
دَثِّريني يا ساحاتِ الأقصى
خُذيني أيتها الأيّامُ الثائرةُ بعبقِ الشهداءِ والجُرحى والمناضلينَ،
خُذيني أيتها الأيّامُ المُجَمَّلةُ بطيبِ المجدِ وعبيرِ الخالدين،
خُذيني أيتها الأيّامُ السائرةُ نحو الأعلى،
نحوَ الصلاةِ في فلسطين.
أيتها الأيّامُ التي يفيضُ النّدى فيها على صباحاتِ أطفالِ الوعي، خُذيني.
رِجالُ الوقفةِ العُظمى
يَفترشون الأرواحَ هِبةً لوطنٍ تُزَفُّ إليه فوارسُه وتعود…
خُذيني، وامسحي الحزنَ عن جبيني،
وواري أرقي، ضَيِّعي قلقي، استحضري سحري،
وافترشي روحي في فضاءِ الياسمين.
إنني أتوحّدُ بكِ… أتوحّدُ مع كلِّ اللحظات،
أتوحّدُ مع كلِّ اللحظات،
يا وَحدةَ الروحِ في الأوطانِ، مرسومةً في كفاحِ الثائرين،
يا طريقَ العاشقينَ لدربِ الوغى
ترفّعًا للحياةِ مدى…
يا طريقَ العاشقينَ في لقاءِ الله، مودّعين عروشَ الدنيا،
لذائذَها وجنائنَها،
متوجّهين في رحلةِ نضالٍ وإطلاقِ حجارةِ التحدّي
نحوَ من وقفَ حائلًا أمامَ النور.
أمانًا… أمانةً أيّها المُحمَّدونَ المُمجَّدونَ في الأعلى،
وفي الدنيا، لا تردّوا القافلةَ إذا قفلت إليكم،
متواريةً بكم عن كلِّ انحسار.
إليكِ خُذيني، أيتها الأيّام…
مُجادًا إليكِ خذيني أيتها الأيّام،
عندما اقتربَتْ إطلالتُكِ، أدركتُها قبل أن تبدأ،
وبدأتُ بها قبل أن تندفعَ أمواجُ العشقِ موحَّدةً في الله،
نحوَ الوطنِ الأسْمى.
وتقتربين من موعدِ الرحلة،
وموعدِ العبور، وإطلالاتِ الوعي،
ونِداءِ الشهادةِ والكبرياءِ.
وتقتربين دفئًا، صيرورةً واعدةً،
هي إطلالاتُ فجرِ مدينتنا تقتربُ،
ودفءُ ثورتِنا يلتهبُ.
لا ارتحالَ إلّا منكِ، فيكِ…
لاقترابِ الوعدِ، لا اختزالَ إلّا لزمنِكِ المرتقَبِ استعجالًا،
لا ابتعادَ إلّا في مسافاتِ الاقترابِ إليكِ،
لا اغترابَ إلّا إبحارًا في عينيكِ…
أيتها المعمَّدةُ بأزاهيرِ الروح،
وخطواتِ العائدينَ الصابرين، وصرخاتِ الأُمومةِ المعذّبة،
أيتها المعمَّدةُ بكبرياءِ الفارسِ،
بطيبِ مَلقاهُ،
كليمه، وتفتُّحِ أزهارِ عشقِه الدائم، بعمقِ كلماتِه، ومِسكِ
أيتها المعمَّدةُ بكبرياءِ الكوفيّة،
وهي تُطلّ على الجبينِ المُؤرَّقِ بغبارِ النصر،
المُوشَّحِ بأناشيدِ الانتصار.
آنَ لكِ أن تبتسمي،
آنَ لكِ أن تستحِمي في بحارِ المجد،
آنَ لكِ أن تغتسلي في دُموعِ الصّبر، انتظارًا لاقترابِ الوعد…
آنَ لأعراسِ مدينتي أن ترفعَ راياتِها،
وقناديلَ الصابرينَ بها في إضاءاتٍ لا تَخفت…
دَثِّريني يا ساحاتِ الأقصى
بنداءاتِ “اللهُ أكبر، اللهُ أكبر”،
دَثِّريني، أيتها الجموعُ المُتجمّعةُ في لقاءِ الله،
دَثِّريني، أيتها الجموعُ في يومِ الإسراء،
في إسراءاتٍ تشابكت بها أضواءُ الحرّيّة…
دَثِّريني، يا أُمّي،
يا سليلةَ الصدّيقينَ والخالدين،
بطيبِ ثرى وَطني الذي أرادوه بعيدًا عنّي،
ولكنّ أريجَه اقتربَ منّي، وضَمّدَني من بينِ أحداقِ البنادقِ المُشرَعة…
دَثِّريني، أيتها الجموعُ العربيّة،
بخيوطِ الوعدِ والكوفيّة،
وضمّيني إليكِ، فارسًا، بطلًا، أبى أن ينحني.
دَثِّريني، يا صرخاتِ أُمّي وأبي،
ونِداءاتِ إخوتي وأهلي، والأصدقاء…
يا طريقَ العاشقينَ السّاكنينَ فيَّ،
وأنتم تحملون أزاهيرَ أرواحِكم في ملفِّ ولادةٍ بكرٍ ثانية،
من رحمِ العمالقة، من رحمِ الثائرين،
يا طريقَ العاشقينَ الصادقين.
يا انتفاضةَ الأقصى،
يا كلَّ مُستحضراتِ تخزينِ الانتماءِ في الفكرةِ وفي الإرادةِ الكبرى.
دَثِّريني يا مواكبَ الشهادةِ الأجل،
دَثِّريني يا أعلامَ المجدِ والأمل،
وانضحي روحي بفراشاتِ ربيعِ بلادي
التي سترفرف فوقَ الشقائقِ والأقحوان،
وتنشرَ حولي كلَّ هذا الفيضَ من تجلّياتِ الحبِّ والحنان.
وانضحي روحي بقطيراتِ النّدى،
مع باكورةِ الفجرِ الذي تحقّقَ ولن يزول،
وانضحي روحي بتجلّياتٍ صوفيّة،
وبعبيرِ كلِّ الخالدين،
ومِسكِ دمِ الجريحِ معانقًا راياتِه…
واذكريني…
اذكريني…
اذكريني…