
يصدر قريبا ديوان الأطفال (الشَّاعر)، و هو عمل مشترك يجمع بين قصائد أشرف أبو اليزيد ورسوم الفنان الكبير حلّمي التوني، وذلك عن (دار الناشر) ضمن سلسلة إبداعات طريق الحرير” ضمن الكتب المخصصة للأدب الموجّه للناشئة.
يقدّم الديوان تجربة شعرية فريدة تمزج بين اللغة البسيطة المضيئة والفكر الجمالي العميق، حيث يستعيد الشاعر عالم الطفولة بوصفه مساحة خيال وحكمة في آنٍ واحد. القصائد تتناول موضوعات قريبة من وجدان الطفل: الطبيعة، الأصدقاء، المدرسة، فصول السنة، والبيت، لكنها تُصاغ بإيقاع موسيقي رشيق يجعلها قابلة للإنشاد والتأمل في الوقت نفسه. يربط الشاعر بين الكائنات والعواطف في بناء لغوي بسيط لكنه فلسفي في جوهره، ليقدّم للطفل وعياً جمالياً مبكراً باللغة والعالم.
أما لوحات حلمي التوني، فهي ليست تزيينًا للنصوص بل امتداد بصري للشعر، تستخدم الألوان الزاهية والرموز الشعبية المصرية والعربية لتوسيع أفق القراءة لدى الطفل، وتجعل كل قصيدة مشهدًا بصريًا قائمًا بذاته.
من الناحية النقدية، يشكّل هذا العمل نموذجًا معاصرًا لقصيدة الطفل العربية التي تحافظ على أصالتها الإيقاعية والوجدانية، وفي الوقت نفسه تنفتح على الصورة والتشكيل البصري، ليصبح الديوان ملتقى بين الشعر والفن التشكيلي، يجمع بين تجربة شاعر رحالة وفنان يرى في اللون شقيقاً للكلمة.
ولد المؤلف أشرف أبو اليزيد في مدينة بنها بمصر، في الثالث عشر من شهر مارس عام 1963م . ومنذ صباه كانَ يُحبُّ القراءة والرسم والسفر، يحلم بأن يكتب يوما حكايات تُسافِرُ بالقاري حول العالم
تعلم في مدينته الصغيرة، ثم انطلقت رحلته في دروب الأدب والصحافة والترجمة، حتى صار من الكتاب الذين يعرفهم الأطفال في بلدان كثيرة. كتب وترجم أكثر من خمسة وأربعين كتابًا، منها أكثر من عشرة كتب للأطفال والناشئة، فكانت قصصه جسوره بين الشرق والغرب
من كتبه المشهورة للأطفال: أطفال من وطني العربي، ورحّالة العرب، وحكايات كورية، وساعي بريد تحت الماء، وقطتي تُؤلِّفُ كتابا التي فازت بجائزة ساويرس لأدب الأطفال، كما نُشرت له مؤخرًا روايته للناشئة عن بيت الحكمة (أبي رسَّامُ خرائط). وهي أعمال تُعلّم القارئ حب المغامرة، ومعرفة العالم، واحترام الاختلاف
كُتب أشرف أبو اليزيد لا تكتفي بالحكاية الجميلة، بل تُضيء القلوب أيضًا، لأنها تعلم قيمًا إنسانية مثل المحبة والمساواة والتسامح. وقد اختيرت قصيدته نخلتي لتكون ضمن منهج اللغة العربية بمدارس لبنان كما تُدرس بعض قصائده في الهند لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. قدم أشرف أبو اليزيدد سلسلة “مغامرات ماجد على طريق الحرير” في مجلة “ماجد”، فصحب الأطفال في أربع وخمسين رحلة من شيان في الصين حتى فينيسيا بإيطاليا، بين المدن والجبال والبحار. كما كتب قصصًا شعبية لبرنامج “قال الراوي” الذي عرضته قناة الجزيرة للأطفال، فاستمع الصغار إلى حكايته بصوت الممثل رفيق علي أحمد في شهر رمضان.
نال الكاتب أشرف أبو اليزيد جوائز كثيرة في بلدان بعيدة، منها جائزة مانهي في الآداب من كوريا، وجائزة الصحافة العربية من الإمارات وميدالية الثقافة الجماهيرية من مصر، والميدالية الذهبية لأفضل رعاة الأدب من نيجيريا، والميدالية الذهبية في الشعر بمهرجان أوراسيا الأدبي في تركيا، وغيرها من التكريمات في آسيا وأوروبا وأفريقيا
وقد ترجمت أعماله إلى لغات كثيرة مثل الإنجليزية والروسية والإسبانية والكورية والألمانية، والفارسية، والتركية، والسندية، والأذرية، والأردية ولغة الماليالام في الهند، فصارت قصصه تقرأ في مدارس ومكتبات بعيدة لتخبر الأطفال هناك عن أحلام الطفل العربي، الذي صار كاتبا يسكن العالم بالحكاية والضوء

أما الفنانُ حِلْمي التُّوني فقد ولد في مدينةِ بني سويف بمصر عامَ 1934م، وكان منذ صِغرهِ يُحبُّ الألوانَ والرسومَ، ويقضي ساعاتٍ طويلةً يرسمُ على الورقِ والجدرانِ، حتى صارَ الحلمُ بأنْ يكونَ فنانًا حقيقيًّا يكبرُ معهُ يومًا بعد يوم
عندما كَبِرَ حلمي التوني التحقَ بكلِّيَّةِ الفنونِ الجميلة في القاهرة، وتخصَّصَ في الديكورِ المسرحيّ، ليتعلَّمَ كيفَ يجعلُ المسرحَ أجملَ، وكيفَ يَصنعُ من المشهدِ حكايةً نابضةً بالألوانِ والضوء. تخرَّجَ عامَ 1958م، لكنَّهُ بدأَ العملَ قبلَ ذلكَ بسنواتٍ، إذ رسمَ وهوَ ما يزالُ طالبًا في مجلةِ الكواكب، ثمَّ عملَ في دارِ الهلال المشهورةِ بالكتبِ والمجلَّات، حتّى أصبحَ مديرَها الفنِّيَّ
في منتصفِ السبعينيَّات، سافرَ حلمي التوني إلى بيروت، وهناكَ عملَ مخرجًا فنيًّا في عدَّةِ صحفٍ ودورِ نشرٍ، وأقامَ معارضَ لفنِّهِ الجميلِ عامَي 1975م و1985م. وبعدها عادَ ليستقرَّ في القاهرة، ويُواصلَ رسمَ لوحاتهِ المليئةِ بالحياةِ والخيال
شاركَ التوني في معارضَ كثيرةٍ داخلَ مصرَ وخارجَها، في بلدانٍ مثل ألمانيا والبرتغال واليابان ولبنان والهند والسعوديَّة، وكان دائمًا يحملُ معهُ روحَ الشرقِ الجميلةَ في أعمالهِ.
ولأنَّهُ يُحبُّ الأطفالَ كثيرًا، صمَّمَ لهم كتبًا وملصقاتٍ ملوَّنةً، وابتكرَ شخصيَّةَ العرائسِ الشهيرةِ “صحيح لمّا ينجح“ من كلماتِ الشاعرِ الكبيرِ صلاح جاهين. كما رسمَ أغلفةَ أكثرَ من ثلاثةِ آلافِ كتابٍ، كلُّ واحدٍ منها لوحةٌ تحكي حكايةً جديدة
نالَ حلمي التوني جوائزَ كثيرةً داخلَ مصرَ وخارجَها، منها جائزة سوزان مبارك لكتبِ الأطفال ثلاثَ مراتٍ، وجائزة اليونيسيف، وجائزة معرض بولونيا لكتاب الطفل عام 2002م. وتُعرضُ لوحاتُهُ اليومَ في متحفِ الفنِّ الحديثِ بالقاهرة، وفي مجموعاتٍ فنيَّةٍ حولَ العالم
يُعدُّ حلمي التوني فنانًا يُعلِّمُنا أنَّ اللونَ لغةٌ من لغاتِ الفرح، وأنَّ الفنَّ يمكنُ أنْ يجعلَ حياتَنا أكثرَ جمالًا، تمامًا كما جعلَ هوَ العالمَ أكثرَ إشراقًا بريشتهِ المُلهمةِ وأحلامهِ التي لمْ تكبرْ فقط معه، بل كَبِرَتْ بنا أيضًا، ورغم رحيله هذا العام، تظل رسومه حية، تنقل روحه المحبة للجمال.