أدبشخصياتلقاءات

ترانة محمد بين الشعر والنثر … أيقونة أذربيجانية للإبداع

مقابلة الكاتب ميخوش عبد الله مع الشاعرة والكاتبة والمترجمة السيدة ترانة محمد

الشاعرة والكاتبة والمترجمة الأذرية السيدة ترانة محمد

 – السيدة ترانة، أهلاً وسهلاً بكِ. كيف حالكِ؟
– شكرًا جزيلًا. أتمنى لك الخير.

– يهمّني، كما يهمّ القرّاء، أن تقدّمي نفسكِ في بضع جمل. كيف تحبين أن تعرّفي بنفسكِ لقرّائكِ؟
– أنا إنسانة عادية أحبّ التوازن في كل شيء، وأقدّر الاتزان في الحياة اليومية، وأتعامل مع نفسي ومع من يحترمونني بأقصى درجات الاحترام.

– بالنسبة للإنسان، فإن أعزّ وأحلى الذكريات هي ذكريات الطفولة. كيف تتذكرين تلك السنوات؟ وهل يمكنكِ أن تشاركينا حادثة لا تُنسى من أيام كان فيها والداكِ على قيد الحياة؟
– ذاكرة الطفل قوية جدًا، ولديّ حتى قصة عن ذلك. لو قلتُ إنني أتذكر كل يوم من تلك السنوات البعيدة ولم أنسَ شيئًا منها، فربما ستصدقني. أول يوم لي في المدرسة؛ يد أبي تمسك بيدي وهو يعلّمني كتابة الحروف؛ أمي وهي تمشّط شعري وتجدله؛ بيت جدي في قرية بولادلي في آغدام؛ الأقارب، عمّاتي وخالاتي. وأنا أتحدث الآن تمرّ تلك الأيام الجميلة أمام عينيّ كأنها شريط سينمائي. حقًا، كان كل يوم من تلك الفترة ذكرى جميلة.

الكاتب ميخوش عبد الله مع الشاعرة والكاتبة والمترجمة السيدة ترانة محمد

– كان والدكِ شخصية معروفة ويتولى منصبًا رسميًا. كثيرون مثلي نشأوا مع آباء عاشوا في فقر وحاجة. ورغم أننا كنا سعداء، فقد افتقدنا أشياء كثيرة. يهمني أن أعرف: ماذا كنتِ تفتقدين في طفولتكِ؟
– في الحقيقة، فإن الفترة التي كان فيها والدي يشغل منصبًا رسميًا كانت من نصيب إخوتي وأخواتي الأكبر سنًا. كنتُ أصغر الأبناء، وحين بدأت أعي الأمور كان والدي قد تقاعد بالفعل. ومع ذلك، فإن الاحترام والمكانة اللذين اكتسبهما والدي خلال سنوات عمله الطويلة في أجهزة إنفاذ القانون كانا دائمًا سندًا معنويًا لأسرتنا. لقد استطاع والداي أن يؤسسا أسرة يمكن أن تكون مثالًا للجميع، أسرة لم يكن أطفالها يفتقرون إلى شيء.

وأودّ أن أذكر أيضًا أن والديّ، حتى في أوقات ازدهارهما، كانا دائمًا يمدّان يد العون للمحتاجين. كانت أمي تروي أنه خلال سنوات الحرب القاسية، حين كان والدي يعمل في المفوضية العسكرية، كان يقود السيارة إلى فناء البيت ليلًا، ويفتح صندوقها، وينادي الجيران ليأخذوا الطعام حتى لا يجوع أطفالهم. وقد سمعتُ قصصًا مشابهة من شهود عيان. وأتذكر كذلك أن رجلًا مسنًا لا نعرفه جاء من المنطقة ليقدّم لنا التعزية في جنازة والدي. وكان يبكي وهو يقول: «لولا والدكم، لمات أطفالي جوعًا». لقد عرفنا عن أعمال والدي الخيّرة بعد ذلك بوقت طويل. 

— السيدة ترانة، متى شعرتِ أنك ستصبحين شخصية مهمة في المستقبل؟ لا، دعينا لا نمزح—أسأل بجدية. أنتِ شاعرة، ورسّامة، وكاتبة معروفة، ومترجمة، وضابطة برتبة مقدم متقاعد في وزارة الأمن القومي. هذه ألقاب كبيرة، أليس كذلك؟


— أولًا، دعني أقول إنني لا أعتبر نفسي «شخصية عظيمة»، لأن امتلاك الألقاب التي ذكرتها لا يعني بالضرورة أن يكون المرء عظيمًا. ربما أكون مختلفة فحسب. لو قلت ذلك لوافقتك. فإذا ما وقعت على عاتق امرأة رقيقة عدة مسؤوليات وتمكّنت من الوفاء بها، فقد يُنظر إلى ذلك بوصفه نوعًا من الاختلاف.

لقد شعرتُ بهذا الاختلاف منذ الطفولة. فعلى سبيل المثال، كنت أستطيع استشراف بعض الأحداث، وكانت لدي قدرة على فهم الناس. أحببتُ الكتب منذ الصغر؛ كان لوالدي مكتبة غنية، وكنت أقرأ تلك الكتب بشغف. والآن أرى أن الكثير مما حققته هو نتيجة الأسس التي وُضعت في الطفولة.

— كنتُ أعرف زوجك الراحل، الأستاذ اعتبار، معرفةً طيبة. كان إنسانًا رائعًا، وكانت له مساهمة كبيرة في ترجمة عملي «المرأة الأسيرة». نرجو أن نذكره معنا وأن تحدثينا قليلًا عنه. متى تعرّفتما إلى بعضكما، ومتى كوّنتما أسرة؟ وكيف أثّر فقدانه عليكِ؟
— زوجي الراحل لم يكن يحبّ تعريض حياتنا العائلية للعلن، وكنتُ أوافقه تمامًا. وإن لاحظتَ، فلن تجدني أتحدث في أي مقابلة أو منشور عن أفراد أسرتي أو عن شؤون عائلتنا. لقد ظللنا أوفياء دائمًا للمقولة: «بيتنا قلعتنا». وأظنّ أنه لو قلتُ شيئًا الآن أو كشفتُ أمرًا ما، لكنتُ قد آذيتُ روحه.

كل ما أود قوله هو أننا، نحن الاثنين، بذلنا كل ما في وسعنا لكي يتذكر طفلنا الوحيد والديه يومًا ما بفخر واعتزاز.

— قرأتُ روايتك «السر». إنها عمل رائع. عمومًا، ما هو السر؟ ولماذا لا يستطيع الطيبون حفظ الأسرار؟ حتى في حالتكِ، رغم أنكِ سميتِ الرواية «السر»، فإن جميع أسرار البطل تُكشف في النهاية.
— أشكرك على تقديرك العالي لعملي. السر هو حالة المعلومة أو الخبر قبل الكشف عنه. ولعلّك سمعتَ المقولة: «كل الأسرار تنكشف في النهاية».

كان دزيرجينسكي يقول إن الإنسان حسن التربية وحده قادر على حفظ السر. وأنا لا أوافق على قولك إن «الناس الطيبين لا يستطيعون حفظ الأسرار». ففي الرواية قد أكشف سرّ بطلي للقارئ، لكنني لا أكشف أبدًا سرًا أُودِع عندي. ولو لم يكن الأمر كذلك، لما كرّستُ جزءًا كبيرًا من حياتي لحماية أسرار الدولة والحفاظ عليها طيّ الكتمان حتى الموت.

— كنتِ تكتبين الشعر من وقت لآخر، وما زلتِ تفعلين. وهي قصائد جميلة حقًا. فلماذا انتقلتِ إلى النثر؟ ولديكِ أيضًا أعمال درامية قُدّمت على المسرح. عمومًا، ما الفرق بين الشعر والنثر بالنسبة لكِ؟
— لا أذكر أنني اتخذت خطوة اسمها «الانتقال إلى النثر»، لأنني دخلتُ عالم الأدب عبر النثر لا عبر الشعر. قصائدي ليست سوى مشاعر أرغب في التعبير عنها؛ وكأي أذربيجاني، تخطر ببالي أحيانًا فكرة نظمها في قافية. ولو قلتُ إنني أستطيع التعبير عن الفرق بين الشعر والنثر بكلمة جديدة من ابتكاري، لكنتُ غير صادقة. الشعر شعر، والنثر نثر. لكلٍ مكانته وقوته التأثيرية. أعتقد أن من يكتبون الشعر (وأقصد الشعر الحقيقي) يمتلكون حساسية عالية جدًا، ولذلك هم أقرب إلى الله، وكثيرًا ما يُملى عليهم ما يكتبون. وكلمة «شاعر» مشتقة من الجذر العربي «شَعَرَ» الذي يعني «أحسّ». وربما لأنني أحب الشعر كثيرًا لا أكتبه؛ فأنا أرى أن ذلك مسؤولية عظيمة. ولا ينبغي أن يُفهم من هذا أن النثر مجال لعدم المسؤولية—أبدًا! فإذا كان الخالق قد منحنا، نحن الكتّاب، القدرة على ملامسة قلب الإنسان وإدهاشه بمعنى إيجابي، فإننا قبل كل شيء نتحمّل مسؤولية أمامه سبحانه.

مع فنان الشعب حاجي إسماعيلوف رئيس اتحاد العاملين في المسرح الأذربيجاني

— لقد ترجمتِ العديد من الأعمال. ولنأخذ روايتي «المرأة الأسيرة» مثالًا؛ فقد جاءت الترجمة جميلة جدًا، ويؤكد ذلك القرّاء الناطقون بالروسية. أيهما أسهل بالنسبة لكِ: كتابة عمل أم ترجمته؟ ومن الذين ترجمتِ لهم؟
— تشكّل الترجمة جزءًا من نشاطي الأدبي. وأرى أن الترجمة أصعب من الكتابة. فالمترجم لا يستطيع الخروج عن الإطار الذي رسمه المؤلف، وعليه أن ينقل العمل كما هو. وتكمن قوة المترجم تحديدًا في قدرته على إيصال كلمات المؤلف وروحه إلى القارئ على حالهما. وربما لهذا السبب لا أترجم كل عمل. إذا لم يعجبني العمل، أو لم أستطع أن أتقبله كأنه لي، أو لم أتعلم منه شيئًا جديدًا، فلا أترجمه.
فعلى سبيل المثال، خلال ترجمتي مؤخرًا لكتاب «الأعمال المختارة» للطبيب والكاتب همبت حسن أوغلو إلى الروسية، صادفتُ الكثير من المستجدات العلمية. كما ترجمتُ إلى الأذربيجانية عملًا شيقًا بعنوان «ساعي البريد ليِفا» لمواطنتنا ألكسندرا أزيما راينغاردت المقيمة في ألمانيا. وأود الإشارة إلى أنه رغم ابتعاد الكاتبة عن أذربيجان لسنوات طويلة، فإنها تصوّر في عملها ببراعة العادات والمعتقدات التي حافظ عليها شعبنا.
كما أستمتع على نحو خاص بترجمة مقالات وقصائد تميلة أخوندوفا—وهي ممثلة أخرى للأدب الأذربيجاني باللغة الروسية—إلى الأذربيجانية. فالأعمال التي تكتبها السيدة تميلة عميقة المعنى وشديدة التعقيد من حيث الأسلوب. ومثل هذه الترجمات تدفع المترجم إلى التعلّم وتطبيق معارفه على نحو صحيح.

كما تعلمون، فإن موضوع قره باغ كان جرحًا قديمًا في داخلي، لأنني بوصفـي من أبناء قره باغ عشتُ لوعة الشوق إلى الوطن والناس والأرض. لذلك، ومن دون تطبيق المعايير المذكورة أعلاه على موضوع قره باغ، ترجمتُ كتابين من الأذربيجانية إلى الروسية من دون أن أقرأهما مسبقًا. كانا كتابكم «المرأة الأسيرة» وكتاب «ملحمة النصر» لرحيلة سلطـان قِزِي، المهدى إلى ذكرى شقيقها الشهيد. إن المشاعر التي عشتها أثناء ترجمة هذين الكتابين لن تُنسى أبدًا. وأتمنى كثيرًا أن تُقرأ هذه الكتب وأن تُدرج في المناهج الدراسية، لأن كليهما يعكس صفحات لا تُنسى من تاريخنا. ويُقال إن الترجمتين خرجتا بصورة جيدة. ما أروع أن تُكتب، بعد الألم والحنين والمعاناة، أعمالٌ عن نصرنا، وأن أتمكن من نقل الحالتين معًا إلى القارئ الناطق بالروسية.

— وبالحديث عن الترجمة، فقد ترجمتِ أيضًا كتاب «شارع في القاهرة» للكاتب المصري الكبير أشرف أبو اليزيد (أشرف الدالي) إلى الأذربيجانية. الأستاذ أشرف شخصية كبيرة. ماذا تقولين عن معرفتك به؟
— لعل كثيرين لا يعلمون أنني مترجمة محترفة من العربية. حتى في أيام دراستي ترجمتُ القصيدة الشهيرة «حبيبتي» للشاعر العربي نزار قباني إلى الأذربيجانية. والعبارة التي استخدمتها في الترجمة — «يا آخِرَ حُبّي، يا أوّلَ حُبّي» — نالت استحسان أستاذي في اللغة العربية. لاحقًا ترجمتُ عددًا من الحكايات للكاتب المصري المتخصص في أدب الأطفال سمير عبد الباقي. وقبل عامين تجرأتُ على ترجمة كتاب صغير الحجم عميق الدلالة من العربية إلى الأذربيجانية، هو «شارع في القاهرة» للكاتب المصري العالمي الداعي إلى السلام أشرف أبو اليزيد . وأذكر بفخر وامتنان كبيرين للمؤلف أن هذا الكتاب نُشر في مصر، وقد أُهديتُ نسخة منه.

أشرف أبو اليزيد في باكو بين إلدار وشفيقة آخادوف

التقيتُ  (أشرف الدالي) في لقاء مع قرّاء الكاتب الروسي — ابن بلدنا — الموهوب جدًا والحاصل على العديد من الجوائز، وعضو اتحاد كتّاب أذربيجان، وصاحب عشرات الكتب القيّمة، إلدار أخادوف. عُقد اللقاء أساسًا بالروسية والإنجليزية. وأتذكر أن مخاطبتي للأستاذ أشرف بلغته أسعدته وأدهشته في آن. وبعد ذلك تعرّفتُ أكثر إلى أشرف أبو اليزيد  (أشرف الدالي)، وتابعتُ كتاباته على وسائل التواصل الاجتماعي، واليوم أفخر بمعرفتي الشخصية بشخصية كهذه.

— صوتك يشبه خرير الماء — هل تعلمين ذلك؟ حتى أكاديمينا الراحل ضياء بنيادوف، إن لم أكن مخطئًا، تحدث عن سحر صوتك. هل تعتقدين أن هذا صحيح؟
— هكذا يقولون. كان ضياء بنيادوف هو أول من انتبه إلى صوتي، وفي لحظة كنتُ فيها أطمح إلى أن أصبح باحثة، وجّهني بالكامل إلى طريق مختلف. بعد تخرّجي من الجامعة، كنت أنوي العمل في معهد الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية التي كان يرأسها ضياء معلّم. غير أن لقائي المميّز معه، وبناءً على توصيته وتوجيهه، قادني إلى قسم الإذاعات الخارجية في إذاعة أذربيجان (الذي يُسمّى اليوم إدارة).

في ذلك اللقاء، تحدثنا طويلًا بالروسية والأذربيجانية وأحيانًا بالعربية. وفاجأني بسؤال لا علاقة له بحديثنا:
«هل قال لكِ أحد إن لديكِ صوتًا جميلًا؟»
أجبتُ: «لا، لم يلفت أحد انتباهي إلى ذلك على نحو خاص».
عندها رفع سماعة الهاتف واتصل بمكان ما وقال:
«أرسل إليكم فتاة ذات صوت جميل. خذوها، وليُبثّ صوت كهذا من أذربيجان إلى البلدان العربية».

أقول بصراحة إنني علمتُ لاحقًا أنه كان قد تحدث مع حافظ معلّم، رئيس قسم الإذاعات الخارجية في إذاعة أذربيجان. وبعد فترة، وإلى جانب الصوت القوي والمهيب للراحل فخر الدين قاسموف (نجل الشاعر الشهير قاسم قاسم زاده)، وصل صوتي أنا أيضًا إلى العالم.

ولو قلتُ شيئًا عن صوتي بنفسي لبدوتُ غير متواضعة. لذلك أكتفي بتوجيه الشكر أولًا إلى ضياء معلّم، ثم إلى الأصدقاء الذين قدّروا صوتي واعتزّوا به.

— تحبين الزهور البيضاء والطقس المشمس كثيرًا. وكلها علامات الربيع. وإن لم تمانعي، أقول إنك على أعتاب خريف العمر. من أين يأتي هذا الشباب الروحي؟ ناهيك عن جمالك في هذا العمر، ما شاء الله.
— لستُ على أعتاب خريف العمر، بل في منتصفه تمامًا. لا أخفي ذلك ولا أخفي عمري. تعلمون، أعتقد أن الإنسان كلما تقدّم في السن ازداد تعلّقًا بالحياة. أنا أحب فعلًا الزهور البيضاء والطقس المشمس، وقد كتبتُ عن ذلك كثيرًا حتى إن قرّائي باتوا يعرفون هذه النزعة لديّ. أعترف أنه في هذا الخريف من العمر روحي متعبة بعض الشيء، لكن كيف يمكن للإنسان أن يكتفي من الجمال والطبيعة وتعاقب الفصول؟

أما عن الجمال، فأنا أؤمن بأنه لا توجد امرأة غير جميلة، بل توجد نساء لا يعرفن كيف يقدّمن أنفسهن على نحو كافٍ. وأقول دائمًا إنني ورثتُ القوة والشجاعة من أبي، والرقة واللطف من أمي. رحمهما الله.

— ما الصفات التي تحبينها وتكرهينها في الناس؟
— أحب الصدق، وأكره النفاق.

— لديكِ أصدقاء ومعارف كُثُر، ونحن جميعًا نكنّ لكِ محبة كبيرة. تستطيعين التواصل مع الجميع، وهو أمر صعب. كيف تنجحين في ذلك؟
— ليس للإنسان أصدقاء كُثُر؛ لديّ معارف كُثُر. وكل شخص يحرص عليّ له مكانة خاصة في قلبي. التواصل مع الجميع ليس صعبًا؛ يكفي أن نراعي الخصائص الفردية للناس، وتربيتهم، والبيئة التي نشأوا فيها، وتعليمهم، وألا نطالبهم بما نملكه نحن، وأن نقبلهم كما هم.

— في السنوات الأخيرة واجهتِ محنًا كثيرة: فقدتِ زوجك العزيز، وعانيتِ مشكلات صحية، وهمومًا عائلية ومعيشية، وغيرها. لكن الحمد لله أنتِ واقفة بيننا، وتواصلين الكتابة والإبداع. كيف استطعتِ ذلك؟
— أنا لا أتحدث عن مشكلاتي الشخصية. الناس اليوم بحاجة إلى طاقة إيجابية أكثر. لكن بما أنك تسأل، أقول إنني لم أرد يومًا أن أكون امرأة قوية. حتى في قصصي، شخصياتي النسائية رقيقة، لطيفة، تميل إلى الخضوع، قادرة على المسامحة. غير أن الحياة أصدرت حكمها الخاص، فأصبحتُ امرأة قوية بالفعل. لديّ حتى سطر في قصيدة يقول: «أتعجب من الصبر الذي في داخلي». نعم، عشتُ أيامًا صعبة مؤخرًا، وكانت هناك أيام انهرتُ فيها، وشعرتُ وكأن أنفاسي تتوقف من العجز. لكن أقاربي وأحبتي أحاطوني بالرعاية، أمسكوا بذراعي ورفعوني. وأصدقائي ورفاقي دعموني قائلين: «أنتِ قوية!». إن كنتُ واقفة اليوم، فذلك بفضل الناس الصادقين الأعزاء من حولي. وأنا مدينة لكل واحد منهم بالمحبة.

— ما الذي يقلقك أكثر اليوم؟
— كلما فهم الإنسان الحياة وتقدّم في العمر، تضاءل شعور القلق. ففي يوم ما يدرك المرء أنه لا يستطيع التدخل في الأحداث التي تزعجه وتؤلمه. ما يحدث، يحدث على أي حال. ومع ذلك، فإن إحدى الصفات التي تميّز الإنسان عن غيره هي القدرة على التفكير. ومن يفكّر، لا بد أن يقلق. على الصعيد العالمي، تقلقني الصراعات في مناطق عديدة من العالم، والكوارث الطبيعية، والأوبئة، والتدمير التدريجي للإنسانية، وفقدان القيم.

— ماذا أنجزتِ حتى الآن، وما الذي لم تتمكني من إنجازه، وماذا تودّين أن تفعلي لاحقًا؟
— معظم ما أنجزتُه حتى الآن ظاهر للعيان. أما ما لم أتمكن من إنجازه فهو أمور لا تتوقف عليّ مباشرة. وإذا منحني جلالة الحياة وقتًا، فلا تزال لديّ أشياء أودّ القيام بها.

— وأخيرًا، سؤال تقليدي: لو وُلدتِ من جديد، أي مهنة تختارين، وأي خطأ في الحياة لن تكرّريه؟
— أولًا، أنا على يقين من أن لا أنا ولا غيري نملك إمكانية الولادة من جديد. لذلك لا أودّ الخوض في هذا السؤال وبناء الأحلام، رغم أن رغبتي في أن أصبح طبيبة لا تزال تراودني. كل ما فعلته، وكل الأخطاء التي ارتكبتها، وكل ما أصبتُ فيه أو أخطأت — كل ذلك لي. أما عمّا كنت سأفعله أو لن أفعله، فعلى الأرجح كنت سأفعل الأشياء نفسها مرة أخرى.

— شكرًا جزيلًا لكِ على إجاباتك الرائعة، السيدة ترانه.
— وأنا أشكركم على أسئلتكم العميقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى