جاليريشخصيات

غنائية التجريد والتجريد بمزاج موسيقي

بقلم عبد الرازق عكاشة٫ باريس - القاهرة٫ متحف دارنا

 مقال الجمعة  

الفنان الدكتور معتز كمال:

غنائية التجريد والتجريد بمزاج موسيقي

في معرض مهم بجاليري سماح بالشيخ زايد تبارز اثنان من المبدعين في التصوير الزيتي: الأستاذة د. رندا الحلو، الباحثة عن هرموني جمالي يجمع ما بين التعبيرية الرمزية والروح المصرية القديمة، أي ما بين التاريخ الماضي بجمالياته المتعارف عليها إنسانيًا في العالم أجمع، من وجهة نظر الباحثة في مركز الترميم، الفنانة رندا الحلو، والحاضر المعاش، بروح تغلفها الرمزية ومزاج تعطره ألوانها التعبيرية، في لقطة بصرية وألوان تعطي طاقات إيجابية شديدة الثراء.

والفنان القدير أ.د معتز كمال، أستاذ الفنون الجميلة بجامعة المنيا، صعيد مصر، والمتفرغ منذ تسع سنوات في إجازة مفتوحة من أجل الفن، عاشقًا للون والتجريب، تسكنه الرغبة والعشق في صنع شيء مختلف أو تقديم بحث تصويري مهم يحتاج إليه الباحثون يومًا ما.

اليوم أبدأ الجزء الأول من المقال بالدكتور معتز كمال، ونكمل الجزء الثاني بالدكتورة رندا، ليس للتفضيل ولكن لدسامة وثراء المعرض، والصراع الجمالي بين اثنين من أنقياء وأجمل النفوس البشرية في التصالح مع النفس في الحراك التشكيلي المصري، سواء د. رندا أو د. معتز.


الفنان معتز كمال: الدهشة أساس الحوار

في البداية، ومنذ دخول المعرض، أصابتني الدهشة. هنا نقف احترامًا وصمتًا، لأن هنا سيمفونية لونية تعزف على مسطح الكانفز، خربشات لونية تسمع صوتها العين. وأكيد أن الدهشة والصمت هما أساس وبداية التركيز والإثارة الداخلية التي تنطلق منها معارك الرؤى والتجديد.

تأملت، شاهدت، ثم سألت نفسي أمام أعمال الفنان الدكتور معتز، محرك أدوات دهشتي وأسئلتي. فنان هو القابض على مؤشر تحريك المشاعر، مسيطر على ذهنية المتلقي منذ لحظات المشاهدات اللونية الأولى، منذ فكرة الزحف الحبو خلف الرؤى. هو صاحب الشفرة المتحكم بالرتم اللوني في الرؤى البصرية، لمعرض أعتقد أنه مهم جدًا في إطار فهم وتحريك التجريد المصري إلى مناطق ثرية وجديدة.

ثم رجعت خطوة، خطوتين، وتساءلت. وجدت تواصلاً مع الأب مونيه. هنا عدت إلى السؤال: إلى أين تقودنا يا سيد التأثيرين؟ وأمام التجريدين المجهول نقديًا في هذه النقاط، المعلم كلود مونيه، لوحات «زنابق النهر» أو موسيقى الماء، خربشات مونيه على سطح النهر، العزف على أوتار جماليات الزمن.

مونيه مجهول نقديًا، أقصد أن التناول في طرح اسمه كمؤسس لعلوم التلخيص والتجريد الموسيقي لم يتم التركيز فيه على أنه أحد أسياد التجريد الحسي والغنائي. لوحات كلود مونيه سيمفونيات الشجن والعشق.

والحقيقة التي دائمًا ما أتساءل أمامها هي غياب المعلومات الصحيحة للأجيال السابقة حين يتم التناول مع فنانين أوروبا. أشعر دائمًا بأن هناك أخطاء كبرى يجب تصحيحها في هذا المضمار.

أمام لوحات د. معتز في المعرض، قررت أن ألغي اسم المعرض من ذاكرتي وأنا أستمع لشرح أو رؤى الفنان، لأن الاسم بعيد تمامًا عن روح العمل الفخم الذي سافرت من خلاله مع آلة الزمن متذكرًا زمن كلود.

أعمال المعرض للفنان معتز تكملة طريق في التجريد، يرتكن على مسند إبداعي عند الأب كلود مونيه. إنها أعمال يمكن أن تعرض في أي مكان في العالم بكل فخر وانتصار للتجريد المصري. لذلك ابتعدت عن سماع اسم المعرض، لأن اسم المعرض سوف يبعدني عن المتعة البصرية والتأمل ومواصلة دهشتي.

أشعر أمام تقنيات وتجريد د. معتز أني أستمع إلى موسيقى لونية، جملة بصرية شديدة الرقي. لوحات د. معتز تكمل نسقًا مهمًا في مسار تجريدي مختلف عن الموجود حولنا. اختلاف في إطار موزيكالي جمالي عامر بالنقاء والذكاء والأستاذية. من رحم لوحات زنابق النهر تربط الوجدان بسرعة اللقطة.

لقد شاهدت معرضًا منذ سنوات للفنان معتز مع أ.د محمد عرابي وآخرين، وكان مسار دهشتي وأسئلتي حاضرًا، نعم، لكن كان هناك شيء ناقص في تلك المرحلة: ملح الأرض غير الثابت، أو ربما إحكام نوتة التجريد غير دقيق، مقامات صوت اللون تشعرك بأن هناك تسريبًا بصريًا غير مسيطر عليه بدقة.

أما هنا، في هذا المعرض، فشيء آخر. تطور أكبر، تأكيد على إبداع وتطور ودراسات وخبرات الفنان المتجددة، والبحث الدائم. المقام البصري في تقدم ومحفوظ بذكاء، اللون محسوس بدقة العارفين، اللوحات تصنعها خبرات سنوات التجريد، والعزف على إيقاع حدقات العين مدهش. لذلك وقفت طويلاً غارقًا في التأمل، مستفزًا، ومسافرًا في رحلة العودة إلى الأب كلود مونيه.


المزاج البصري والتحكم في المنتج

في جمجمة رأس د. معتز تنظر إلى أسئلة كثيرة وأنت تتأمل وجهه. أسئلة تدور وتفكير من أسفل نظارة الإبداع البصرية، حالة من الصدق والنقاء، والرغبة في البحث عن مكانة مرموقة وسط التشكيليين. أسفاره ومشاركات دولية متعددة أكسبت اللوحة ثقة وربطت خيطًا من الجماليات المتواصلة.

أحيانًا ترى تجريدًا يرتكز على العنف الداخلي أو طاقات التحدي، فهذا له طعم آخر. أما اليوم، عند الفنان معتز، يبدو هادئًا خارجيًا، لكن وقت العمل حوارًا أو حوارات عديدة من التركيز الشديد.


الفنان معتز: السطح يغني بصريًا

يعزف لنا الفنان أناشيد الجمال والثقة في اللون، مع مزيد من الخبرة والاحتكاك الخارجي. من هنا دائمًا أطالب السادة الجالسين على كرسي وزارة الثقافة: ليس المهم أن يكسب الشباب أموالًا في صالون الشباب، يا فندم افتحوا فرص السفر والاحتكاك. لا يوجد فن بلا خبرات وعبور حدود وجسور وحوار مع الآخر، مع متاحف العالم وأرصفة أوروبا.

د. معتز فعل ذلك معتمدًا على ذاته، متطورًا من أدائه ومن ثقافته، وانعكس ذلك جليًا في أعماله المعطرة بالثقافة والفكر.


السطح والعمق يلتقيان في رقصة إبداعية

هنا، في حوار المتلقي مع أعمال الفنان، لغة. الخربشات لغة، ضربات الفرشاة الناعمة الواعية الذكية المفهومة، ليصنع أناشيد بصرية. العمل يتم بهدوء، ينضج على نار هادئة. يذهب الفنان ويعود للعمل على عدة مراحل، وربما شهور، وكأنه يصنع نوتة موسيقية، يلحن ويوزع جملًا بصرية، معتمدًا على ما أثقل الكرة المتحركة وسط العين من مشاهدات وخبرات كبيرة.

هذا المعرض مهم ويستحق المشاهدة بجدارة، ويستحق الفنان المبدع دخول كتابي الذي أكتب فيه منذ عدة أعوام عن التجريد ومدارس التجريد في العالم.

باريس

القاهرة – متحف دارنا
عبد الرازق عكاشة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى