قبل سنوات للفنان ماهر جرجس ومعرضه المستوحى من  روايتيه “لا أحد ينام في الإسكندرية” و “عتبات البهجة”.

ساهم في عبور عتبات بهجة الأمس فريق العمل فاطمة الزهراء حسن، وحسين الحسيسي  وسهر منسي وأشرف سليمان، وحرصت الإعلامية سها النقاش رئيس قناة النيل الثقافية على الترحيب بالضيف الكبير. وبالطبع لا أنسى أن أشكرى ابنتي هدى، الطالبة بكلية الآثار في جامعة القاهرة، التي مارست هوايتها بإنتاج إشارة الفيديو الترويجية التي بثتها القناة للإعلان عن الحلقة.

الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد والأستاذة سها النقاش رئيس قناة النيل الثقافية (يمين الصورة) والمخرجة فاطمة الزهراء حسن (منسق البرنامج) و الإعلامي حسين الحسيسي معد برنامج من زاوية أخرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى