أحداثأدب

كتاب “المرآة” يكرس العلاقات العميقة بين العالم العربي وولاية كيرالا الهندية

أَعلَنَ الدُّكتور محمّد رياض، أستاذ مساعد قسم اللغة العربية في كلية سر سيد التابعة لجامعة كنور في ولاية كيرلا، ود. زين العابد ك.ك، أستاذ مساعد، مركز التعليم عن بعد وعبر الإنترنت، جامعة كاليكوت عن إعداد منهجٍ دراسيٍّ جديدٍ لِلبكالوريوس في اللغة العربيّة في جامعة كانور (Kannur University) بولاية كيرالا، أُدرِجَت فيه قطعةٌ أدبيّةٌ من تأليف الشاعر والرّوائي والرَّحّالة المصري أَشرف أَبو اليزيد عن ولاية كيرالا، تُسلّط الضّوء على جمال طبيعتها، وتنوّعها الثّقافي، وتاريخها العريق في التعايش السِّلمي، وعلاقتها التّاريخيّة مع العالم العربي.

وجاءت مقالة الكاتب المصري مخصَّصةً للدَّرس الأوَّل، متبوعةً بترجمةٍ، وأسئلةٍ معرفيّةٍ وبلاغيّة، وكان عنوانها: (رِحلتاي إلى كيرالا: محبّة لا تنطفئ).

زُرتُ الهند خمس مرّات، لكن زيارتين منها كانتا مميَّزتين بشكلٍ خاص، لأنّهما حملتاني إلى ولاية كيرالا السّاحرة، تلك الأرض التي يليق بها اسم “بلاد الله في الأرض”. لم تكن زياراتي مجرّد عبورٍ جغرافي، بل كانت محطّاتٍ شعوريّةً ونفسيّةً غنيّة، جعلتني أُفاضِل بينهما طويلًا، مُحاولًا أن أختار أيّهما كانت الأجمل، وأيّهما تركت أثرًا أعمق في قلبي.

في المرّتَين، أَقمْتُ في أماكنَ مريحة، ولكن في إحدى الزّيارتين نزلتُ في منتجعٍ تُحيط به الأشجار والنّخيل من كلّ جانب، وتنساب أمامه المياه الهادئة كأنّها مرآةٌ خضراء. المنتجع بدا واضحًا أنّه وجهةٌ مفضَّلةٌ للسُّيّاح، وربّما لهذا السّبب كانت العناية فيه بالتّفاصيل عالية، من النّظافة إلى الخدمات، إلى الابتسامة التي لا تُفارِق وجوه العاملين. لكنّ ما جعلني أَرتاح حقًّا لم يكن فخامة المكان فقط، بل شعوري بأنّني بين أناسٍ ودودين، يُرحِّبون بك كما لو كنت واحدًا منهم.

أمّا الطّعام، فقد كان محطَّ إعجابي في كلتا الزّيارتين. لم يكن مُعقَّدًا أو مُثقَلًا بالتّوابل كما يُشاع، بل بدا وكأنّه طُبِخَ في بيتي! سواءٌ أَكلتُ في مطعمٍ راقٍ أو على قارعة الطّريق، كنت أجد الطَّعْم دافئًا، مليئًا بالعناية والمحبّة، خاصّة أطباق الأرزّ مع الكاري النّباتي، والخُبز الطّازج مع الأسماك الشهيّة.

أمّا على الصّعيد الأكاديمي، فقد كانت زيارتي الأولى مناسبةً احتفاليّةً خاصّة، حيث احتفلنا بصدور التّرجمة الماليالاميّة لروايتي “حديقة خلفيّة”، وكان هذا اللّقاء حافلًا بالقرّاء والكُتّاب والطّلّاب. شعرتُ آنذاك وكأنّني في عُرسٍ ثقافيٍّ عربيٍّ يُقام على أرضٍ هنديّة. أمّا في الزّيارة الثّانية، فقد حضرتُ مناقشة الباحثة سبينة، التي دافعت ببراعةٍ عن أطروحتها لنَيل الدُّكتوراه حول “شعريّة السّرد في روايات أشرف أبو اليزيد”، وقد غمرتني مشاعر الفخر والامتنان.

العلاقة بكيرالا لم تنقطع بعد، فما زلت أتلقّى زياراتٍ من طلّابها وباحثيها في مصر، كما أكتب في الصّحف والدّوريّات العربيّة عن معالمها السّياحيّة مثل “جسر على نهر نيلامبور”، و**”متحف خشب السّاج”** وأعرق الغابات الصّناعيّة. ولا يمكنني نسيان زياراتي إلى مراكز الأيورفيدا التي تُعلِّم فنون الشّفاء الطّبيعي، أو تجربة القوارب الخشبيّة التي تَنساب في بحيرةٍ فوق الجبل! والجلوس عند الغروب على ساحل المحيط حيث اعتادت سفن العرب الإبحار.

زيارتا كيرالا كانتا جميلتَين، كأنّهما فصلان من كتاب الرّوح، ولا أعلم إن كنت أستطيع تفضيل واحدةٍ على الأخرى، فلكلٍّ منهما رائحةٌ وظلالٌ خاصّة. وربّما، كما يُقال: “أجمل الرّحلات هي تلك التي لم تأتِ بعد”، لذا أَرجو أن تكون زيارتي القادمة إلى كيرالا أجمل من السابقتين، وأن تحمل في طيّاتها فصولًا جديدة من المحبّة والمعرفة.

يقول المحرران:

كتاب “المرآة” الذي بين أيديكم تحفة ثقافية تسلط الضوء على العلاقات العميقة بين العالم العربي وولاية كيرالا الهندية، وتبرز التراث الغني لهذه المنطقة وانعكاساته في الأدب العربي. يهدف الكتاب إلى تعريف طلاب الفترة الثالثة في مرحلة البكالوريوس في جامعة كنور عن تراث كيرالا وتاريخها وعلاقاتها باللغة العربية والأدب العربي.
تستعرض الوحدة الأولى الخلفية التاريخية للعلاقات العربية-الكيرالية، مع التركيز على رواد الإصلاح الاجتماعي مثل شري نارايانا غورو وأيّانكالي وغيرهم، الذين ساهموا في تشكيل هوية كيرالا الحديثة.
أما الوحدة الثانية، فتغوص في الأدب النثري العربي، من خلال نصوص مختارة من “تحفة المجاهدين” لزين الدين المخدوم، و”الدعوة الإسلامية” للدكتور محيي الدين الآلوائي، إلى جانب انطباعات كتّاب عرب معاصرين مثل أشرف أبو اليزيد ومحمد النابلسي، إضافة إلى استعراض الفنون الكيرالية مثل رقصة موهيني وكاثاكالي في المجلات العربية.
وتتناول الوحدة الثالثة التعبير الشعري، حيث تبرز أبيات من قصيدة “الفتح المبين” للقاضي محمد، وأشعار معاصرة لشعراء مثل شهاب غانم وسالم خالد الرميضي، تعكس جمال كيرالا ومعالمها وروحها وتاريخها.
يطمح “المرآة” إلى بناء جسر معرفي يربط الطلاب بتراث كيرالا الثقافي والتاريخي، ويعزز فهمهم للتفاعل الحضاري بين العرب وهذه المنطقة، مقدمًا رؤية شاملة تجمع بين التاريخ والأدب والفنون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى