أحداثجاليري

وثائقي يعبر حدود الرياضة فيلم بطلة الليبي

 

بقلم عزيزة حسين، كاتبة من ليبيا

بطلة: وثائقي يعبر حدود الرياضة إلى أسئلة العدالة والحقوق في زمن تتقاطع فيه الرياضة بالسياسة، والعدالة بالحقوق، يطل علينا الفيلم الوثائقي القصير “بطلة” ليعيد تعريف البطولة من منظور مختلف. ليس في الحلبة أو تحت الأضواء، بل على الطرقات الوعرة بين المدن الليبية تاورغاء ومصراتة، حيث تسير سعاد رجب كل يوم حاملة جسدًا أنهكه الشلل، وروحًا لا تعرف الانكسار. يوثق الفيلم رحلة امرأة تكسر القيود الجغرافية والقانونية، لتضع قضية ذوي الإعاقة في ليبيا على طاولة النقاش. إنه عمل فني يتجاوز حدود السرد البصري ليغدو شهادة اجتماعية صادمة، وصوتًا يطالب بالكرامة والإنصاف. – بطاقة الفيلم إنتاج: شركة ضُوّاية للإنتاج (2024). إخراج: محمد مصلي. مدير تصوير: محمد القصيّر. مساعد مخرج: نهلة بن صالح. القصة رياضة على حافة المعاناة يروي الفيلم رحلة البطلة سعاد رجب، وهي رياضية من ذوي الإعاقة من مدينة تاورغاء، تسعى لتحقيق حلمها الرياضي رغم الظروف القاسية.

سعاد تقطع يوميًا أكثر من 20 كيلومتر نحو مدينة مصراتة لممارسة التمارين استعدادًا للبطولات. هذه الرحلة اليومية، بما تحمله من تعب جسدي وكلفة مادية وضغط نفسي، تتحول في الفيلم إلى رمز لإرادة الإنسان في مواجهة قيود الجغرافيا والتهميش الاجتماعي القضايا التي يثيرها الفيلم . المعاش الأساسي للمرأة من ذوي الإعاقة يسلط الفيلم الضوء على قضية وقف معاش سعاد عند زواجها وفقًا لقانون 1985، رغم وجود قانون صادر عن البرلمان الليبي سنة 2017 يضمن استمرار المعاش بعد الزواج. غير أن الانقسام السياسي جعل هذا القانون معلقًا. وبعد ضغط إعلامي واجتماعي واسع أعقب عرض الفيلم، أعيد معاش سعاد الأساسي (120 دولارًا فقط)، مع توفير وسيلة نقل تقلها من تاورغاء إلى مصراتة ثلاثة أيام أسبوعيًا. . دمج ذوي الإعاقة في سوق العمل يعكس الفيلم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المرأة من ذوي الإعاقة، مؤكدًا على أهمية تمكينهم اقتصاديًا للوصول إلى استقلالية حقيقية بعيدًا عن التبعية أو العوز. . دعم الرياضيين من ذوي الإعاقة رحلة سعاد اليومية الطويلة تكشف الحاجة الماسة لبنية تحتية رياضية ودعم لوجستي مخصص لذوي الإعاقة، بما يتيح لهم خوض تجارب رياضية متكافئة مع غيرهم البعد الصحي والجدلي سبب إعاقة سعاد يعود إلى تلقيها لقاح شلل الأطفال عند عمر ستة أشهر، ما أدى إلى ارتفاع في الحرارة تسبب بشلل في ساقها اليسرى. المخرج وثّق أربع حالات مشابهة بين تاورغاء ومصراتة، ما يفتح باب التساؤل حول جودة اللقاحات أو ظروف تخزينها. هذه الإشارة تضيف بعدًا جدليًا للفيلم، يجعل منه أكثر من مجرد سرد إنساني، ليصبح أيضًا محفزًا على تحقيقات صحية ومساءلة مؤسسية. — العرض والتأثير الاجتماعي عُرض الفيلم لأول مرة في مدينة بنغازي، بحضور لجنة صياغة الدستور، التي دفعت لاحقًا إلى عقد اجتماعات لبحث حقوق ذوي الإعاقة. كما عُرض في مصراتة وطرابلس، حيث لاقى صدى إعلاميًا لافتًا، وأسهم في إعادة معاش سعاد وتوفير وسيلة النقل لها. هذا يثبت أن للفن الوثائقي قدرة عملية على تحريك المؤسسات وصناعة أثر ملموس. — النجاحات والمهرجانات شارك الفيلم حتى الآن في أربع مهرجانات محلية ودولية، من أبرزها: جائزة أفضل سيناريو لفيلم وثائقي قصير – مهرجان ليبيا الدولي للأفلام القصيرة (2024). تنويه خاص من لجنة التحكيم – مهرجان أيام سينمكنة للأفلام الشعرية، المكنين (تونس 2024.) مرشح لجائزة عمار العسكري – مهرجان عنابة المتوسطي الجزائر، سبتمبر 2025). مرشح بمهرجان HECare (تورنتو – كندا، أكتوبر 2025. ضمن القائمة النهائية لأفضل فيلم وثائقي قصير – جوائز الجزائر (نوفمبر 2025). — قراءة نقدية يجمع فيلم “بطلة” بين القصة الشخصية والتحليل الاجتماعي والسياسي، ويكشف كيف تتحول حياة فردية إلى مرآة لواقع مجتمعي أوسع.

إن تركيز الكاميرا على تفاصيل الطريق بين تاورغاء ومصراتة ليس مجرد تصوير جغرافي، بل هو استعارة للمعاناة اليومية، وللإرادة الصلبة التي تتحدى حدود الجسد والقانون والسلطة. الفيلم، ببساطته وصدقه، يثبت أن الوثائقي ليس مجرد تسجيل للحياة، بل وسيلة للتغيير الاجتماعي والضغط السياسي. إنه نموذج لفن يضع قضايا حقوق الإنسان على الشاشة، ويمنح المهمشين حق الكلام. “بطلة” ليس فيلمًا عن رياضية فقط، بل عن ليبيا وهي تحاول أن تتصالح مع قوانينها ومواطنيها. إنه صوت للمرأة، وصرخة لذوي الإعاقة، ورسالة عن أن البطولة ليست فقط في الفوز بالميداليات، بل في القدرة على انتزاع الحق والعيش بكرامة وسط واقع مليء بالتحديات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى