
تتذكرون تلك الفكرة المجنونة التي كنتُ سألت حضرتكم عنها:
فكرة كتاب عن، أو باسم:
الثقافة الجنسية والفنون العارية في حياة المبدعين
-
البعض اختلف، ولهم الاحترام.
-
والبعض وافق، وفوق رأسي.
-
والبعض تردد، على عيني.
لكن تظل الحقيقة واحدة:
إن الإبداع العاري جزء مهم من دراسة وحياة وتكوين كل فنان.
الإبداع والعاطفة
إن المشاعر الصادقة والأحاسيس الإنسانية هي التي تقود الإنسان إلى التغيير والتبديل الروحي،
وإن جسد الإنسان بعيداً عن الشهوانية هو النموذج الجمالي الأصلي في الحياة.
الفنان بدون مشاعر ولا إنسانيات هو مجرد صانع يقدّم شيئاً بلا أهداف،
شيئاً جافاً مريضاً ينقصه الحلم والأمل والتجديد.
أدولف لوس: الفن والجنس
الشعراء والأدباء الكبار والرسامون العظماء كانت المشاعر الجسدية محركهم الأساسي في الإبداع.
نموذجاً يقول أدولف لوس، صاحب كتاب الفن والجنس، الأمريكي الأصل:
«كل فنّ شهواني».
هذا ما ذكره في كُتيّبه الصادر في بداية القرن بعنوان الزخرفة والجريمة.
-
الزخرفة: الإبداع التشكيلي البصري والتطبيقي.
-
الجريمة: تحريم الإبداع.
رواية مبكرة من أدولف لوس، الذي عاش – بلا شك – في مجتمع مختلف عنّا إنسانياً وإبداعياً فيما يخص الحرية الشخصية.
ويضيف:
«أول زينة ظهرت على الإطلاق، ألا وهي العلامة الدينية، ومع ذلك كانت ذات أصل شهواني.
أول عمل فني، أول إيماءة شهوانية أطلق بها الفنان العنان لشغفه بالكتابة على جدار، كانت شهوانية.
كان الخط الأفقي يُمثّل المرأة المُتكئة، والخط العمودي يُمثّل الرجل المُخترِق».
بودلير واللا أخلاقية في الفن
هذه الحقيقة قد لا تُرضي الجميع.
وهنا يروي شارل بودلير في قصيدته قلبي مُجرّداً:
«كل حمقى البرجوازية الذين لا يتوقفون عن ترديد عبارة: لا أخلاقي،
أقول لهم: لا أخلاقي في الفن.
فما يحكم العمل هو جودة تأثيره، لا مقاييس الأخلاق».
بودلير يضيف:
«لو طبقنا المعايير الأخلاقية على الفن لمنعنا نصف أعمال الفراعنة القدماء،
الذين قدّموا لنا قصصاً إنسانية عظيمة عن طريق الجسد والعلاقات الحسية التي جسّدها المبدعون».
قصة بودلير في اللوفر
يحكي بودلير:
«المقاييس الأخلاقية في الفن ما هي إلا هراء.
يذكرونني بالسيدة بلويز فيليديو، عاهرة كان ثمن الليلة عندها خمسة فرنكات.
ذات يوم رافقتني إلى متحف اللوفر، حيث لم تزره من قبل.
بدأت تحمرّ خجلاً، وتغطي وجهها بكفّيها، وتشدني من كُمّي عند كل تمثال ولوحة خالدة: لورنز، مايكل أنجلو، فنانو النهضة…
وهنا تساءلت: عاهرة تغطي وجهها أمام الإبداع، وهي تمارس الفحش بالمال!
كيف يمكن للمرء أن يُظهر هذا الفحش علناً؟
إنه التواضع الزائف والمحرمات التي صنعتها الحضارة اليهودية–المسيحية».
بين الرغبة والفن
الفن يدفع الثمن حتى في المتاحف.
ألسنا جميعاً نحمل نفس الرغبات؟
سواء فضلنا الشفاه، الشعر، النظرة، الأطراف، أو الزينة؟
الفن أيضاً يعج بهذه الميول، بوعي أو بغير وعي.
وللفنانين هواجسهم، كغيرهم من البشر، وحاجتهم إلى إبراز تفاصيل معينة.
النماذج الفنية
-
جوستاف كوربيه رسم الجنس ببراعة، وأطلق عليه عنواناً: أصل الحياة أو أصل العالم.
-
رودان، ماتيس، إيجون شيلي، بيكاسو، ماجريت، دالي، محمود سعيد، ناجي، جوجان، بونار… وغيرهم.
كل هؤلاء خاضوا تجربة الفن الجنسي، بينما واجهوا في المقابل المهووسين بالتحريم.
الخلاصة
نحن أبناء قابيل وهابيل، أول جريمة بشرية سببها الرغبات.
لكن يجب أن نناقش هذه القضايا بهدوء، بعقلانية ووجدان وفطرة سليمة،
لأن الموضوع بالغ الأهمية، جمالياً واجتماعياً،
مع مراعاة اختلاف المجتمعات والثقافات.
باريس
عبد الرازق عكاشة
متحف دارنا