
في السادسة والنصف من مساء الأربعاء، 23 أبريل، تتلألأ القاهرة بثقافة الهند وموسيقى حروفها، إذ يستضيف متحف دارنا، الذي أسّسه الفنان والناقد والروائي عبد الرازق عكاشة، فعاليات الدورة الأولى من الملتقى الأفروآسيوي الأدبي، في أمسيةٍ ثقافيةٍ نادرة تجمع بين أدباء ومترجمي مصر والهند على ضفاف النيل، في تلاقٍ حضاري لا يعرف الحدود.
وقد صرّح الشاعر والكاتب أشرف أبو اليزيد، رئيس تحرير مجلة طريق الحرير اليوم، والأمين العام لمؤتمر الصحفيين الأفارقة، ومنسق الملتقى، أن الأمسية ستُستهل بجلسة علمية رفيعة المستوى، يتم خلالها تسليط الضوء على قضايا الترجمة الأدبية بين اللغة العربية واللغة الماليالامية، إحدى لغات الهند الأدبية، حيث يتحدث خلالها ثلاثة من أبرز الأساتذة المساعدين ومشرفي البحوث في قسم اللغة العربية، كلية فاروق، جامعة كاليكوت، كيرالا:
- الدكتور عباس ك. بي، في ورقته المعنونة “تحديات ترجمة الشعر“، والتي يناقش فيها التحديات الجمالية والبلاغية التي يواجهها المترجم وهو يعبر بالجمال من لغةٍ إلى أخرى.
- الدكتور عبد الجليل م.، بورقته “مسألة نقل الثقافة في الترجمة الأدبية – نصوص عربية-هندية مترجمة نموذجًا“، حيث يُحلّل الترجمة بوصفها مرآة للثقافة، وما تواجهه من عراقيل وتحوّلات.
- الدكتور محمد عابد يو. بي، الذي يقدّم ورقة بعنوان “الترجمة الأدبية من العربية إلى الماليالامية: نظرة عامة“، يستعرض فيها تاريخ الترجمة الأدبية بين اللغتين، متوقفًا عند أبرز المحطات والتحديات والإنجازات.
أما الجلسة الثانية من الملتقى، فستكون احتفالًا بإطلاق الترجمة الماليالامية لمختارات شعرية للشاعر أشرف أبو اليزيد، حملت عنوان “ذاكرة الصمت“، بترجمة الأكاديمية الدكتورة سبينة ك.. وهذا هو الإصدار الثاني من أعمال الشاعر بهذه اللغة، إذ سبق أن تُرجمت روايته “حديقة خلفية“ إلى الماليالامية، في إصدار أنجزه الأكاديميان د. عبد المجيد ود. منصور أمين من جامعتي كاليكوت وكلية M.E.S في ممباد.
تُعد اللغة الماليالامية لسان حال أكثر من 40 مليون ناطق، وهي اللغة الرسمية في ولاية كيرالا، ويتحدث بها كذلك أبناء جزر لكشديب، وأعداد كبيرة من الجالية الهندية في دول الخليج، وماليزيا، وسنغافورة، والولايات المتحدة، وأستراليا. وقد زار الكاتب المصري أشرف أبو اليزيد ولاية كيرالا عدة مرات، حيث شهد تدشين ترجمة روايته هناك، كما حضر مناقشة رسالة دكتوراه بعنوان “شعرية السرد في روايات أشرف أبو اليزيد“ أعدّتها الباحثة والمترجمة سبينة ك.، بإشراف الأستاذ الدكتور محيي الدين كوتي أ. ب.، رئيس قسم اللغة العربية الأسبق بجامعة كاليكوت.
وستتضمن الأمسية أيضًا كلمة من الباحثة المترجمة، تُلقى بالنيابة عنها من قبل زوجها، الباحث والمشارك في الجلسة الأولى، الدكتور عباس ك. بي، تقديرًا لعلاقتها الوثيقة بإبداع الشاعر وأعماله.
تتكشّف عناوين القصائد في الترجمة المالايالامية لمختارات أشرف أبو اليزيد الشعرية في ديوانيه “فوق صراط الموت“ و**”ذاكرة الصمت”** كأنها خرائط وجدانية ترسم تضاريس العزلة، والحنين، والبحث المضني عن المعنى في صخب العابرين. فالديوان الأول، فوق صراط الموت، يحمل في عناوينه وعدًا بشعرٍ يعبر بين الحياة والموت، كما في القصائد: “رفات“، “أضرحة“، “فوق صراط الموت“، حيث تتلاقى الأسى والنجاة في خطٍّ شعري مشدود على جمر التجربة. وتتماهى قصائد مثل “شفرات الحب“، “العازف“، و**”الغيمة ليست لي”** مع التوق العاطفي الذي لا يستكين، فيما تنبش أخرى مثل “الخريف“ و**”الصحراء”** في رمزية الزمن والانطفاء.
أما ديوان ذاكرة الصمت، فتكاد عناوينه تختزل روح السكون المحتشد بالمعاني، كما في “عتمة“، “سجن“، و**”ما تبقى”، بينما تتخذ عناوين مثل “وطن” و“حب”** بعدًا وجوديًا، حيث تتقاطع الذكرى بالهوية. القصائد هنا لا تصرخ، بل تهمس من أعماق جراحها، تنحت وجودها في الصمت كما تنحت الشرفة ظلّها في الضوء.
في مجموع القصيدتين، يتبدّى الصوت الشعري وكأنه يعبر من مرآة الذات إلى العالم، حاملاً “قصاصات” من الروح، و”أسرارًا” لم تُقال، في “صورة” باهتة أحيانًا، وساطعة أحيانًا، لكنها دومًا، تمضي “تحت سماء كسماء العنكبوت”، تنسج خيوط الشعر من هواجس الحياة.
ويصدر هذا الديوان الشعري الجديد عن “دار الناشر” المصرية، ضمن سلسلة إبداعات طريق الحرير، وهي السلسلة التي أصدرت أيضًا دراسة “شعرية السرد في روايات أشرف أبو اليزيد”، وعددًا من الأعمال الأدبية العالمية، من بينها ترجمة ثمانية روايات كورية قصيرة، وديوان الشاعر هيمانت ديفاتي، بالإضافة إلى سلسلة أنطولوجيا طريق الحرير التي ضمّت خمسة أجزاء ملحمية:
“آسيا تغني“، “موجات المتوسط“، “مصريون قدماء.. شعراء معاصرون“، “ألف ليلة وليلة.. ألف قصيدة وقصيدة“، و**”قصائد نانوية من أجل أفريقيا”**، بمشاركة أكثر من 150 مبدعًا من أكثر من خمسين دولة.
الفنان عبد الرازق عكاشة يعلن تكريم ثلاثة من رموز الإبداع المصري في ملتقى متحف دارنا
أعلن الفنان الكبير عبد الرازق عكاشة أن متحف دارنا سيقوم خلال فعاليات الملتقى المقبل بتكريم ثلاثة من أبرز المبدعين المصريين، الذين يمثلون قامات رفيعة في مجالاتهم الثقافية والفكرية. ويأتي في مقدمتهم الأستاذ الدكتور أنور مغيث، الرئيس السابق للمركز القومي للترجمة بجمهورية مصر العربية، تقديرًا لعطائه الكبير في حقل الترجمة ودوره البارز في إثراء الثقافة العربية.
كما يشمل التكريم الكاتبة المسرحية المبدعة الأستاذة صفاء البيلي، صاحبة تجربة ثرية ومستحقة في مجال الكتابة والنقد المسرحي، والتي أسهمت في إثراء الساحة الأدبية بمشروعاتها النوعية. ويُكرَّم أيضًا الكاتب الأستاذ عمر حزين، الذي تم انتخابه مؤخرًا نائبًا لرئيس مجلس إدارة أتيليه القاهرة، وذلك تقديرًا لإسهاماته الأدبية والفكرية المتميزة. ويأتي هذا التكريم في إطار احتفاء متحف دارنا بالمبدعين الذين تركوا بصمات مؤثرة في الثقافة المصرية والعربية.
وهكذا، يُواصل متحف دارنا أداء رسالته الثقافية، بوصفه جسرًا نابضًا بين الحضارات، وملتقى للفن والأدب والروح، حيث تُثمر الرؤى، وتلتقي القلوب، تحت رعاية مؤسسه المتوهج شغفًا وثقافة، الفنان عبد الرازق عكاشة.