
حلّ كتاب «مانسيرة»، الملحمة الشعرية الإنسانية للقرن الحادي والعشرين، ضيفًا على مدينة الرياض، في أمسية ثقافية اتخذت من الشعر أفقًا، ومن الحوار جسرًا، ومن الإنسان موضوعًا كونيًا جامعًا. جاءت الأمسية بدعوة كريمة من نادي نوى الثقافي في الرياض، وبالتعاون مع الشريك الأدبي وجاليري وهج اللون، وتحت إشراف وزارة الثقافة السعودية وهيئة الأدب والنشر والترجمة، لتؤكد من جديد حضور الرياض بوصفها فضاءً حيًا للفعل الثقافي الجاد.
يقول الشاعر عادل خزام محرر الكتاب: “في مساء الثلاثاء، وجدتُ نفسي ضيفًا مشاركًا في هذه الأمسية التي خُصصت لمناقشة واستعراض كتاب «مانسيرة»، الصادر العام الماضي عن دار التكوين في سوريا، وهو عمل شعري ملحمي جمع بين دفتيه قصائد 86 شاعرًا من مختلف أنحاء العالم، ليقدّم سيرة شعرية مركّبة لإنسان هذا العصر، بتناقضاته، وهشاشته، وأحلامه الكبرى.
شاركتني الأمسية الشاعرة والأكاديمية الدكتورة فوزية أبو خالد، رائدة قصيدة النثر في المملكة العربية السعودية والخليج، وصاحبة المشروع الفكري والأكاديمي المؤسس لشعر الحداثة في المملكة. وقد أضفت قراءتها المنهجية والتحليلية للعمل عمقًا خاصًا، قبل أن تهب الأمسية نكهتها الشعرية بقراءتها لنصوص مختارة من الكتاب، من بينها نصها المشارك في الملحمة، ونص الصديق القاص والروائي سعد الدوسري، إلى جانب نصوص أخرى.
وعبر الدائرة التلفزيونية، وبسبب ظروفه الصحية، شارك سعد الدوسري حضورًا وصوتًا، مستعيدًا البدايات الأولى التي مهّدت لولادة هذا المشروع الإنساني الكوني. فقد كان الدوسري أحد الأسباب الجوهرية في تشكّل فكرة «مانسيرة»، حين عملنا معًا، أنا وهو والشاعر البحريني قاسم حداد، على كتابة نص شعري مشترك صدر لاحقًا في كتاب بعنوان «رفيف الظل» عن دار مدارك للنشر، وهو العمل الذي تحمّس له الأديب تركي الدخيل وسعى إلى نشره، بعد أن سبق نشر نصوصه في صحيفة الشرق الأوسط إبان رئاسة الزميل سلمان الدوسري لتحريرها.
أدارت الأمسية باقتدار واحترافية عالية الدكتورة أمل التميمي، مديرة نادي نوى الثقافي، خاصة في ظل ثراء المداخلات وعمق الأسئلة والمقترحات، التي جاءت من نخبة من الأكاديميين والمشتغلين في حقل الفكر والأدب، من بينهم:
الدكتور سعد البازعي، الدكتورة هتون الفاسي، الدكتورة فوزية البكر، وزوجتي الدكتورة هيام عبدالحميد التي أشرفت على الترجمة العربية للملحمة، إلى جانب أسماء الخميس، عبدالله وافيه، سارة الرشيدان، الدكتورة سعاد المانع، والمذيع التلفزيوني المخضرم جبريل أبو ديه، وآخرين وآخريات أسهموا في إثراء النقاش.
تحدّثتُ في هذه الأمسية عن رحلتي في بناء معمار هذا العمل الأدبي، وعن الإشكالات التي واجهتني أثناء جمع النصوص من شعراء العالم، وترجمتها، وربطها ببعضها البعض، لتتشكل في نسيج شعري واحد، ممتدّ ومتفرّع عبر فصول متعددة، يسرد ـ شعريًا ـ سيرة إنسان القرن الحادي والعشرين.
وفي سياق الحوار، قدّم الدكتور سعد البازعي قراءة لمفهوم «العالمية» في الأدب، فيما أثارت الدكتورة هتون الفاسي نقاشًا نقديًا مهمًا حول عنوان الكتاب، الذي يجمع بين كلمة Man الإنجليزية و«سيرة» العربية، معتبرة أنه منحاز لغويًا للرجل. كان رأيًا نقديًا رحّبتُ به بفرح، وأعلنته بوصفه اقتراحًا حيًا قابلًا للتطوير، إذ نخطط لتغيير عنوان الكتاب في النسخ الإنجليزية والصينية المزمع إصدارها قريبًا.
أسعدني هذا الحضور الرفيع من متخصصين وأكاديميين ومشتغلين بحرفة الأدب والفن، وخرجتُ من الأمسية بحلمٍ يتجدد: أن تتولى الدكتورة فوزية أبو خالد قيادة مشروع كتابة «الملحمة الشعرية السعودية» بمشاركة لفيف من شعراء المملكة، وأن تتوالد تجارب الكتابة المشتركة في موضوعات إنسانية ووطنية عديدة، في المملكة وفي مختلف أنحاء العالم.
كانت أمسية «مانسيرة» في الرياض أكثر من احتفاء بكتاب؛ كانت احتفاءً بالشعر بوصفه ذاكرةً مشتركة، وبالإنسان بوصفه جوهر الحكاية، وبالحلم بوصفه مشروعًا مفتوحًا على المستقبل.


