جاليري
خزفيات ليلى آدم: تأملات مبدعة في الثقافة والتاريخ والهوية السودانية
بقلم الفنان والناقد السوداني: كمال هاشم، القاهرة




في أعمالها، يظهر الرأس البشري كعنصر جمالي وككائن رمزي مشحون بالمعنى. الرأس هنا هو الذاكرة، والهوية، والذات. هو الأنا التي نجت من الطمي والنار، وحملت فوقها نقش القبيلة ووشم الحكاية. أما الزخارف الهندسية المنقوشة أو المصقولة، فتستحضر جماليات الفخار والنقوش السودانية، لتربط بين فن الماضي وألق الحاضر، فتُجسد بذلك تواصل الزمن وتداخل الثقافات.
ليلى آدم تصنع الخزف وتجعل من خاماته لغة للحوار بين الثقافات، ومساحة للتفكر في معنى الجماعة، وقلق الفرد، وجدلية الزمن. تتكرر الأشكال، تتجاور، تتباعد، وكأنها تكتب قصيدةً عن الطقوس والتكرار، عن لحظة مقدسة تتجدد كلما تأملناها من جديد، مما يعكس فلسفة عميقة في فهم الحياة والهوية.
هنا، في هذا العالم الطيني المشغول بصبر، يلتقي الحس الإنساني بما هو غيبي، وتصبح خزفياتها أشبه بمزامير صامتة، تدعونا للتأمل في هشاشة الوجود وقوة الذاكرة، في مرآة الفرد داخل الجماعة، وفي السؤال الأبدي: من نحن، وأين نقف بين الأمس والغد؟

من السودان إلى قطر، ومن ألمانيا إلى تركيا، عرّفت ليلى آدم العالم على لغة خزف سودانية الطابع، حداثية الروح. معارضها الفردية والجماعية هي شهادات حضور ومحطات نور في سيرة فنانة تحتفي بالتراث كمستودع للحنين وكطاقة للإبداع.
الخزف كحوار بين الماضي والحاضر
في أعمالها، لا ينتهي التشكيل عند الطين، بل يبدأ منه. فهي تبني على ما مضى، وتحلم بما يمكن أن يكون، في محاولة جريئة لتقريب المسافة بين الجذور والسماء. من خلال كل منحنى، وكل نقش، تعيد ليلى آدم كتابة ذاكرتنا، وتعيد تشكيل الذات السودانية في قالب فني معاصر ينبض بالحياة.
هكذا تُنقش ذاكرتنا من جديد، على يد خزّافة سودانية مبدعة، تعيد كتابة الذات في كل قطعة… كل وجه… كل انحناءة ضوء على طينٍ كّتبت له حياةٌ خالدة.
كمال هاشم
القاهرة. يوليو 2025