نداء شاعرة قرغيزية تلخص تجربة جيل كامل من المبدعين

قرأت رسالة صادقة ومفعمة بروح الدعابة الممزوجة بالألم من الشاعرة ألتيناي تيميروفا (Altynai Temirova)، وهي رسالة تتجاوز كونها شكوى شخصية لتتحول إلى شهادة إنسانية وأدبية عن واقع المثقف في عالمنا المعاصر، حيث يظل الإبداع سابقًا للاعتراف، وحيث تُؤجَّل الحياة المادية لصالح الوفاء للثقافة.
في رسالتها، تطرح الشاعرة سؤالًا يبدو ساخرًا في ظاهره، لكنه شديد القسوة في جوهره:
هل تنتظر القرض العقاري حتى تبلغ السبعين، أم تتوجه إلى أصدقاء الكلمة من شعراء وكتّاب العالم وتطلق نداء تمويل جماعي؟
سؤال يكشف بوضوح حجم المفارقة بين عمرٍ أفنته في خدمة الثقافة بصدق ونزاهة، وواقعٍ معيشي لا يمنح حتى أبسط أشكال الاستقرار.
تقول الشاعرة، بروح لا تخلو من المرارة والضحك في آن واحد، إنها عملت طوال حياتها في الحقل الثقافي بـ«قلب أبيض»، لكنها لا تزال بلا بيت، تعيش على راتب بالكاد يسد الرمق. وتؤكد، بنبرة صريحة، ألا ينخدع القارئ بجودة أعمالها أو نجاحاتها الأدبية، فالإبداع – كما تقول ضمنًا – لا يعني بالضرورة حياة كريمة.
وتستعيد ألتيناي لحظة تاريخية مفصلية غيّرت مسار حياتها: عودتها من موسكو بعد إتمام دراستها، متزامنة مع انهيار الاتحاد السوفييتي. تشير إلى أنه لولا ذلك الانهيار، لكانت مسرحيتها الأولى «نسل العبقري» («باربي آبيز») – المدرجة آنذاك ضمن «الصندوق الذهبي» – قد منحتها بيتًا ولقبًا رسميًا ومكافأة مجزية في تسعينيات القرن الماضي. وتلمّح، دون إسهاب، إلى أعمال أخرى نالت جوائز دولية ومراكز أولى، لكنها تفضّل ألا تذكرها، قبل أن تعترف بسخرية لاذعة: «يبدو أن التواضع لا يزيّن الناس في هذه الأيام».
تكمن أهمية هذه الرسالة في أنها لا تمثل صوت شاعرة واحدة فحسب، بل تختصر تجربة جيل كامل من المبدعين الذين قدّموا أعمارهم للفن والفكر، دون أن يجدوا في المقابل منظومة تحمي كرامتهم المعيشية. إنها رسالة موجهة إلى الضمير الثقافي العالمي، وإلى المؤسسات، وإلى الأصدقاء، وإلى فكرة العدالة نفسها.
بوصفنا محررين ومتابعين للشأن الثقافي، لا يمكن قراءة هذه الكلمات باعتبارها شكوى عابرة، بل ينبغي التعامل معها كوثيقة إنسانية وأدبية، تذكّرنا بأن الشعراء لا يطلبون الرفاه، بل حقهم البسيط في حياة تحفظ كرامتهم، تمامًا كما حفظوا هم كرامة اللغة والروح عبر قصائدهم.



