
أمي … إيقاعُ الفِراقِ المَرِّ
بقلم: د. حنان عواد، فلسطين
المرأةُ التي ارتحلتْ في قلبي
وعانقتني عبرَ ألسنة الحبَّ والكبرياءِ
وسافرتْ إليَّ بعيونٍ فِلَسطينيةٍ.
المرأةُ التي لا ترحَلُ إلا إلَيَّ
وتفارقُني، لتَجِدَني مَعزَّزَةً في صنعِ صيرورةِ المجدِ.أفتقدكِ يا أُمّي
حينما خلا المكانُ من كينونتكِ.
أراكِ مُقبِلَةً مُدَبِّرَةً
كَعجَلاتِ الأقدارِ الحادَّةِ.
تَحمِلِينِي الأمانَ
وتَكتُبينَ الوصيةَ.فمن يُعوِّضُني فقدُكِ مَنْ؟
ومن يَصُبُّ سوائِلَ التَّخديرِ
على جِراحِ الآلامِ؟لَقَدْ تكسَّرَتْ كلُّ أجنِحَتي.
لَقَدْ تكسَّرَتْ كلُّ أجنِحَتي.يا أُمّي
أنتِ نِصفُ كِبْرِيائيَ الوَطَنِيُّ
وصورةُ المجدِ في قواريرِ الأملِ.
أنا أفتقدكِ
أَنِي أفتقدكِ.ماذا أقول وقد اكتشَفتُ حَقِيقَةَ الوداعِ؟
ألوانٌ مبعثَرةٌ وغبارٌ،
أنهارُ دموعٍ، وصَلاةٌ.
أنتِ المَلَكُ الطاهرُ
وأنتِ — أنتِ فلسطينُ.
الوداعُ، الوداعُ يعذِّبُني
ويعيدُني إليكِ.حينَ استيقظَتْ وَرْدَةُ العِشقِ
وغَنَّتِ الطُّيورُ أجملَ الألحانِ،
وحولكِ تَجتَمِعُ العاشِقونَ…أقدِّمُ اعتذاري إليكِ،
إلى عينيكِ،
وأَطوفُ بأُمٍّ لا يَأتي الزَّمانُ بمثلِها،
صاحِبَةَ القلبِ والعقلِ،
سَيِّدَةَ العِشقِ النورانيِّ.إني أشمُّ رائِحَةَ العُطورِ حولكِ،
أتلَمَّسُ عبيرَ الحُبِّ الاستِثنائيِّ،
أسمَعُ قَصائِدَكِ وأغانيكِ
بِإطلالةِ وَجهِكِ المُشرِقِ.أمْجُدُ فيكِ كُلَّ شيءٍ،
أمْجُدُ كُلَّ الأشياءِ.
أيتهاِ المَعْمَدَةُ بترابِ القُدسِ وعبقِها،
والمَخْضَبةُ بالمَجْدِ والوَفاءِ،
والمُنْتَخَبةُ لألوهيةِ العطاءِ.بِأَيِّ كلماتٍ أودِّعُكِ؟
بِصوتِ اللهِ أَكْبَرُ
من أسوارِ مدينتِي، ومن المسجدِ الأقصى.أَعطِيني يَدَكِ أُقَبِّلُها ثانيةً وثالِثَةً،
أَعطِيني قَدَمَيْكِ، أَسجُدُ أمامَهُما،
أَعطِيني جَبِينَكِ الشامِخَ لأُقَلِّدَهُ تيجانَ الغارِ،
وأُمطِرُهُ بالعبقِ.
يا أُمّي،
لا تُغادِري،
لا تَتْرُكِينِي.
امنَحِينِي سَاعاتٍ أُخرى،
لا تُفارِقِي، لا تُفارِقِينِي.
امنَحِينِي كِبْرِيائي بكِ.
لا تُغادِري، لا تُغادِري،
لا تُفارِقِينِي.امنَحِينِي إيقاعَ حُضورِكِ بِي،
واقبلِينِي سيفَ الحِمايةِ لِعَيْنَيْكِ.وأنتِ الإشارةُ في سَرْنَا،
وأنتِ النَّبْضُ في قلوبِنا.لن تَكوني بعيدةً،
وأنتِ التِحامُ الرُّوحِ بالروحِ،
وأنتِ الضميرُ الذي لا يَمُوتُ،
وأنتِ الصَّديقةُ والرَّفيقةُ،
أنتِ المُفَكِّرَةُ،
وأنتِ مَعْجَزَةُ الاستِثناءِ،
والشمعةُ التي أضاءتْ طَريقي.أنتِ الصَّفَاءُ، ومِنْكِ الوفاءُ،
وأنتِ الضميرُ الذي لا يَمُوتُ،
وأنتِ عائِلَةٌ مُضمَّخَةٌ بعبيرِ الخُلودِ.يا أُمّي الغالِيةُ،
الوداعُ يُفْجِعُنِي.
نامي بأمانٍ وسَلامٍ،
قَلْبِي مَعَكِ،
وَعَهْدِي وقَسَمِي أنْ أَحمِلَ رِسالَتَكِ إلى العالَمِ.لِروحِكِ السَّلامُ.
الوداعُ، الوداعُ يعذِّبُني
يا أُمّي،


