أحداثأدبشخصيات

عادل خزام: أرض الآلات السائبة في معرض الشارقة الدولي للكتاب

بعد تجربة شعرية تمتد لأكثر من 40 سنة، يقدم لنا الشاعر عادل خزام في «أرض الآلات السائبة» عادل خزام يحوّل اليومي إلى بيان شعري في “أرض الآلات السائبة”

عن دار العين للنشر في الإسكندرية، صدر كتاب شعري جديد للشاعر عادل خزام أحد رموز القصيدة الجديدة في الإمارات والخليج والذي تمتد تجربته لنحو أربعين سنة قدم خلالها أكثر من 20 كتاباً وحصد عددا من الجوائز المرموقة في الشعر عربيا وعالمياً.
يقع كتاب “أرض الآلات السائبة” في 280 صفحة من القطع المتوسط، ويتوزع على فصول تحمل عناوين بكلمة واحدة، مثل (بوق، عماء، انفصال، نأي، ذوبان، المتاهة، قهقهة، استقامة، الجسر .. وغيرها) وهو الأسلوب نفسه الذي يتبعه الشاعر داخل الفصول، إذ تأتي كل قصيدة تقريباً بعنوان من كلمة واحدة، بما يجعل البناء كله متراصاً ومقصوداً، وكأنه معجم شعري للحياة المعاصرة في لحظتها الإلكترونية والملتبسة، لا في صورتها الرومانسية القديمة. الغلاف لوحة نحتية للفنانة الإماراتية عائشة جمعة، والرسومات الداخلية للفنانة منال الخزام ابنة الشاعر.
الكتاب مشبع بالنصوص، إذ يضم أكثر من 230 قصيدة قصيرة ومتوسطة الطول، مكتوبة بنَفَس واحد، وتستند إلى جملة شعرية مكثفة، تتحرك في فضاء واحد هو اشتباك الإنسان مع العالم اليومي من حوله، ومع حضور الآلة في تفاصيل العيش، من الماكينات، إلى الهواتف، إلى البنوك، إلى ملاعب الكرة، إلى المدينة ذاتها التي تتحول إلى آلة كبيرة. في قصيدة (فواتير) مثلا، يذهب الشاعر إلى أقصى صورة للتشيؤ حين يقول إن ماكينة الصراف لو كانت زوجة لكانت أنجبَت، ثم يقلب الصورة ويضع بدلاً عن شجرة النسب شجرة إلكترونية، فيقول إن الأب هو الهاتف المحمول، والأم هي السيارة، والأبناء هم الفواتير الإلكترونية، وهي صورة تكشف عن تحول العائلة إلى بيانات وعن إحلال الآلة محل الروابط الإنسانية.
وفي قصيدة (لاعب)، التي تبدو للوهلة الأولى نصاً عن كرة القدم، تتحول المباراة إلى استعارة كبرى عن العالم، وعن ظلم التحكيم، وعن الجماهير التي تهتف في المدرجات وتصمت في الحياة، وعن اللاعب الذي يقضي عمره على كرسي الاحتياط، وهو هنا الإنسان العادي الذي لا يُرى، أو الموظف غير المرئي، أو المبدع المؤجل. هذه القصيدة تعطي المفتاح الأخلاقي للكتاب، لأن الشاعر لا يصف الآلة بوصفها خطراً تقنياً فقط، بل يصف النظام الذي يجعل الإنسان نفسه جزءاً من ماكينة أكبر، ويضعه في الاحتياط.
أما قصيدة (نمل)، فتقدم المشهد من عل، من الطابق الخمسين، حيث تبدو المدينة كلها قطع حلوى ملونة، أو رقع شطرنج، أو نمل كثير، ثم ما يلبث الشاعر أن يهبط، فيعود عضواً في جيش نمل المدينة، أي أن الوعي لا يعفي الإنسان من الاشتراك في الجموع، وأن المعرفة لا تنجي من الحشد، بل تكشفه فقط. هذه الحركة بين علو الرؤية وضغط الواقع واحدة من تقنيات الكتاب، إذ يبدأ النص من مشهد بسيط ثم يفتحه على تأويل وجودي.
في قصيدة (حرية)، تظهر فكرة الكتاب المركزية، فهناك تهمة غير مرئية، وهناك حفلة سياط، وهناك اكتشاف متأخر لمعنى الحرية، أي أن الحرية لا تأتي من الفراغ، بل من الصدام، ومن الوعي، ومن قبول الألم. هذا يتقاطع مع فكرة الكتاب العامة وهي أن الإنسان محاط بآلات سعيدة، وأنه مع ذلك يبحث عن معنى شخصي، وعن خلاص فردي، وعن انضباط داخلي يصون روحه.
ومن القصائد اللافتة أيضا قصيدة (أرض)، التي يقول فيها إن الوجوه الكثيرة التي تنظر إليك هي الأذى، وإن الأصوات الكثيرة التي تناديك هي الحبال المربوطة بساقيك، ثم يدعوك أن تبتسم وأن تكمل الطريق، حتى تصل إلى الى مبتغاك، وأن النهاية هي أول الطريق، وأن الأرض أصغر من خطاك. هنا تتجلى نبرة روحية واضحة، داخل كتاب يوحي من عنوانه بأنه كتاب عن الآلة، غير أن الشاعر يصر على أن مركز الوجود هو الإنسان، وأن الآلة مجرد ظرف، وأن الطريق في النهاية روحي، وأن حجم الأرض يتقزم أمام سعة الروح.
على مستوى البناء، يلاحظ أن الكتاب ليس مجموعة قصائد متفرقة، بل هو عمل طويل النفس، يشبه اليوميات الشعرية أو المخطوط المفتوح الذي يعيد تسمية الأشياء، من المرأة، إلى الأيام، إلى القمر، إلى الفواتير، إلى المتاحف، إلى البنوك، إلى الأبوة، إلى الزواج، وكل ذلك بكلمة واحدة للعنوان، كأن الشاعر يضع معجماً شعرياً لعالم دخلت فيه الآلة وأربكت علاقاتنا. والتسمية هنا ليست لعبة شكلية، بل هي طريقة للسيطرة على الفوضى، ولرد العالم إلى لغة الشاعر، لا إلى لغة التطبيقات. وفي النصوص تختلط صورة المدينة المعاصرة بصورة مدينة غد آلية، وفيها يعلن الشاعر منذ الآن قدوم فلاسفة آليين، ويسأل: من سيظل يحمل الممحاة؟ ومن سيقاوم هذا الصعود الميكانيكي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى