أدب

“الزيتونة المباركة” … حديث الشجرة: الموسم  والأجواء

بقلم: طارق العمراوي، تونس

“الزيتونة المباركة” … حديث الشجرة: الموسم  والأجواء

بقلم: طارق العمراوي، تونس

صدر للكاتبة هدى قطاطة بوصرصار قصتها ” الزيتونة المباركة” وقام بتأمين  اللوحات التشكيلية الفنان بلال بوعزيز .وهذا النص  يحدث الفرق عبر إعطاء إحدى شخصياته التميز والتفرد والحضور وفي مساحة  هامة من جمل وفقرات القصة شخصية غالبا ما أهملتها القصص الموجهة للطفل والناشئة وانتصر كتاب القصص للجدة على حساب الجد.

وها هي تقدم الجد وقد ألبسته العديد من الصفات ومنها رجل وقور  ومحب للناس عرف بحنكته وواسع المعرفة في تقييم أولي لحفيده الذي ترتبط به علاقة دموية وقرابة لكن القارئ – الطفل سيقتنع بما قيل عن الجد خاصة واسع المعرفة فأمام تطلع الطفل للمعرفة وفضوله وجد من يزوده بالمعارف والتقاليد والعلوم.

فعن المعارف والعلوم فقد أطنب الجد في ذكر فوائد الزيتون زيتا وحبا وورقا والفيتورة والمرجين وجذوعا بعد موت الشجرة  بعد قرن زود الجد حفيده بكل هذه المعارف  بحب وحنو كي لا يمل السامع الحديث  الذي سيطول خاصة بعد أن جلس الحفيد وحده تحت شجرة الزيتون ومما عده في حديثه أن زيت الزيتون يعزز صحة القلب  ويعالج آلام الركبة ويحرب الامراض الجلدية وهو نافع للرضيع ويخفف من حدة السعال ومما يدعم الارتباط العضوي بين الجد والحفيد شغف الفضول   وقنص المعلومة  والظفر بها  عندما قال الحفيد :” هيا يا جدي الحكيم أخبرني عن منافع ورق الزيتون فقد اشتد بي الفضول لمعرفة كل شئ عن شجرة الزيتون  واوراقها الخضراء الساحرة”

وصولا للصناعات التقليدية التي يقول عنها الجد “بعد قرن من الزمن أو أكثر من التعمير والعطاء فإننا نستفيد من خشبها في صنع  الأواني المنزلية و أدوات المطبخ التقليدية الجميلة فصناعة خشب الزيتون من أقدم  الصناعات وتصدر منتجاتها من تماثيل خشبية منقوشة وتحف تقليدية في منتهى الجمال والروعة”

وأما التقليد فهي الأجواء التي تحف بهذا الموسم الفصلي موسم أشبه ما يكون بمواسم الأعياد مع الأجواء المفعمة بالحب  والانسجام والتآزر وطبخ الشاي وإعداد الأكل وزغاريد النسوة وغنائهن .

كما صاحب النص شذرات حول الطب الشعبي الذي يعتمد  الزيتون ورقا أو زيتا للتداوي  وقد عددت منه الكاتبة مع معجم علمي- طبي  سيساعد الطفل – القارئ على مزيد تعميق ثقافته عبر فتح الكتب والحواسيب لفهم هذه المصطلحات التيبس العضلي والصدفية والإلتهابات  الرئوية ومرض الباركيسون والزهايمر والنقرس والكلوروفين.

ومن الرسائل التي اشتغلت عليها الكاتبة ومما أرادت قوله سردا أهميه العائلة الموسعة اليوم قبل الغذ  وارتباطها بدار الجد  واللقاءات المتكررة بين أبناء الخالات والعمات  والأحفاد أمام  المشهد اليومي وقلة هذه اللقاءات و الجلسات وهو حنين متبادل يزيد من تماسك العائلة الموسعة التي أفقدها اليومي ومشاغله كل هذه الأجواء المشحونة بالحب والوئام والتآزر.

علاقة الجد بالحفيد عبر تمريره  ثقافته  وأخلاقه بالقول وبالفعل كأن نرد التحية بأحسن منها  في لقاء الجد بالمستثمر وهو درس في التحية المتبادلة  شاهدها الطفل قبل قولها أو توجيهه لقولها .

كما احس الحفيد إن حديث الجد مسكون  بالحب والحنان مرة ماسكا  يده وأخرى في جلستهما تحت شجرة الزيتون  و تشجيع الجد حفيده على طلب  العلم وانتباهه لذكاء حفيده وفرحته بتفاعله معه.

كما مرر للطفل حب الشجرة  والمحافظة حتى اقتنع  الطفل بمسؤوليته في النسج على منوال جده اليوم وغدا   ورغم الأموال الطائلة التي أراد بها المستثمر شراء حقل الجد والإغراءات ورغم المشقة والمتاعب التي علق عليها الطفل في حديثه مع الجد قائلا:” وأنا كنت أعتقد أنك ستوافق لاسيما أنني كثيرا ما أراك تتذمر من قلة الأمطار ومن مشقة تقليم الأشجار بعد الجني و كذلك يحز  في نفسي أن أراك ترهق نفسك في سقي الزياتين خوفا عليها من الجفاف والتلف وكذلك  عند تسميد  كامل الحقل في فصل الشتاء بالسماد  العضوي الذي من انفكت أسعاره ترتفع من سنة إلى أخرى.”

كمال للجد  ثقافة عامة ذات طابع موسوعي في حديثه عن الحمامة زمن الطوفان العظيم مع النبي نوح الحفيد و هذا  مازاد تعلق الحفيد بجده  ليعتبره كما قال في أول القصة “جدي هو مثلي الأعلى و قدوتي في الحياة”.

ومن هنا نتفق كقراء مع هذا الطفل  المعجب بجده ثقافة  وأخلاقا وحبا لأرضه وعائلته.

إن  نص “الزيتونة  المباركة” لصاحبته هدى قطاطة بو صرصار جاء محدثا الصغار عن هذه الشجرة المباركة وخلفهما  الأرض  الطيبة  وخلفهما عادات وتقاليد توجب المحافظة عليها  كانت لغتها ساحرة تشد الطفل -القارئ ليتابع مسار القصة خاصة وهي تعبر عن طفل مثلهم.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى