
مقال الجمعة | الجزء الثاني من معرض سماح جاليري
رؤية للفنان والناقد والروائي عبد الرازق عكاشة
الفنانة د. راندا الحلو، صاحبة المزاج اللوني المميز، في معرضها مع دكتور معتز كمال، الذي تناولت أعماله في الجزء الأول من المقال.
اليوم أتناول دكتورة راندا، التي تركت أثرا تعبيريا مهما في نفوس الحاضرين، وفتحت أبواب الأسئلة والحوارات حول الأداء التقني واستخدام الكولاج أحيانا، مع فنانين كبار أمثال الفنان د. رضا عبد السلام، والفنان د. أحمد حسين، والفنان د. أحمد الشامي. ففي الحقيقة تحمل أعمالها روحا تعبيرية رمزية مهمة ومؤثرة.
لتسجل لوحاتها أهمية مميزة في إطار تلك الرمزية التعبيرية، المدرسة المصرية الأصلية، التي يعتبر رائدها الأساسي في مصر القدير د. حامد ندا. أما راندا الحلو فهي فنانة تحمل من الجمال والبساطة في الشخصية المصرية الأصيلة، تركيبة من الطيبة والنقاء والصفاء والتصالح مع النفس، مما يساعدها في صنع أعمالها ذات طابع خاص، تكتسي بروحها وتلك الصفات المزروعة في شخصيتها.
فيكفي حين يدخل قلبك باب القاعة، لأننا لا بد أن نقف في ظل تلك الهوجة من المعارض بين الرث والثمين، بين الأسماء المعروفة والكثير جدا المجهول. أصبحنا هنا لا بد أن نشاهد الأعمال بالقلب وليس بالأسماء، ويتحرك عقلنا تجاه العمل، وهنا هما فيصل الرؤيا الحقيقيان.
فأعمال الفنانة تشعر أمامها أنك أمام فنانة لا تقلد ولا تنقل من أو عن، كما اعتدنا في الفترات الأخيرة. فأعمالها وعالمها خاص جدا، عالمها اللوني غني وثري ومشع، ملون من طراز إبداعي واضح، معالم الطريق فيه بالية، معروفة ومحددة، ومسيطر عليها بإحكام وصدق، مع حالة من الصفاء والتصالح مع النفس، من خلال الأزرق الصافي بدرجاته المختلفة، ذلك اللون النقي وتدرجاته التي تتقابل أحيانا وترتبط مع اللون الأصفر الحي النابض. بين اللون الهادئ واللون الصارخ تسمع صوت عزف الفرشاة.
نقاء شخصيتها ينعكس بجدارة في أعمالها، التي تمثل الخلفية فيها الجزء الأكبر من حالة اللوحة. اللون هو سيد المشهد، أما السطح فهو البطل الأول، حيث تتراقص وتتسابق عليه ملامح الشكل التعبيري. مرات يكون الشكل منحنيا، أو في استطالة، أو اختصار الملامح، لكنه حاضر بحالته الإبداعية والإنسانية. فأحيانا تجده شكلا إما مذعورا، أو خائفا، أو مرتبكا، يريد الذهاب والعودة إلى أصله الفرعوني. فالشكل في النهاية هو حالة سيكولوجية تعبيرية، أو رمزية مبسطة، لكنه ابن الوطن، ليس شكلا هجينًا يقفز على المسطح مجرد إضافة جمالية، لا، هو جزء من حالة الفنانة المزاجية وقلقها الشخصي.
ثم يأتي الكولاج، الذي اختلف عليه بعض الفنانين. ربما نختلف، لكن لا بد من الفهم وترك لغة المشاعر تتحدث، فليس كل ما تراه العين صحيحا، لأن بناء اللوحة في الأساس هو بناء إنساني تحركه المشاعر والحياة الاجتماعية المحيطة بالفنانة. فعملها في مركز الترميم، على ما يبدو، دفعها لعشق تلك التجربة، التي قد تحتاج أحيانا إلى دراسة أعمق وتحليل لوني أكثر بحثا، لكنها في المقام الأساسي تصنع حالة من التاريخ والذوبان في عشق تاريخ الوطن الفرعوني.
مما يدفع الفنانة أحيانا إلى استعمال تلك الصور من الفوتوغرافيا الفرعونية لدمجها مع اللوحة، وهذه مزاجية خاصة جدا قدمتها الفنانة في معرض يستحق المشاهدة. وتستحق الفنانة مزيدا من المساحة في الحضور بالحركة التشكيلية المصرية، تلك الحركة التي توجه بمؤشرات ظالمة كثيرا للبعض، وناصرة كثيرا جدا لبعض الضعفاء والسفهاء في المشهد، لمجرد أنهم أبناء شلة أو أصحاب أصوات عالية.
فنانة مميزة، أعمالها محترمة، مسكونة بالبحث والإنسانية والهوية.
باريس – القاهرة
متحف دارنا
عكاشة



