أحداثأدبإعلامشخصيات

بين دانتي ودي أندريه: الغناء الذي يعبر الروح

جويا لوماستي ...البيت الذي يصمت

في الكتاب الجديد لجويا لوماستي، ومن خلال عملها «البيت الذي يصمت» في النشيد الأول «أبيات عند حجاب الهيكل»، تصبح القصيدة جلدًا ونَفَسًا، وتعبر الزمن لتتحاور مع الأبدي. كل نشيد خطوة في سرٍّ ما، وهمسة ترتفع من أعماق الروح لتلتقي بالصوت الخالد لدانتي أليغييري، الشاعر الأسمى الذي علّمنا قراءة العالم بعيون من نار ورحمة.

لكن الصدى الدانتي في هذه المجموعة ليس وحيدًا؛ إذ يتشابك مع صوتٍ آخر، مختلفٍ وقريبٍ في آن: صوت فابريتسيو دي أندريه، الذي سبق أن احتفت به لوماستي في عملها «برقّة على نسمة دي أندريه». في ذلك التكريم، كانت الكلمة تصير موسيقى، والموسيقى تصبح ذاكرة. دعوة للدخول إلى معبد الكلمة، حيث كل بيتٍ مذبح، وكل صورة قربان، حيث تتحول الذاكرة إلى رؤيا، والرؤيا إلى مسار.

في هذه الرحلة الشعرية، لا تكتفي لوماستي باستحضار دانتي؛ بل تعبره، تُنصت إليه، وتعيد صياغته. وتفعل ذلك بالحدة نفسها التي قدّمت بها سابقًا تحيةً إلى منشدٍ عظيمٍ آخر للروح: فابريتسيو دي أندريه. ففي «برقّة على نسمة دي أندريه» كانت الكاتبة قد رسمت مسارًا بين الكلمة والموسيقى، بين الشعر والذاكرة، مصحوبًا باللينوغرافيات لستيفن ألكورن وبمساهمات أصوات مرموقة من النقد والثقافة.

دانتي ودي أندريه: حاجّان للروح، ومنشدان للإنساني. الأوّل نحت اللانهاية في أبيات «الكوميديا»، والثاني غنّى للمهمَّشين، والمنبوذين، والملائكة الساقطين. كلاهما منح صوتًا لما يبقى غالبًا بلا إصغاء: الألم، والجمال، والرجاء.

تستقبل جيويا لوماستي كليهما في كونها الشعري، ناسجةً خيطًا يصل بين المقدّس والدنيوي، بين السامي واليومي. في هذا الفضاء المعلّق، لا تكون القصيدة مجرّد فنّ، بل فعلَ حبّ، وإيماءةَ مقاومة، وصوتًا لا يكفّ عن البحث. وهكذا، بين أصداء دانتي ونَفَس دي أندريه، تقودنا جيويا لوماستي عبر تحيّتها في رحلة هي في آنٍ ذاكرة ونبوءة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى