

أطرح رؤيتي حول هذه التجربة التي تنحو إلى حالة من التفرد ، فكلما نثر الحمروني ماء حروف نصه حول براحات التلقي استوقفني عند عتباته ثم قادني من حدسي كي أجوس مرابع نصوصه ، التي تتلبس بخصوصية و تصنع هالة من مفردات استقاها من حياض قاموسه اللغوي الثري بمصطلحات متجذرة في ثقافته ، مما يوحي للقارئ بأن الشاعر قد نهل من مناهل المفردات القدسية من كتاب الله الكريم ، حتى تشبع قاموس اللغوي و فاض ينابيع حول جداول شعره ،محمل نصه مهابة و هو يلوح به قرب مواقد النقد. ما بين النص و القراءة تبقى الرؤية انطباعا يخص المتلقي فمن وجهة نظري أن النص الذي لا يفسر على أكثر من احتمال هو نص قاصر مؤقت يموت بمجرد الانتهاء من قرأته.

يطالعنا الشاعر المهدي الحمروني في الكثير من نصوصه ،بكشف سر اللغة حين تتحد لتوحي في مغارات نصه تراتيب اسمها في شعره و في مكامن روحه، فقد تعددت نصوص الحمروني في هذا المحراب وهو يرتل صلواته ويتهجد في مكنون الاسم لنص واحد يرتقي بلغة عالية المقام قدسية الهيبة و موغلة في فضاءات الممكن و ظاهرة في تمكين المعنى لعين العاشق حين يسبر غور النص المعنون بـ( كشوف لوحي اسمك) بعتبة تدخلنا للغة ثرية و عصية فنتوخى عندها طرق الغوص فيها و كيفية التلقي و أن كان يدعونا للتروي أو ربما حالة من الشفقة على متتبع نصه في إشارة بأن لا ظل أمن في وحشة اليتم ،مما يعلن عن شوق ملتهب و كأني به يقول أن هذا النص عار من أثواب التقمص أو لغة المواربة ،فلا براح للمخيلة في اقتناص المعنى و لعله يصنع لوحة أثرية لا يفك شيفراتها إلا أركيولوجي فذ يمكنه سبر غور مأثر عزلته في درب المنفى. أن النص الذي لا يطرح سؤالا يبقى حبيس كتابة محضة ،حيث تكمن قوة النص في مدى متانة ترابط و عمق المعنى و ثراء اللغة ومدى تأثيره في المتلقي ، و كم مفتتح يفتحه النص على عتبات السؤال ،ويبقى السؤال ماثلا في نص الحمروني كعطش يقودنا إلى جب المعنى و لا يرتوي فهو الاندهاش الذي تصنعه لغة الشاعر كلما ألقى قصيدة و عاد يرمم مسارب الماء لغابات النخيل أن هذه التجربة تتجدد في الرؤية والمنهل و الأبجدية الشعرية حيث يضع الشاعر الحمروني في مفتتح نصوصه أسئلة تقودنا إلى سبر غوره الاجابات العميقة في كنه النص، و تتسم هذه النصوص بوجود خيط رفيع يلفها في بوتقة واحدة تقود المتتبع لهذه الحالة الشعرية في البحث عن سر الترابط وهذا يتضح في نصوصه المتوسمة بـ: – ( مفردات تتعولم لاسمك) – ( أشفق عليك من اسمك )
( شان خاص معمم لا سمك ) – (أقراء اسمك في ربوبية الشعر)
) سؤالا متعب من استفهامه )
حيث أن السياق الأدبي في هذه النصوص يعطي انطباع على صلة الترابط بين هذه النصوص في وحدة المعنى ،إذ نجده يراهن اللغة في قدرتها على البوح باسمها ، و هو يظهر قدرة عالية في صياغة فكرته العميقة باستخدام سؤالا متعدد الاستفهامات حول قدر الاسم المتعالي في مخيلة الشاعر ، و كأن الاسم وحده كفيلا بان يصيرها سلطانة في عوالم الشاعر ليسوق النص لبراحات ثرية، فيرشدنا في نصوصه هذه إلى البحث عن سيرة التأويل حيث يطالعنا و هو ينحو نحو ان يتفرد بخصوصية قصيدته فيصنع لها هالة من لغة استقاها من حياض قاموسه اللغوي الثري بمفردات متجذرة في ثقافته و تعليمه ، مما منح تجربته الشعرية مهابة الخوض في فك سرها و التي تتسم بلغة شعرية عالية التكثيف و بعيدة عن الاستهلاك ،فهو لا يستعمل لغة فجة تتناثر عند سطوة الريح ،بل يقتنص مفردات نصوصه ليعطي عمق للدلالة الشعرية فيها ويرسخ بها تجربته ، أن شاعرية الحمروني تنطلق من قوة نصه و تفرده الذي يتخذه نهجا يمضي فيه حثيثا نحو تكوين شعري خاص مهدوي . في نصه المعنون ب( في تأويل متنك العظم) يضع الشاعر الشعر بكل هالته و تكوينه مجرد أداة ترقيم ” في تأويل متنك الأعظم الشعر مجرد ادوات ترقيم ” هكذا يصف الشاعر الشعر في تفسير سطوة معبودته و كأنه يجسد زمن فينوس أو ارتميدا ، وحده موكل ببهائها في حالة تناص مع التاريخ ، حيث الخرافة الماثلة في الأساطير كالموسيقى لروح الشعر ،فكلما تشبعت توالدت منها أطفال البوح على شاكلة قصيدة تاريخية . و في سيرة ليس لها سواك ،يخلق الشاعر من الحرف هالة القداسة حيث تظم في ثنايا اللغة سره المكنون الذي يحرضه لكتابة نص لا يسكنه سواها منذ أن ألقي السؤال على قارعة الشعر و هو يصفف مفرداته كفرقة الحضرة ليقودها إليه نص متوغل في المديح حتى صيرها قديسة ” لا غفلة لتصوف عن مديحك”. فالحب لديه حالة قدسية في محراب اسمها يكاد يسميها به هكذا في مجمل نصوص الشاعر حالة تنحو للتفرد تصنع ايقونة خاصة بنص يحمل دلالات تجعل المتلقي يجوس بمخيلته الظواهر الشعرية لمقاربة هذه الحالة خاصة في ظاهرة الكتابة الشعرية ، ” لما سأقرأ باسمك في ربوبية الشعر لتجاوز ما فات السابقين من الجهل بك و نجاة اللاحقين بالهدى و المثاب ” يخلق الشاعر للحب لغة جديدة و للحبيبة نعوت مبتكرة على مقاسات حدسه حتى أنه يعدها بالأجر مرتين فلا غرابة في أن يوقن بختم الحب على قلبه في المعابد و الأضرحة و بين دفوف الحضرة في كل موطئ تختلف رؤيته لقداستها كما يصف حالته باحتراق السؤال بلا إجابات فما عادت تلك الحقيقة الماثلة في تفاصيل و جه قديسة يأخذه من تيه القنوط ” تقفين في معابد الاختزال و حدك / و اللغة مسخرة لك وعاء التدين ” فقد أهتدى المهدي لمخازن الشعر و غرف مجده منه و ألقاه حول اسمها ،فهو صنع بلغة خاصة منحها مفردات تحمل عمق الحس الشعري و هي تنبض تحت ثقل المعنى بشأن لا ينحو سوى للشعر و للإجابة عن سؤالا معمد بالغموض و البهاء مما يأخذ القارئ ليبحر دون غرق في غياهب نصه الأسر، فمفردة “اسمك” التي اعتناء بها الشاعر في تأويل معانيه عبر نصه بل تخليدها غامضة كحضارة ماثلة في الأفق لم تفك رموزها بعد ،حتى صيرا اسمها حالة استفهامية في سؤالا متعب من استفهامه ، إذ حمل هذا العنوان إحدى إصدارات الشاعر الشعرية ،ثم حمل على كتف النص حكمة العنوان ، يسألني السؤال عن نص