جاليري

محمد القذافي مسعود.. شاعر يسكنه المسرح

بقلم عزيزة حسين، ليبيا

 

محمد القذافي مسعود.. شاعر يسكنه المسرح وتطارده الكلمات
رحلةٌ من غريان إلى العالم: المسرح والكلمة والحرية

رحلةٌ من غريان إلى العالم: المسرح والكلمة والحرية

من مدينة غريان حيث تتلاقى الطبيعة الجبلية والذاكرة الشعبية، وُلد عام 1978 الشاعر والصحفي والمسرحي محمد القذافي مسعود. بدأ مسيرته التعليمية في مدارس مدينته، ثم انتقل إلى العاصمة طرابلس حيث درس المسرح أربع سنوات في معهد جمال الدين الميلادي للموسيقى والمسرح، ليصبح المسرح نافذة لفهم الإنسان وصوتًا للحياة والكلمة الحرة.
البدايات: خربشات العامية وبذور الشعر
مع نهاية عام 1995 بدأ القذافي بخربشات الكتابة باللهجة العامية والخواطر، قبل أن يجد عام 1996 مرشديه الأدبيين: الشاعران سعد أحمد الغاتي ومصباح البوسيفي. من خلالهما انفتح على عالم المجلات الثقافية وكتب الشعر والقصة، وشارك في أمسيات شعرية بمدينة طرابلس وغريان. كانت تلك الفترة مرحلة تأسيسية لصقل حسه الأدبي والثقافي، ومهدت الطريق لاحقًا نحو حضور بارز في المشهد الأدبي الليبي.

المحطات الأدبية الأولى: مهرجان النهر الصناعي والرابطة

عام 1997، شارك في مهرجان النهر الصناعي للمواهب الأدبية في مدينة بنغازي، حيث تعرّف على عدد من الأدباء المعروفين ونشر محاولاته الشعرية الأولى في الصحف المحلية. ومنذ ذلك الحين ارتبط بالقراءة الدؤوبة وحضور النشاطات الأدبية في رابطة الأدباء والكتّاب بطرابلس، ما مكنه من توسيع أفقه الثقافي ومواصلة الكتابة المسرحية والشعرية بالتوازي مع دراسته للمسرح.
الصحافة والثقافة: رحلة الكلمة على الورق

بدأ القذافي مسعود ممارسة الكتابة الصحفية في صحف الشمس، الفجر الجديد، والجماهيرية، ونشر أول حوار صحفي له مع كاتب ليبي في العرب اللندنية عام 2000، سنة تخرجه من المعهد. استمر في الكتابة الصحفية في صحف ومجلات عربية وعالمية، منها: العرب اللندنية -الزمان اللندنية والعراقية ، القدس العربي اللندنية ، مجلة الجيل اللبنانية، مجلة الرافد بالشارقة، صحف تونسية ومصرية وعراقية. أجرى حوارات مع شخصيات عربية في مجالات ثقافية وفكرية وسياسية متنوعة، مؤكّدًا دوره كجسر بين ليبيا والعالم العربي.

مواجهة العراقيل: الإصرار رغم القيود

لم يجد القذافي أي دعم من المؤسسات الرسمية في مدينة غريان، بل واجه عراقيل وصراعات مع بعض المسؤولين المحليين. استُدعي للتحقيق أكثر من مرة عام 1997،من قبل الأجهزة الأمنية داخل المدينة وأوقف يومين بمركز شرطة غريان عام 2000 بتهمة التشهير بأمين الإعلام، وأفرجت عنه نيابة غريان لكنه لم يتوقف عن الكتابة أو تنظيم الأمسيات الشعرية. شارك مع المخرج محمد بركات في المهرجان الوطني للمسرح بطرابلس 1999 بمسرحية التعاقب، وكان أحد مؤسسي فرقة المسرح الحي بغريان، التي لم تتلق دعمًا رسميًا، واستمر نشاطه المسرحي والثقافي رغم التحديات.في عام 2005 ، أسس مع الأستاذ عبدالحميد عكير فرع الجمعية الوطنية لرعاية الشباب بغريان، وأقام أنشطة ثقافية متنوعة، توجت بموسم ثقافي طويل عام 2010، أشرف عليه بنفسه.
الشعر بين الفصحى والمحكية
صدر له:
(عالفرح مصبحني (شعر غنائي 2006))
( لمختلفين في نعناع النظرة (شعر ( 2007)
حواري معهنّ (حوارات مع مثقفات عربيات 2008))

نُشرت قصائده في صحف ومجلات عربية عديدة، وكتب عنه نقاد من ليبيا ومصر والعراق وتونس والمغرب. بعض نصوصه دخلت الدراسات النقدية والموسوعات العربية والعالمية،
فيما تُرجمت أعماله إلى الإنجليزية، الإيطالية، الإسبانية، والألبانية، ونُشرت في إيطاليا وإسبانيا والأرجنتين وأمريكا والصين وبولندا ورومانيا وألمانيا وفرنسا.

الترجمة والحضور الدولي

استضافته إذاعة مونتي كارلو الدولية عامي 2008 و2022، إلى جانب لقاءات متعددة في الإذاعات الليبية. لقد أصبح حضوره نموذجًا للمثقف الليبي الذي استطاع، رغم غياب الدعم المؤسسي، أن يمتد بأعماله إلى جمهور عالمي، محافظًا على أصالته وصدقه مع الكلمة.

قراءة نقدية وتجربة فكرية

تجربة القذافي مسعود تتجاوز المحلية لتشكل رحلة بحث عن الإنسان والوطن والوجود. نصوصه تجمع بين الحنين والقلق الأنطولوجي، بين الصورة المكثفة واللغة الاقتصادية، وبين العامية والفصحى، ما يمنح شعره كثافة ودلالات متعددة. هذه الازدواجية اللغوية تمنحه القدرة على مخاطبة جمهور واسع، من القراء المحليين إلى المثقفين العرب والعالميين.
محمد القذافي مسعود هو مثال للمثقف الليبي الذي استطاع، رغم العراقيل والصعوبات، أن يصوغ مسارًا فنيًا وثقافيًا متميزًا. شاعر وصحفي ومسرحي جمع بين الخشبة والكلمة، بين الفصحى والمحكية، بين المحلية والعالمية. إنه صوت يضيء الذاكرة الأدبية العربية، ويؤكد أن الكلمة، مهما كانت الظروف، قادرة على فتح أبواب أوسع للفكر والجمال والإنسانية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى