أدبشخصيات

قصائد الضوء والمطر والوحدة

قراءة في شعر وسيرة الشاعرة الإسبانية فيرجينيا فرنانديث كولادو

مراجعة : أشرف أبو اليزيد لخمس قصائد كتبتها فيرجينا فرنانديث كولادو

في قلب الأندلس، وتحديدًا من مدينة بيدار في ألمرية، وُلدت الشاعرة الإسبانية فيرجينيا فرنانديث كولادو سنة 1977. استطاعت أن تخلق لنفسها عالمًا شعريًا متفردًا، يجمع بين الصفاء اللغوي، والتأمل الوجودي، والانتماء العميق للطبيعة، والحوار الدائم مع الحواس. تعتبر كولادو من أبرز الأصوات النسائية في الشعر الإسباني المعاصر، وقد انعكس ذلك في مشاركاتها المتنوعة ضمن أنطولوجيات عالمية في الهند، كولومبيا، ألبانيا، وغيرها.

أصدرت كولادو عددًا من الدواوين المهمة، مثل “Depredador” (المفترس، 2015)، “Poemas 2006-2016” (قصائد 2006-2016)، “Bosque” (الغابة، 2020)، “Lluvia” (المطر، 2020)، “Los cantos de Layla” (أناشيد ليلى)، وأخيرًا “Desierto” (الصحراء، 2024). وهي عضو في قسم الأدب بـ”معهد الدراسات الألْمريّة”، مما يعكس صلتها الوثيقة بالجغرافيا الثقافية لمنطقتها.

في قصائدها الخمس الأخيرة التي نشرتها مجلة La Otra en línea في يوليو 2025، تقدم لنا فيرجينيا تجربة شعرية ناضجة، تُزاوج فيها بين البساطة الظاهرة وعمق المعنى الداخلي.

في قصيدتها الأولى، تتحدث عن الحزن بوصفه شعورًا متجذرًا في الجسد والروح، فتقول:

“إذا أحب، بعد ذلك
يأتي الحزن.

لكنني أحب.”

رغم الاعتراف بالحزن كظل دائم بعد الحب، لا تتوقف كولادو عند الألم بل تعبره نحو النور. تعلن التمرد على دائرة الحزن فتقول:

“لا أشعر بالحزن كما تشعر به دونو،
لم أعد أشعر بالحزن، هنا.”

وفي قصيدة “Martes, enero 19, 2021”، نلمس البعد الغنائي في مخاطبة الحبيب الغائب، حيث توظف الصور الطبيعية كرموز للغياب والأمل معًا:

“لا تغطِ الحزن بيديك،
فالمطر سيحمله بعيدًا.

الصباح صافٍ،
وأنت تحملني.”

كثيرة هي اللحظات التي تحضر فيها الطبيعة كجسد حي في نصوصها، كما في قصيدة “El sentir bosquimano”، حيث تقول:

“أشعر على ظهري بخفق أجنحة العوالم والمنقار،
كما ذاك البوشماني،
أشعر بحرية الزرزور تجري في عروقي.”

أما في قصيدتها “Verano” (الصيف)، فتقدم تأملًا ميتافيزيقيًا يمزج بين العزلة الكونية والإيمان بألوهية الأرض:

“أؤمن بالأشجار والجبال،
بالغابات والأنهار،
بالأرض التي تسافر عبرها آلامنا وأفراحنا.”

ويتجلى التساؤل الوجودي العميق في نهاية النص، حين تقول:

“ما هذه الوحدة التي تدعونا للانطواء؟

المطر له عباءة،
يغطي بها كل شيء،
لم يرَ السماء.
أعمى، يسقط المطر.”

بهذه اللغة الحسية، المتصلة بأعماق النفس والطبيعة، ترسم فيرجينيا فرنانديث كولادو خريطة شعرية ذات طابع صوفي حداثي. إنها تكتب لا لتُرضي الذائقة فقط، بل لتقود قارئها إلى مساءلة وجوده، وجمال الألم، وحقيقة الحب.

إن تجربة كولادو تؤكد أن الشعر ما زال قادرًا على أن يكون وطنًا لمن لا وطن له، وصوتًا لأولئك الذين لا صوت لهم، وحديقة سرية تقودنا من ظلمة الحزن إلى نور الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى