

بينما نقلب صفحات عدد يونيو 2025 من مجلة CAJ الدولية الشهرية التي تصدر في نيجيريا، نجد أنفسنا مدعوين لعبور القارات والقرون والحساسيات. هذا العدد، الذي يشبه نسيجًا محكمًا من التاريخ والأدب والسينما والذاكرة، يكشف كيف أن أصواتًا من جغرافيات متباينة تتردد فيها السعي الإنساني نحو الحقيقة والجمال والحرية.
في قصة الغلاف، يبرز الرائد إبراهيم تراوري، القائد العسكري لبوركينا فاسو البالغ من العمر 37 عامًا، كشخصية مثيرة للجدل لكنها كاريزمية في السياسة الإفريقية. ينظر إليه كثير من الشباب كرمز لمناهضة الإمبريالية ونهضة عموم إفريقيا، بعد أن وصل إلى السلطة في 2022 وسط خيبة أمل متزايدة من الديمقراطية في غرب إفريقيا. وقد ازدادت شعبيته بعد انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من الإيكواس، في خطوة اعتُبرت استعادةً للسيادة بينما اعتبرها البعض مهددة للاستقرار. يُقارَن تراوري في شمال وغرب إفريقيا بأيقونات ثورية مثل ناصر والقذافي، إذ يدعو إلى السيطرة الوطنية ومقاومة النفوذ الأجنبي، مع تحذيرات من عودة الحكم الاستبدادي. بينما تتعامل الإيكواس والاتحاد الإفريقي مع هذا التحول الجيوسياسي، يبقى السؤال: هل يمكن للحكم العسكري أن يحقق مبادئ الديمقراطية، أم أنه مجرد إعادة إنتاج لنخبة قديمة؟ إفريقيا والعالم يتابعان بينما يُعاد رسم التاريخ في الساحل.

وفي المقال الرئيسي للكاتبة والمخرجة فاطمة الزهراء حسن، ننتقل إلى ضفاف النيل، حيث يتقاطع مشروع السد العالي في مصر مع فصل أقل شهرة لكنه عظيم: الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة من مياه بحيرة ناصر. في سردها العميق، لا تكتفي فاطمة الزهراء بالاحتفاء بالإنجاز الهندسي، بل تكرّم البصيرة الثقافية لقادة مثل د. ثروت عكاشة، الذي كانت مناشدته لليونسكو شرارة لأكبر حملة إنقاذ تراث عالمي في العصر الحديث، وكفنانة تستحضر رسوم بيكار للمشروع التاريخي.
في آسيا، يُعيد أشرف أبو اليزيد إحياء الرحلة الروحية للراهب الكوري “هيتشو”، الذي جاب شبه القارة الهندية في القرن الثامن، ما شكّل حوارًا فريدًا بين البوذية الكورية والعالم. ومن خلال “سمغك يوسا”، سجلات المعجزات والآثار البوذية، يُظهر أبو اليزيد أن الرحلة ليست مجرد تنقّل جسدي، بل جسر تحوّلي بين الإيمان والحضارة، وهو يسمي الراهب بالسندباد الكوري.
وفي رصد ثقافي، يقدّم أحمد سعيد طنطاوي تقريرًا عن قائمة نيويورك تايمز التاريخية لأفضل 100 كتاب في القرن الحادي والعشرين، والتي اختيرت عبر أكثر من 500 صوت أدبي، لترسم بوصلتنا القرائية نحو كتب توسّع التعاطف، وتعمّق الفهم الثقافي، وسط ضجيج رقمي طاغٍ.
أما الدكتورة حنان عوّاد، فتشاركنا سردًا شخصيًا من طفولتها في فلسطين، في مذكرات تعج بالتمرد الحنون والفضول اللامحدود. ذكرياتها تذكرنا بأن الإبداع ينمو أحيانًا في حقول الألم والمشاكسة، وأن الحنين قد يحمل في طياته صلابةً وانتماءً عميقًا للمكان.
وفي قراءة نهى سويد لفيلم في أرض الدم والعسل لأنجلينا جولي، نلمس المسؤولية الأخلاقية للسينما كشهادة على الإبادة، وعلى محو الهوية، والندوب التي تظل قائمة حتى بعد توقيع معاهدات السلام. تحليل سويد يقدّم الشاشة كفنّ وشهادة في آنٍ معًا.
ومن روسيا، تقدّم أولجا ليفادنيا قصة قصيرة؛ حيث تستحضر الروح والفن في مشاهد الحياة اليومية، سواء من خلال تفاني رسّام أو عودة مؤمنة إلى بيتها—تجد الحقيقة في السكون، والمعنى في اللحظة.
ويُختتم العدد بتبادل ثقافي مشرق، حيث يسرد ألكسندر فورونين العرض الأول لمسرحية ليالٍ مصرية في قازان، وهو حوار شعري مستوحى من قصائد أشرف أبو اليزيد، نُفّذ بأداء تتاري روسي وترجمة أذربيجانية-روسية من قبل إلدار أخادوف. يمثل العرض تحية فنية لأجواء ألف ليلة وليلة، ويجسد رسالة المجلة: الحوار الثقافي حيث تتجاوز القصيدة والتاريخ والهوية حدود اللغة والجغرافيا.
بين رمال النوبة وخشبة المسرح المضيئة في قازان، مرورا بعاصمة فلسطين؛ القدس، تواصل مجلة CAJ التزامها بإبراز الأصوات المؤثرة. ففي كل نص، تذكير بأن الثقافة ليست ترفًا، بل شريان حياة. فلنقرأ، ونتذكّر، ونقاوم النسيان.