
من منشورات دار أصالة للنشر صدر للقاصة سحر شحادي” جوارب جدتي” وقام بالرسومات الجميلة والمعبرة الفنان التشكيلي حسين الربيعي وهذه السردية مواصلة وتراكم كمي وكيفي لمن استهوتهم الجدة حضورا وقصا وحكايات مسموعة وحياة معاشةوفي هذه القصة لم نستمع لقصة شخصياتها من الزمن الغابر شخصيات تحمل صفات وأوصاف غرائبية وعجائبية وأماكن مرعبة وأحداث مخيفةأو حكايات عن الحب والفرسان والأميرات
رغم إشارة الكاتبة لهذه المحطة الحياتية لكل الأحفاد اذ تقول البطلة” نلتف حولها لنسمع منها أجمل الحكايات” وهذا تقييم أولي وصادق لأولى القصص المسموعة من الجدات وهكذا تتم زراعة حب القصص ومطالعتها بعد الكم الحكائي المسموع والذي تتنوع مواضيعه وحكاياته وأبطاله ولعل بعض الجدات يحدثنا الفرق عبر مسرحة القصة وتقديم النص على شاكلة تفاعل قولي- حركي لمزيد شد الحفيد والحفيدة وهو مثال الجدة لطيفة إذ تقول الحفيدة” في حكايات جدتي الشخصيات لحيوانات تحاول تقليد أصواتها مرة تقلدها بشكلها الصحيح ومرة تخطئ وتخلط بين أصواتها فتعلو ضحكاتنا عاليا عاليا” أظنها مقصودة لتحصد الضحكات التي تسعدها قبل إسعادهم
كما ذكرت الساردة بالتقليد العائلي الذي بدأ في الاختفاء والتقهقر وهو زيارة الجدة والجد في نهاية كل أسبوع نظرا لمشاغل العائلة اليوم والتزاماتها العديدة وتم تعويض هذه الزيارة إما بزيارة مرة في الشهر او باستقدام الجد والجدة للبيت للم الشمل وإسعاد الأحفاد الذين يحبون عوالم الجدات لا فقط الحكايات بل الأطباق الشهية أيضا والتقليدية بعيدا عن الأكلات السريعة التي أرهقت بطونهم والتذوق لتستمتع الحفيدة في هذه القصة مع جدتها الطباخة الماهرة خاصة في صنع اللبنة البلدية التي لم تذق أطيب منها بعد “تصنعها من اللبن وتكورها ككرات الثلج الصغيرة تغمسها بزيت الزيتون وتقدمها إلينا في لفافة خبز شهي” والحمص المحمص والسكر نبات.
وعالجت القصة هنا فضول الطفلة في هذه المرحلة العمرية الحرجة والهشة وكانت الفكرة طريفة كيف ترتدي جدتها الأنيقة جوارب مختلفة الألوان والأشكال “فلا يماثل الجورب الآخر في شكله أو لونه” والقلق والحيرة تواصلا ولم تجد لهما جوابا وتفسيرا خوفا من إزعاجها بسؤالها المحرج ربما ليرتفع منسوب حيرتها بعد أن شاهدت جدتها أمام خزانتها لتختار في الأخير جوربا مختلفا عن الأخر وقادها فضولها لمعرفة سر هذا الاختيار المقصود لتفتح درج الجوارب ثم تفتح الجدة مع حفيدتها الدرج للمرة الثانية وفطنتها وخبرتها في الحياة جعلتها تنتبه لحيرة حفيدتها منذ الوهلة الأولى لتقتنع في الأخير أن الاختيار مقصود وأن جدتها لا تخطئ بل “هي فقط تلبس ما تريد وبطريقتها الفريدة وكما تحب”.
لتقدم الساردة درسا هاما من خلال هذه القصة أن نكون نحن نحن لا أن نكون نسخ من بعضنا البعض طلبا لرضاء الآخرين وأن تكون السعادة في اختياراتنا لا فيما يريد الآخر لنا ويوجهنا كما يريد لنفقد شخصيتنا وتذوب في تأثير الآخر وتدخلاته في حياتنا وخياراتنا وتصرفاتنا وهكذا نرضي الآخر على حساب ذواتنا واختياراتها التي نراها صحيحة وموفقة .
نص” جوارب جدتي” سافر بنا بين ى الضحكات والقبلات والرقصات والحكايات الجميلة الممسرحةوالأكلات الشعبية اللذيذة في مطبخ الجدة اللطيفةككل جدات الحفيدات هنا وهناك في هذه المعمورة مع أخلاق الجدة التي لا تزعج أحدا وتحب الجميع وهذه الأخلاق يمكن تمريرها في هذه اللقاءات الحميمية بين الجدات والأحفاد.
فلقد استفادت الحفيدة في هذا اللقاء المتكرر لكن هذه المرةأهمية اختيار طريق السعادة الذي نسطره والذي تحتاجه الذات في تفاعلها مع المحيط ومع الأخر كما عبرت الرسوم على مدى الارتباط العضوي بين الحفيدة والجدة لطيفة ارتباط جسدي جسدته الرسوم بالتصاق الحفيدة وحضنها لجدتها في أكثر من صورة وعاطفي حس حركي كالرقصات وتريد أن تكون جدتها أنيقة بان ترتدي جوارب متشابهة لكنها في الأخير وفي كل زيارة تختار لها جوارب مختلفة طلبا لرضاء جدتها وإسعادها ولأن قصص الطفل بها العديد من المفاتيح والكلمات ذات الصدى داخل السرد أو نقطة هامة تراكم تشكل شخصيتها ومن ضمن الكلمات وصداها العميق عالم الحيوان في القصص الموجهة للطفل ولقد تذكرت البطلة قصص الحيوانات لذلك مازال العديد من كتاب أدب الأطفال تكون قصصهم وأبطالها من هذا العالم الجميل والذي يستحسنه الأطفال .