
تتوالى قصص الدكتورة روز اليوسف شعبان لتراكم مدوّنتها كمًّا وكيفًا، وها هي تنشر مؤخرًا نصّها “شمس وقمر” عن دار الهدى – منشورات 2025، في 28 صفحة. أنجزت الرسومات الفنانة التشكيلية آلاء أحمد، وتولى الشاعر جميل داري التدقيق اللغوي، أما التنسيق فكان لـ آلاء مارتيني. وقد طرحت الكاتبة هنا رؤية جديدة تراكم بها سردياتها الموجّهة للطفل.
من العنوان كعتبة نصّية وبصرية يكون المدخل إلى المتن، فالكلمتان في تناغم شكلي ومضموني رغم الاختلافات الظاهرة والخفية. “شمس وقمر” يحكي عنوانُه علاقةَ صداقة، وتدعم هذه الفرضيةَ الابتسامةُ الجميلةُ ومسكُ اليد. فكل علاقة إنسانية فيها مدٌّ وجزر، وهذا ما أرادت الكاتبة تمريره، إذ إن الحراك البشري يولّد دائمًا ما لم نضع له حسابًا. وفي القصة مدٌّ وجزر وحسابات أخرى قدّمتها الكاتبة بأسلوب قصصي نوعي يقدّم العقدة والإشكال، لكنها صاغت الحلَّ والانفراج في إخراجٍ سرديٍّ أغنى النصَّ المقروء للطفل القارئ وللناقد الذي يتتبع السردية بحثًا وتنقيبًا وتفكيكًا، وليس هذا بغريب على قلم تميّز في أدب الطفل.
اعتدنا أن نقصد بالشمس هذا الكوكب الوهاج، وبالقمر هذا الكوكب المنير، لكن تفاعلًا مع الطبيعة وجمالياتها وإبداع الخالق فيها، اتخذ البشر من هذه الثروات الطبيعية أسماء لطرقاتهم ومشاريعهم وحتى لأبنائهم؛ مثال: وردة وزهرة وشمس وقمر. وهكذا الحال في هذه القصة، إذ تتجسّد البطلتان في هذا التداخل بين الطبيعة والرمز. فقد رُسمت شمس بشعرٍ أشقر لتقول معتزّة بجمالها:
“أنا جميلة كالشمس في ساعات الغروب، خداي محمران، ووجهي مشرق، شعري أشقر كلون الشمس، أنا أجمل منك يا قمر.”
أما قمر، فشعرها كسواد الليل الذي ينيره وجهها، إذ تقول:
“أنا جميلة كالقمر، وجهي مدوّر كالبدر، خداي منيران، ووجهي ضاحك مثله.”
وفي هذه السن يكون التباهي وحب الذات طبيعيَّين، شرط ألّا يتحولا إلى نرجسية وحبٍّ مفرط، كما ظهر في بقية السرد القصصي. وقد انتهى الحوار بإشارات الغضب التي بدت على البطلتين، فانتبهت والدتاهما إلى ما حدث.
هنا استطاعت الكاتبة تقديم والدين متفهمين قادرين على استيعاب الخلاف والجدل العبثي العقيم وحلّه بطرق ودية، إذ اعتبرت والدة قمر أن كلا الطفلتين جميلتان، ولكلٍّ من الكوكبين أهميته. وشجعتا الطفلتين على الاعتذار من بعضهما، مع تقديم معلومات ومعارف عن الكوكبين؛ فالشمس هي المصدر الرئيسي للضوء والحرارة والطاقة، وهي مهمة لحياة الكائنات البشرية والطبيعية، ومحركة لدورة المياه في الطبيعة.
أما القمر فينير الظلمة ليلًا، ويساعد في تحديد الأوقات كالليل والنهار والأشهر. وهكذا تصبح العائلة المدرسة الأولى التي يلجأ إليها الأطفال لفهم العلاقات والكون. فعند غياب الشمس والقمر، لجأت الطفلتان إلى والديهما لفكّ الطلسم وإيجاد جواب لاختفائهما، إذ غضب الكوكبان وأرادا أن يعطيا درسًا للبنتين، فانتبهت شمس وقمر لمضارّ غيابهما على البشر والطبيعة.
مرّرت الكاتبة عبر هذا السرد رسائل تربوية وثقافية ومعرفية في حديثها عن الشمس والقمر، وحب الذات، ووجود العائلة المتفهمة — لا تلك التي تخاصم غيرها من أجل الأبناء، حتى وإن كانوا مخطئين — مع التأكيد على عادة الأسرة المحبّذة في الذهاب إلى الحدائق والمنتزهات آخر الأسبوع للترويح عن النفس وتبادل الأحاديث واللعب على الأراجيح. ويُلاحظ غياب الهواتف الذكية في القصة، وهو أمر مقصود، إذ يحتاج الطفل إلى المساحات الخضراء التي نفتقدها هذه الأيام.
كانت لعبة الاتفاق والاختلاف في خط تصاعدي لينتهي بخط مستقيم: بدأت الأجواء باتفاق ولعب مشترك واستمتاع بالحديقة والأراجيح، ثم حضرت الذات فبدأ الخلاف والاختلاف، ثم جاء الاتفاق الثاني بين الشمس والقمر في إعطاء دروس مباشرة للطفلتين، واتفاق الأهل على ضرورة الاعتذار والتصالح كصفات يجب أن يتحلّى بها الطفل في مسيرته الاجتماعية في الشارع وباقي الفضاءات.
تختم الساردة بخطٍّ مستقيم لا خلاف ولا اختلاف فيه، فالتصالح والعفو والاعتذار بعد الغضب الطفولي والعبثي يولّدان هدوءًا وطمأنينةً نفسيةً مطلوبةً دائمًا وأبدًا، في انتظار شروق جديد “يبدّد الظلام” ويزيل بقايا الخلاف.