أدب

ثنائية التأمل الروحانى والفلسفة الإنسانية فى حيرة “حنان شاهين”

ثنائية التأمل الروحانى والفلسفة الإنسانية فى حيرة “حنان شاهين”
رؤية نقدية بقلم طارق عمران
” حنان شاهين ” من الأصوات الشعرية التى حفرت لنفسها مسارات متعددة فى خريطة شعر العامية المصرية ، هى الصوت الشعرى النسائى المتفرد والمغرد فى بستان العامية ، خطت لنفسها طرقا عبدتها بإصرارها وتفانيها وإخلاصها لمحبوبها الشعر ، متسلحة بموهبة حقيقية ومحملة فى معظم كتاباتها برؤى فلسفية إنسانية وتأملية .
أتابع أعمالها الشعرية منذ فترة ليست بالقصيرة ، وأصبح عندى كامل اليقين أن الشاعرة ” حنان شاهين ” تمتلك منظورا خاصا للقصيدة العامية ، حيث أنها تمتلك كاميرا بصرية شديدة الدقة فى التصوير لكل مايدور حولها من تناقضات ، هى تحمل بداخلها قلب عصفور صغير ، يحلق عاليا فى سماوات القصيدة ، بمشاعر وأحاسيس صادقة إلى أبعد الحدود .
فى بحثها الدائم وهى تكتب القصيدة ، تراها تبحث بتؤدة وروية وبنظرة تأملية محملة برؤى فلسفية نابعة من ذاتها ونفسها الحائرة القلقلة ، فهى تحمل بداخلها عالما محملا بكل التساؤلات التى يطرحها كل من حولها .
هى تكتب الشعر حين تلح عليها الفكرة وتسيطر عليها الحالة وتفرض نفسها فرضا عليها ، أتامل كتاباتها والتى تقوم بنشرها على صفحتها الشخصية ، ويأسرنى فى قصائدها كمية الشجن والألم ، والفرح والألم ، الضحك والبكاء ، الصمت والكلام .
الشاعرة ” حنان شاهين ” تحب الحياة وتحيا بالشعر ، أخلصت لتجربتها الشعرية فى الكتابة فلان لها الكلام وطاوعتها الحروف ، فنسجتها صورا وخطتها سطورا فى قصائده ، مليحة عذبة مناسبة متناغمة على صفحات أوراقها المعطرة بعبير كلماتها ، فصاغتها فى قصائد ودواوين ، لتعزفها ألحانها تتراقص عليها الطيور فوق أغصانها ، فهى تميل دائما إلى البوح حين تتعرض مشاعرها إلى القلق والحيرة ، فتصدح لنا بأغاريدها ، وتشدو لنا بها فى قصائدها البديعة المحملة بمشاعرها الصادقة وهى السمة الرئيسية للشعراء أصحاب المواهب الحقيقية .
تتمتع ” حنان شاهين ” بموهبة كمنحة من الرب خصها بها وميزها عن غيرها من أقرانها من الشعراء ، تتفرد على أقرانها من أبناء جيلها من الشعراء ، ولا تقلد من سبقوها من الرواد الأوائل ، هى حالة شعرية غنية بتجربتها تقف على ربوة عالية داخل بساتين العامية المصرية ، دائمة التأمل فى تؤدة لكل ما يحيط بها ، حتى تصل إلى جوهر الفكرة ومكنون مقصدها ، فتخرج لنا القصائد أشبه بالعزف المنفرد على أوتار المشاعر ، وتصب كل أحاسيسها فى بوتقة القلب وشراينه ، لتنداح وتتدفق إلى كل قارئ لها ، ومن خلال بعض النماذج لأشعارها سوف نحلل ماهية الكتابة لدى الشاعرة ” حنان شاهين ” .
البداية نغوص فى قلب الحيرة فى قصيدة ” حيرة “
هى تجربة تأملية فلسفية إلى أبعد الحدود ، حيث تخاطب نفسها وقلبها وعقلها وجميع حواسها وهى فى حيرة وشك وشجن ، هى دائمة البحث حول فكرة الحياة والموت والخلق والوجود ، فى مخاطبة لنفسها فى بحث دائم لكل التساؤلات التى تختلج بقلبها وعقلها ، وهى تعلم أن السبيل الوحيد هو اللجوء إلى الله .
تقول فى صورة بليغة محملة بالحيرة والوجع
متوزعة / بين الجهات الأربعة / ومفيش علامة ع الطريق / معرفشى إيه بيودى فين / البوصلة ضايعة / والغيوم حاجبة السما / وحاسة بضيق
نرى الإستخدام الجيد لكلمة ” متوزعة” فى إستهلال القصيدة ، وكأنها قد تم تقطيعها إلى أربعة قطع وكل قطعة وزعت على الإتجاهات الأربعة ، وهو مايعنى الحيرة والقلق لذات الشاعرة .
وأصبحت فى مهب الريح ، تعصف بها فى جميع الإتجاهات ، وهو تعبيرا وتصويرا للحيرة والقلق ، كما أنها لاترى أى علامة على الطريق تهتدى بها ، وهنا تحول المعنوى إلى مادى، فالطريق ليس له ملامح ولا علامات فتاهت ، والعلامة هى الهدف الذى تنشده وتسعى له .
إنها تبحث وليس معها بوصلة لتحديد الإتجاهات والبوصلة هنا هى نفسها الحائرة ، كما أن الغيوم حاجبة للهدف وأصبح قلبها يشعر بالضيق ، وفى النهاية تلجأ إلى الله وهى تخاطبه بألم ورجاء فى قولها
يارب اناحاسه بضيق / محتاجة منك معجزة/ تنزل على قلبى بسلام / توهب لى مفاتيح الكلام
وتصل إلى الصورة الأجمل فى قولها وهى تناجى ربها تقول
مثلا تجينى فى المنام / منك إشارة / أو مرة تبعت لى بشارة / تجمع شتات روحى / اللى ياما إتوزعت / علشان تعود لى باليقين
يكمن فى تلك الكلمات الحس الصوفى للشاعرة والأمل فى المدد من الله ، وهى ترجوا منه أن يجمع لها شتات روحها ، وهو تعبير وصورة بديعة ، حيث لم تقل شتات جمسى ، والفارق هنا فى التعبير بالكلمة يتحقق جليا ، لأن تعبير شتات الروح هو الأقوى والأشمل فالروح هى التى تعطى الجسد الحياة .
ثم تاتى بالصورة البكر الطازجة والأكثر جمالا فى قولها
فتعود بكومة أسئلة / أطلق طيورى الأربعة / وبكل لهفة أنتظر يأتونى سعيا
هنا يكمن قدرة الشاعرة ” حنان شاهين ” فى نحت صورها الشعرية حين تطلق طيورها الأربعة ، التى كانت قد وزعتها على الجهات الأربعة ، وهى فى بحثها وسعيها تعود ولنفس الردود السابقة ، تقول
نفس المتاهة المظلمة / نفس الإجابات البلدية المبهمة / أرجع وشايلة فى قلبى قيد / كل مااحاول أكسره / ألقاه حديد “
هكذا ترى الشاعرة أنها مازالت فى قلب الحيرة تسكن ولا تجد أى إجابات سوى نفس الإجابات التى تحصل عليها كل مرة ، وهو تأكيد على غرقها فى متاهات هذه الحيرة التى تلازمها وتسيطر عليها .
وفى صورة أخرى لاتقل جمالا وعذوبة وهى تعترف أمام الله بضعفها ترتل
وانا يادوب كائن ضعيف / الوقت زاحف ناحيته / عقرب مخيف / كائن ضعيف / يوم مااتولد / وشموا على جلده الطرى / تابوهات كتير / دقوا له فى الهون النحاس / إسمع كلام أمك أبوك
نرى هنا العودة إلى المأثورات الشعبى والتقاليد فى وصفها للمولود الصغير والذى وشموا على جلده الطرى تابوهات كتير ، وانظر بتمعن لصورة جلده الطيرى ، وعلى دقات الهون النحاس بدأو يلقنوا هذا المولود مايردده أبناء الجماعة الشعبية من توصيات ، منها التحذير من كل باب مقفول والذى يختفى خلفه فى أخر النفق غولا جاهلا راضعا من الخوف ولا وصول فى نهاية النفق تقول
وحذروه من ألف باب مقفول / فجأه لقى روحه فى نفق / وآخر النفق فيه غول / كائن جهول / راضع من الخوف الفضول / كائن عجول / كل اما يمشى فى رحلته / تكبر وتتقل جعبته / ومفيش رجوع / ومفيش مفر من الوصول ” .
الشاعرة ” حنان شاهين” تعزف عزفا منفردا فى قصيدة حيرة ، وتصل بهذه القصيدة إلى قمة التأمل الروحانى ، وتغزل بنول موهبتها البكر صور طازجة نحتتها بكل صدق على جدار صفحات الشعر .
الشاعر الكاتب المسرحي الباحث  
كَفر شكر .. قليوبية
الإثنين ٧/٧/٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى