

سلاماً عليكَ
وأنتَ تفاجئنا برحيلِكَ خلفَ خطاكَ الّتي أودعتْ للرمالِ أنينَ الدروبِ ،
وترمي حصاكَ الّتي هرمتْ فجأةً في يديكَ على خيبةِ البِرْكَةِ الراكدةْ.
لم نزلْ محضَ موتى .
ومِنْ حقّكَ اليومَ أنْ تختلي ، مثلَ مَنْ لا يزالُ على قيدِ هذي الحياةِ ، بنفسكَ ،
أن تكتفي بالمكوثِ قليلاً كذاكرةٍ في المخيّمِ حتّى تؤاخي بطولةَ أرملةٍ في الروايةِ تمشي على هَدْيِها غيمةٌ عائدةْ .
لم نزلْ محض موتى .
وما زلتَ أنتَ كما كنتَ
منتبذاً لكَ صوتَ مُغَنّ نقلّدهُ في المرايا،
وخبطَ جناحينِ حتّى نعودَ ، كما شئتَ، كلٌّ إلى بيته .
لم تزلْ بطلاً في الأساطيرِ
يخلقُ مِنْ شوكِ مأساتِهِ قوسَ ملهاتِهِ
وحدهُ
في روايتِهِ الخالدةْ.
وما أوحشَ العالمََ اليومَ ،
قاتلُكَ الآنَ ، ها هو ذا بيننا الآنَ قاتلُنا بعدكَ ، الآنَ يلقي على غدِنا المتعجّلِ قفّازاتِهِ الوسِخَاتِ ، وعتمتَهُ وروائحَ موتاهُ .
هذا هوَ .
الموتُ يزرعُ بين أصابعِنا حقلَ ألغامه ،
ويضجر من سرّ زغرودةٍ في الجنازةِ
ترفعُ ظلّ الشهيدِ إلى سدرةِ المنتهى،
وتأذنُ للياسمينِ حضورَ مراسيمِ تأبينِهِ .
لم يعشْ أحدٌ مثلنا في الجنازاتِ أو غرفِ الميّتينَ،
فكيفَ يريدونَ أن نكتبَ الشعرَ حتّى تعودَ فلسطينُ بالشعرِ ،
أو نكتبُ الشعرَ في مدحِ ظلّ السياسيّ، أو نكتبَ الشعرَ
عن خوفِ بائعةِ الوردِ منْ أن يحلّ السلامُ.
كأنًّ التجارةَ بالوردِ في الحربِ مثلَ التجارةَ بالأسلحةْ.
وما أوحشَ الأرضَ في صمتِها المتفحّمِ،
حتّى وإن أنصتتْ لدعاءاتِنا الطيّباتِ .
وأوحشَ هذا الهواءَ الًذي كنتَ تبحثُ، مثليَ، عنهُ
لنبصرَهُ في المرايا ، بكاملَ أبّهةِ الموتِ ، يلهثُ مستبشراً ، بيننا نحنُ.
نحنُ طرائدُهُ البائسينَ،
طرائدُهُ اليائسينَ.
أرادوا لنا أن نصاحبَ أعداءَنا في القصيدةِ ، كي تنتمي لقوافلِ شعرِ الحداثةِ .
ما أوحشَ الماءَ في البئرِ
ما أوحشَ البئرَ في البيتِ
ما أوحشَ البيتَ
بعدكَ
في سيرةِ المذبحةْ.
لوَ أنّيَ كنتُ أرى أصدقائي كما همُ الآنَ حولي
المعِزونَ بي
المعزّون بي
مثلَ ما صنعتْ بي يدايَ
لما مِتّ وحدي.
لوأنّي تجرأتُ ، لو مرّةً ، وشتمتُ عدوّي ، كما ينبغي، في مرايايَ تلكَ .
عدوّي المحاصرُ بي إذْ يحاصرُني
المبشّرُ بالإنتحارِ ليرحمَ عينيهِ من ذنبِ قتلي،
لما صار بيتي القديمِ هناكََ استراحتَهُ المطمئنّةَ بعدي .
لوَأنّي سألتكمُ اليومَ ؛
مَنْ لم يخنْ ملحَ خبزيَ فليصعدَ الآَنَ هذا الصليبَ معي .
مَنْ رآني رأى صورتي
أرفعُ الأرضَ بي درجاتٍ، أطهّرهُ مِنْ خطاياهُ بي
ذاكَ وعدي.
أنا كِلْمَتي . لفظةً قلتُ في البدءِ . كنتُ وكانتْ. أنا البدءُ . لا لغتي وطني ، بل أنا وطنٌ للغاتٍ عبرتْ قبلَ هذا رياحي ، ولم يبقَ مِنْ رطنةِ الغرباءِ سوى كلّ هذا الهباءِ . أنا لغتي وأنا وطني .
لا أزالُ المنادى .
أنا بينكم .
لا أزالُ كما كنتُ حيّاً .
إذا قلتُ كنتُ ،
وما كنتُ إلا لأبقى .
أنا آيتي مذ أتيتُ ، وعهدي