أحداثإعلامجاليريشخصيات

فلسفة افتتاح المتحف المصري الكبير.. هدية مصر إلى العالم

بقلم: د. ضياء الدين حلمي رئيس الاتحاد العربي للتدريب - مجلس الوحدة الاقتصادية العربية

د. ضياء الدين حلمي
رئيس الاتحاد العربي للتدريب
مجلس الوحدة الاقتصادية العربية

مصر: تاريخ ما قبل التاريخ

لن ينسى العالم مصر، وتحديدًا اليوم الأول من شهر نوفمبر عام 2025، وما زلنا، ومنذ عهد ما قبل التاريخ، لا نترك العالم ينسانا.
فالحضارة الفرعونية قبل آلاف السنين قدمتنا إلى العالم خير تقديم، ولا يمكن اختزال حضارة أجدادنا قدماء المصريين في معجزة بناء الأهرامات. أي أني أسجل – بإنصاف وواقعية – ومعي ملايين الخبراء على مدار التاريخ، أن بناء الأهرامات في حد ذاته معجزة هندسية كاملة الأبعاد.

ولكن… ما أشير إليه أنها لم تكن المعجزة الوحيدة لأجدادنا، فقد عرفنا قبل تاريخ العالم، بل وقبل تأسيس الدول نفسها، علوم الإدارة والطب والهندسة، وعلوم الأديان والروحانيات، وفنون الزراعة والصناعة… وقبل كل ذلك وبعده، قمنا بتأسيس أول جيش نظامي قوي في التاريخ. إنها مصر العظيمة، التي لا تحتاج إلى شهادة من أحد لإقرار ذلك.

والآن افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي “المتحف المصري الكبير” ليصبح أكبر متحف في العالم مخصصًا للحضارة المصرية القديمة، بل وليمثل هذا الافتتاح المبهر خطوة بارزة في مسار طويل لبناء مؤسسة إبداعية تُقدَّم فيها آثار مصر الفرعونية في إطار حديث يجمع بين العرض المتحفي، والتقنيات الرقمية، والتكنولوجيا والابتكار.

إنها “حكاية شعب”… ومستقبل أمة… وفخر أجيال.

إن أهمية المتاحف في العالم أنها بمثابة وثائق تصنعها الشعوب لتسجل من خلالها منجزات التقدم في كافة مظاهر الحياة.
والمتحف المصري الكبير كان رسالة إلى الدنيا أن الماضي لا يموت، والمتحف يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مختلف عصور التاريخ المصري القديم، من بينها كنوز الملك توت عنخ آمون التي تُعد من أبرز وأندر المجموعات الأثرية في العالم، والتي اكتُشفت داخل مقبرته الشهيرة بوادي الملوك عام 1922.

يقع المتحف على مساحة تقارب 500 ألف متر مربع قرب أهرامات الجيزة، ويضم 3 قاعات رئيسية فاخرة للعرض الدائم تحتوي على 12 قاعة داخلية. وبمفهوم عصري، يضم المتحف بين جنباته أماكن خاصة بالأنشطة الثقافية والفعاليات مثل متحف للأطفال، ومركز تعليمي، وقاعات عرض مؤقتة للسينما والأفلام الوثائقية، ومركز حديث للمؤتمرات، وكذلك العديد من المناطق التجارية التي تشمل محالّ تجارية متنوعة، ومطاعم، بالإضافة إلى الحدائق والمتنزهات.

لهذا كان المتحف المصري الكبير في صدارة صحف العالم… حدثًا تاريخيًا ينقل الزوار في رحلة ساحرة داخل كنوز الفراعنة. قناع الذهب لتوت عنخ آمون يجذب الاهتمام العالمي، ويعكس الركيزة الأساسية لاستراتيجية مصر الطموحة لتطوير السياحة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصحف الإيطالية ركزت على البعد الثقافي والحضاري للمتحف، باعتباره مشروعًا عالميًا يرمز إلى التعاون الدولي واستقرار مصر في منطقة الشرق الأوسط.

ونشرت مجلة Domus الإيطالية المتخصصة في العمارة والتصميم تقريرًا وصفت فيه المتحف بأنه تحفة معمارية فريدة تُعيد تعريف العلاقة بين التاريخ والمستقبل، مشيرة إلى أن تصميمه المذهل المطلّ على أهرامات الجيزة يعكس رؤية معمارية حديثة تجمع بين العراقة والابتكار.

وافتتاح المتحف المصري الكبير ليس حدثًا أثريًا أو سياحيًا فحسب، بل تكمن فلسفته في أنه قيمة مضافة إلى السياسة المصرية والاقتصاد المصري، وجذب جاد وحقيقي للاستثمارات التي باتت تثق في مناخ الاستثمار في مصر، وتلمس بشكل مباشر الاستقرار والأمان الذي تتمتع به مصر في منطقة التوتر والصراعات الجيوسياسية.

ومن زاوية أخرى، فإني أميل إلى ربط الحدث بالتحالف المتوسطي الجديد بين مصر والاتحاد الأوروبي بعد الزيارة التاريخية للقيادة المصرية إلى بروكسل منذ أسابيع معدودة، حيث إن المتحف يمثل رمزًا لاستقرار مصر ودورها المتصاعد في محيطها الإقليمي، وافتتاحه يتزامن مع توجه أوروبي متزايد وجاد نحو دعم مشاريع التنمية الثقافية في مصر وجنوب المتوسط.

إن تسليط الضوء على الحدث التاريخي في هذا التوقيت يشير إلى مرور قرن كامل على اكتشاف القناع الذهبي لتوت عنخ آمون على يد عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر في 28 أكتوبر 1925، والذي كشف عن القناع بعد فتح التابوت الداخلي للفرعون الصغير، بعد سنوات من البحث المتواصل منذ عام 1907، بالتعاون مع اللورد كارنفون في منطقة دير المدينة قرب الأقصر.
وأصبحت عبارة كارتر الشهيرة: “نعم، أرى أشياء رائعة” رمزًا للاكتشاف الأثري الذي أثار موجة عالمية من الاهتمام بمصر القديمة، عُرفت باسم “الهوس بمصر” أو Egyptomania، امتدت لتشمل الفن والسينما والموضة، وجعلت علم المصريات مادة جماهيرية.

إنّ المتحف المصري الكبير، الملقَّب بـ الهرم الرابع، يمتدّ على مساحة 500 ألف متر مربع، منها 85 ألف متر مربع مخصصة للمعارض الدائمة. ويضمّ تمثال رمسيس الثاني العملاق بارتفاع 12 مترًا، والذي يعود إلى أكثر من 3200 عام، حيث يُغمر بضوء طبيعي خافت يمنح المكان رهبةً وعظمة، ويروي التمثال قصة مصر القديمة إلى جانب آلاف القطع الأثرية التي تحكي مسيرة الحضارة الفرعونية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد وحتى العصر البطلمي.

وقد صُمِّمت قاعات العرض بطريقة متسلسلة تأخذ الزائر في رحلة زمنية عبر حياة الفرعون الصغير، مع مساحات واسعة وسقوف عالية تتيح تجربة مشابهة لزيارة موقع أثري حقيقي، إضافة إلى مخازن حديثة وورش ترميم للحفاظ على الكنوز للأجيال القادمة.

ولم تكن مصادفةً أن يقف المتحف المصري الكبير شامخًا بجوار الأهرامات العظيمة، وكأنه بوابة حضارية تجمع بين الماضي الفرعوني والمستقبل الحديث، مؤكِّدًا قدرة مصر على الجمع بين التراث الثقافي العريق والتجربة السياحية والتعليمية الحديثة.

ويُعدّ الافتتاح حدثًا استثنائيًا على مستوى العالم، ليس فقط لعرض الكنوز الفرعونية الأشهر، بل أيضًا لتعزيز مكانة مصر كمقصد ثقافي عالمي يجذب الزوّار من مختلف أنحاء المعمورة.

إنّ المتحف المصري الكبير يمثل الركيزة الأساسية لاستراتيجية مصر الطموحة لتطوير قطاع السياحة؛ فقد استقبلت مصر خلال عام 2024 رقمًا قياسيًا من الزوار بلغ 15 مليون سائح، ونسعى إلى مضاعفته ليصل إلى 30 مليون زائر سنويًا بحلول عام 2030، ونحن نؤمن بأنّ المتحف الجديد سيكون المعلم الرئيسي لتحقيق هذا الهدف.

وليس المتحف المصري الكبير مجرد مَعْلَم أثري، بل هو مشروع وطني واستثماري عالمي يجسد رؤية مصر 2030 لتنمية السياحة والثقافة والاقتصاد، ويعيد للعالم سحر الحضارة المصرية في ثوب القرن الحادي والعشرين.

أما عن الحضارة المصرية القديمة، فهي بالفعل من أعرق الحضارات في العالم، وقد تمركزت على ضفاف نهر النيل، وبلغت ذروتها في عصر الدولة القديمة المعروف باسم عصر بناة الأهرامات، وذلك في الفترة من نحو 2686 إلى 2181 قبل الميلاد.

برز في هذا العصر الملك العظيم خوفو، أحد فراعنة الأسرة الرابعة، الذي اشتهر ببناء الهرم الأكبر بالجيزة، أحد عجائب الدنيا السبع، كتتويج لقوة وثروة الحكام آنذاك، ودليلٍ على التطور الهندسي المذهل الذي لا يزال يبهر العالم حتى اليوم، خاصةً إذا علمنا أنّه في ذلك الزمن البعيد لم تكن هناك أدوات بناء متقدمة ولا علوم هندسة حديثة، وهنا تكمن المعجزة الحقيقية.

إنّ الملك خوفو بحق هو عبقري الزمان والمكان، ونحن لا نفخر به لمصر وحدها كأحد أجدادنا المصريين القدماء العظماء، بل نفخر به أيضًا للإنسانية جمعاء على مرّ العصور منذ فجر التاريخ.

كانت مصر القديمة أو الحضارة الفرعونية حضارةً عريقة نشأت في شمال شرق إفريقيا، وتمركزت على ضفاف نهر النيل، في ما يُعرف اليوم بجمهورية مصر العربية.
وقد تعود بداياتها إلى عصر ما قبل التاريخ، وازدهرت بعد التوحيد السياسي بين مصر العليا والسفلى على يد الملك مينا موحِّد القطرين نحو عام 3200 قبل الميلاد.

وتُعدّ أهرامات الجيزة من أبرز رموز هذه الحضارة، ويُعزى نجاحها إلى قدرتها على التكيّف مع الزراعة في وادي النيل، حيث أسهمت فيضانات النهر المنتظمة وأنظمة الري المتقنة في إنتاج فائضٍ من المحاصيل، مما أتاح نموّ السكان وتطور المجتمع والثقافة.

ومع توافر الموارد، استُغلت المعادن في الوادي والمناطق الصحراوية المحيطة، وظهر نظام كتابة مستقل، وتنظيم للبناء الجماعي، ومشروعات زراعية وتجارية كبرى، إلى جانب تكوين جيش قوي لتأكيد الهيمنة المصرية.

عرف المصريون القدماء مبكرًا تقنيات استغلال المحاجر والبناء والتشييد، وهو ما أتاح بناء الأهرامات والمعابد والمسلات بهذه العظمة. كما امتلكوا علم رياضيات متقدمًا، وطوّروا تكنولوجيا الزجاج، وأنظمة فعّالة في الطب والتحنيط والري والإنتاج الزراعي، وصنعوا الخزف وأول القوارب الخشبية في التاريخ.
ومن ناحية أخرى، ابتكروا الحروف الأبجدية، وقدموا للعالم أقدم معاهدة سلام في التاريخ الإنساني، التي أبرموها مع الحيثيين.

لقد تركت مصر القديمة إرثًا خالدًا للبشرية جمعاء، اقتبس منه اليونانيون والرومان، وما زال العالم يكتشف فيه الجديد حتى يومنا هذا. وقد نُسخت العمارة والفنون المصرية على نطاق واسع، ونُقلت آثارها إلى مختلف بقاع الأرض.

وللحقّ والإنصاف، فإنّ الحضارة الفرعونية القديمة أثّرت بعمق في مسيرة الإنسانية، وألهمت خيال الرحّالة والكتّاب على مدى آلاف السنين. كما أدّت الاكتشافات الأثرية في مطلع العصر الحديث إلى نشوء علمٍ جديد هو علم المصريات، الذي ما زال حتى اليوم يكشف أسرار هذه الحضارة العظيمة.

أما الملك خوفو (خوو – فوو)، فهو اسم الولادة للفرعون المصري القديم الذي حكم في عهد الأسرة الرابعة من عصر الدولة القديمة، حوالي عام 2580 قبل الميلاد.
ويُعرف أيضًا بالاسم الهيليني خوبوس أو شوبوس باليونانية، كما ورد عند المؤرخين الإغريقيين ديودور الصقلي وهيرودوت.
وقد سُمّي الهرم بذلك الاسم لأنه كان يُجسّد لحظة تحوّل الملك خوفو – بعد العام الخامس من حكمه – من ملك بشري، مثل أغلب الملوك السابقين، إلى إلهٍ، على غرار إله الشمس رع تمامًا.

جاء الفرعون خوفو إلى العرش وهو ثاني ملوك الأسرة الرابعة بعد أبيه الفرعون سنفرو، وأمه هي حتب حرس.
أما زوجته فهي ميريت إيت إس الأولى، وأبناؤه هم خفرع، وجدف رع، وحتب حرس الثانية.

قام الملك خوفو ببناء الهرم الأكبر في الجيزة، وهو واحد من عجائب العالم السبع القديمة، كما ساهم في تطوير العديد من المعابد والمشروعات الزراعية.
وقد عكست هذه الإنجازات الكبرى قوته الحضارية، ودلّت على اهتمامه بالتخطيط العمراني والمشروعات الهندسية التي غيّرت مسار التاريخ المصري القديم.

يُعَدّ هرم الملك خوفو أو الهرم الأكبر بالجيزة من أعظم ما شُيّد في تاريخ الإنسانية، ليس فقط لضخامته ودقة تصميمه، بل لما يحمله من رموز ومعانٍ دينية وكونية عميقة لدى المصريين القدماء، وخاصة عند صاحبه الملك المتفرّد خوفو.

لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن الاسم الأصلي لهذا الهرم لم يكن “هرم خوفو”، بل كان يُعرف في النصوص المصرية القديمة باسم «آخت خوفو»، أي «أفق الملك خوفو».

فما معنى هذا الاسم؟ ولماذا اختاره الملك خوفو اسماً لهرمه الفريد؟

في اللغة المصرية القديمة، تعني كلمة «آخت» الأفق، أي المكان الذي ترتفع منه الشمس وتشرق بين الجبلين.
وكان هذا المصطلح يُستخدم للدلالة على مكان الميلاد والبعث بعد الموت، أي لحظة الشروق التي ترمز إلى التجدد والخلود.

إذن، «آخت خوفو» تعني “أفق خوفو”، أي الأفق الذي يُبعث منه خوفو من جديد ويتّحد مع إله الشمس رع.
لقد اعتقد خوفو أنه سيصير إلهًا مثل رع، أو على الأقل مرافقًا له في رحلته الأبدية في السماء، في عالم الأحياء نهارًا، وفي عالم الموتى ليلًا.

الأمر، كما ترى عزيزي القارئ، هو معادلة حضارية معقدة: فالهرم الأكبر تجسيد لعظمة الملك خوفو، الذي عرف القيادة والإدارة الاستراتيجية قبل أن تُعرف علوم الإدارة، وعرف الفكر الديني والروحي قبل نزول الأديان السماوية، وابتكر العمارة والهندسة قبل اختراع علوم الهندسة والرياضيات.

بل إن الأهرامات الثلاثة تمثل بناءً عبقريًا استمر ثابتًا آلاف السنين، دون أدوات بناء متطورة، حتى إننا ما زلنا حتى الآن لا نعرف يقينًا: كيف فعلوا ذلك؟

وللإجابة عن سؤال: لماذا سُمّي الهرم «أفق خوفو»؟
نقول إن المصريين القدماء كانوا يؤمنون بأن الملك، بعد وفاته، يتحوّل إلى إله، ويصعد إلى السماء ليتّحد مع الإله رع، إله الشمس.
ولذلك لم يكن الهرم بالنسبة لهم مجرد مقبرة، بل سُلّم سماوي يصعد عليه الملك إلى عالم الخلود، حيث النجوم الشمالية التي لا تغيب، كما ورد في كتابات الفراعنة بالهيروغليفية في نهاية عصر الأسرة الخامسة.

كان الهرم إذن بوابة الملك إلى الأبدية.

وهناك أدلة كثيرة على مفهوم هذا التحول في فكر الملك خوفو؛ منها، على سبيل المثال، بناء حجرة دفنه في الثلث الأعلى من هرمه، حتى يكون قريبًا من القمة التي كانت ترمز في الفكر الديني المصري إلى بداية الخلق، حيث استقر الإله آتوم أو رع وخلق نفسه بنفسه، ثم خلق الكون، وفقًا لمذهب هليوبوليس في الخلق.

ومن هنا، ووفق معتقدات الفراعنة، تحوّل الملك خوفو إلى إلهٍ خالد في عالم السماء، وكتب لنفسه الخلود الأبدي مثل الإله رع، وأصبح هرمه — «أفق خوفو» — هو النقطة التي يصعد منها إلى عالم الخلود، تمامًا كما تظهر الشمس كل صباح من الأفق الشرقي لتبعث الحياة من جديد.

وهكذا لم يكن الهرم مجرد مكان لدفن جسد الملك، بل رمزًا عظيمًا للبعث والخلود والتألّه في فجر الدولة القديمة.

هرم خوفو

هندسة الهرم والاسم: العلاقة بين الشكل والرمز

يعكس تصميم الهرم دقّة هندسية مدهشة، بارتفاعه الهائل الذي بلغ في الأصل أكثر من 146 مترًا، وارتباطه بالنجوم الشمالية التي لا تغيب، في تجسيد رمزيٍّ بديعٍ لفكرة أن يكون نقطة التقاء بين عالمي الأرض والسماء.

وكان ذلك يتوافق تمامًا مع معنى الاسم «آخت» أي «الأفق»، حيث تُشرق الشمس وتبزغ أنوارها، في إشارة إلى بدء الحياة من جديد وبعث الموتى، وهو الحلم الذي راود المصريين القدماء جميعًا، ملوكًا ومحكومين.

ولم يكن اسم «آخت خوفو» اختيارًا عشوائيًا أو جماليًا فحسب، بل كان يحمل في طياته عمقًا دينيًا وفلسفيًا يعكس نظرة المصري القديم إلى الكون، وإلى الحياة بعد الموت، وإلى مكانة الملك المؤلَّه في الدنيا والآخرة.
فهو اسم يربط الأرض بالسماء، والزمن بالخلود، والإنسان بالإله.

ولعلّ هذا الاسم وحده يكفي ليدلنا على عظمة حضارةٍ استطاعت أن تدمج بين الفن والعلم والدين في حجرٍ ما يزال شامخًا منذ أكثر من 4500 عام.

ولا تزال حضارة المصريين القدماء تحمل في طياتها الكثير من الأسرار الغامضة. وقد جاء الدليل العملي على ذلك في كشفٍ أثريٍّ حديثٍ لمقبرةٍ عمرها نحو 4000 عام، اكتُشفت بجوار الهرم الأكبر — كشفٌ فريد من نوعه يعود إلى عصر المملكة القديمة، وتحديدًا إلى عهد السلالة الخامسة من الفراعنة المصريين.

ولا تزال جدران المقبرة تحمل نقوشًا تُصوِّر صاحبها وزوجته جالسين أمام مائدة الأضاحي، إلى جانب تماثيل بالحجم الطبيعي منحوتة في الصخر، في مشهد يفيض بالحياة والقداسة.
وكانت المفاجأة حين فُتحت حفرة صغيرة حديثًا أظهرت وجود بقايا تابوت خشبي مزخرف، وأوانٍ خزفية سليمة، وهي من القرابين الجنائزية التي كان المصريون القدماء يضعونها لتعين الميت في رحلته إلى الدار الآخرة.

ونقول اليوم للعالم أجمع:
إننا نحمل لكم من مصر رسالة حب وسلام، ودعوة مخلصة إلى تفاهم الحضارات وتقارب الشعوب، والعمل المشترك بين المفكرين والمبدعين لرسم خريطة عالمٍ جديدٍ متقدّمٍ ومثقفٍ يتّسع لنا جميعًا على أساسٍ متينٍ من العدل والمساواة والقيم النبيلة.

ولتكن الكتب والمؤلفات والشعر والمسرح واللوحات الفنية بديلًا عن الحروب والصراعات.
نعم، نحن معًا نستطيع.

إن الرسالة التي نوجّهها إلى العالم هي أن مصر تحافظ على تراثها — تراثٍ لا يخص المصريين وحدهم، بل الإنسانية جمعاء.

د. ضياء الدين حلمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى