جاليريشخصيات

رائحة “أحجار الصبر” في رحاب التجريد: الفنان عصام عشماوي يحصد جائزة آدم حنين

بقلم: عبد الرازق عكاشة، متحف دارنا

الفنان عصام العشماوي
عصام طه عشماوي

يحمل الفنان الشاب عصام طه عشماوي، المعيد بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، في روحه رائحة “أحجار الصبر”، وينحت في فضاء التجريد حالة حلمٍ إنسانيٍّ نابض. هذا الأسبوع، فاز عصام بجائزة آدم حنين السنوية عن عمله النحتي الابتكاري ذي الطابع الحداثي المميز، وهي الجائزة الثالثة التي يحصل عليها، وتبلغ قيمتها 25 ألف جنيه. ورغم أهمية الجائزة المعنوية، يبقى الأمل بأن تُرفع قيمتها المادية مستقبلاً لتغطي تكاليف الخامات، خاصة أن المؤسسة التي تقف خلفها تحظى بدعم جهات كبيرة، وهي المؤسسة التي أنجبت الفنان الراحل آدم حنين واحتضنته إعلامياً وفنياً طوال حياته، وحتى بعد رحيله.

العمل الفائز مكوّن من قطعتين من حجر شديد الصلابة، خامة مرهقة جسديًا ونفسيًا للنحات، لكنها أيضًا مصدر سعادة غامرة عند لحظة الانتصار، حين ينجح الفنان في ترويضها وتطويعها لتنسجم مع مشروعه الفني والإنساني. ولم يكتف عصام بنحت الحجر الصلب، بل أضاف خامة أخرى تربط بين القطعتين، ليست مجرد رابط تقني، بل عنصر جمالي وفكري يزيد من بهاء العمل ويمنحه بُعدًا بصريًا وخياليًا يثري التلقي ويثير الأسئلة.

بهذا التكوين العضوي المعاصر، يميل الفنان إلى التجريد، ويعتمد على تلخيص شديد في توظيف الخامة الصعبة، ليكشف عن إرادة وثقافة وقدرة حقيقية على تليين الصلب وإظهار ملامحه النهائية في صورة بصرية ناعمة ومذهلة، تستوقف المتلقي وتدفعه إلى تأمل التفاصيل المتخيلة التي يخزنها الفنان في بؤرة داخلية بصرية ترتبط بمكان العرض وجغرافيا القطع، والتي تبدو كأنها كائنات متخيلة تستمر في الدوران داخل فضاء الخيال.

عصام عشماوي ليس مجرد موهبة عابرة، بل ينتمي إلى عائلة فنية عريقة، فهو ابن الفنان القدير الحفار السيد طه عشماوي، أحد الأسماء المتفردة في النحت والحفر، صاحب تجربة فنية مخصبة بالثقافة البصرية والخبرة المتراكمة، وهو أيضًا شقيق لفنانين وطلاب فنون جميلة، مما يخلق مناخًا أسريًا وفنيًا مشبعًا بالتفاعل والنقاش، يدفعه إلى تطوير رؤاه البصرية ومساره الفني بخط بياني صاعد.

التقيته ذات ليلة، فدهشت من اطلاعه الواسع، وثقافته العميقة، وثقته بنفسه. لديه وعي نادر وذكاء نقدي يستطيع من خلاله أن يفرّق بين الزيف والحقيقة، وأن يحلل خطاب الحداثة وما بعدها بفهم دقيق. ليس من أولئك الذين يلاحقون الجوائز، بل هي التي تأتي إليه. هو يعمل ويحلم ويتأمل، منتظرًا النتائج بوعي وهدوء. أعماله تحكمها الدهشة والقوة، وتغلفها طبقة من التأمل العميق.

الجائزة لم تذهب هذه المرة إلى مجرد عمل نحتي، بل إلى فنان صادق ومثقف، يمثل صوتًا قادمًا في الساحة التشكيلية. فكل التحية والتهنئة من متحف دارنا إلى الفنان المهم، الجميل، المبدع: عصام عشماوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى