أحداثأدب

منزل يأوي الوطواط: مقدمات للوعي البيئي المبكر

بقلم: طارق العمراوي، تونس

 اشتغل الدكتور أنطوان الشرتوني على الحيوان في مدونته التي تفيض بالقصص الشيقة والمثيرة للتساؤل والتفكر، ومنها: الثعلب والفصول، التيس والخراف، هرة صغيرة في المدينة، وفي حقل كبير. يتواصل السرد بشكل تفاعلي مع القراء، خاصة الأطفال، ممن لا يزالون يراهنون على ألسنة الحيوانات لتمرير قيم الثقافة والأخلاق، لبناء شخصية طفل الغد، وإكسابه المعرفة وأساسيات التفاعل الاجتماعي في محيطه الخاص والعام.

أما رسومات القصة التعبيرية والدافعة للفهم، فقد أعدها الفنان عامر مغربي، لترافق النص المثرّي الذي يقدّم معجمًا طبيعيًا وبيئيًا متنوعًا يثري ثقافة الطفل البيئية والطبيعية. يتعرّف القارئ على الوطواط وطريقة نومه، شجرة السنديان الكبيرة، العصافير، الثعلب، السنجاب، النحلة، السمكة، الغابة، السلحفاة والمغارة، مع تسليط الضوء على أماكن حياتهم وطرق معيشتهم؛ فمنهم من يعيش في الهواء، ومنهم في الماء، وآخر تحت الأرض.

يصف السرد نوم الوطواط معلقًا رأسه إلى أسفل، وحديثه مع السلحفاة التي قالت له: “أنت لديك درق يحميك من البرد، أما أنا فلا درقة حول جسدي”. ويذكر السرد الفصول والدفء الذي يحتاجه الحيوان للبقاء على قيد الحياة، وكيف يحميه المكان من برد الشتاء. هذه التفاصيل أظهرت قلق الوطواط وبقية الحيوانات عند سماع أصوات مطارق الحطابين، ففرّ الجميع باحثًا عن مأوى آخر دافئ.

اهتم السارد أيضًا بمفهوم التكافل والتعاضد، إذ تحركت الطيبة والخيرة بين الحيوانات، فاستضاف الثعلب السنجاب والنحل، وحتى السمكة رغم صعوبة تأقلمها في الماء، وأخيرًا السلحفاة اختارت المغارة لإقامتها. انتهى قلق الحيوانات عندما رأت بيوتًا خشبية على أغصان الشجرة الكبيرة، “لم يقطع الحطابون أي غصن من شجرتنا الغالية، ووضع لنا سكان القرية المجاورة بيوتًا خشبية لنبقى دافئين في الشتاء البارد”.

هذا الوعي المبكر بالقضايا البيئية مهم جدًا، خصوصًا في ظل ما يحدث من حرائق الغابات لأجل الطرق والمباني والمعامل، ويتعين تربية الطفل والناشئة على القيم البيئية والجمعية، لمساندة نشاطات الجمعيات العالمية التي ترفع شعار حماية البيئة في الغابات والبحار والصحاري والسهول والجبال.

رغم المفاجآت، تفاعلت الحيوانات، وأخيرًا الوطواط، مع حماية البيئة، وتضاعفت فرحتهم بعد قراءة اللوحة المعلقة التي كتب عليها البشر: “تحذير: ممنوع قطع الأشجار لأي سبب كان”.

إن نص منزل يأوي الوطواط يقدّم رسالة بيئية مهمة يجب أن تُدرج ضمن سجلات وتوجيهات الأطفال، فهي لا تقل أهمية عن القيم الأخلاقية وحسن التصرف وحب الآخرين والكرم والعطاء. قدمها الكاتب بأسلوب سردي جميل، مع حب متبادل بين الحيوانات وكرم ضيافتهم، مع نوافذ أخرى تتناول تنقلاتهم، مساكنهم، وطرق تغذيتهم. وعند وضع القصة على رفوف المكتبات المنزلية، يمكن للأطفال متابعة البحث والتنقيب في القواميس والحواسيب والهواتف الذكية لمعرفة المزيد عن حياة الحيوانات والجمعيات البيئية، والقوانين المتعلقة بها، وكذلك القضايا البيئية التي يمكنهم المساهمة فيها، ضمن نوادي القصة التفاعلية في المدارس والمعاهد وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى