
كان عام 2025 عامًا حافلًا بالحركة والسفر والعمل الثقافي المتعدد المسارات، عامٌ تتقاطع فيه الجغرافيا مع الإبداع، وتلتقي فيه التجربة الشخصية بالفعل الثقافي العام، في إطار إيمان راسخ بدور الكلمة والفن والمعرفة في بناء الجسور بين الشعوب.
أهم أسفار العام: موسكو نقطة التحول
تصدّرت العاصمة الروسية موسكو أهم محطات السفر خارج مصر في عام 2025. ورغم أنني زرت روسيا نحو عشرين مرة، فإن موسكو كانت في زيارات سابقة مجرد محطة عبور في الطريق إلى قازان، عاصمة تتارستان، إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية. غير أن رحلتيّ سبتمبر ونوفمبر شكّلتا معًا تعويضًا عن ذلك الغياب، ونقطة تحوّل في مسارات ثقافية وفكرية عديدة.
في موسكو عُقد المؤتمر الثاني لمنظمة كتّاب العالم (WOW)، التي أشغل فيها منصب نائب الرئيس، وقد ترأست خلاله مائدة مستديرة حول الإعلام، بالتوازي مع منتدى جمعية شعوب العالم، حيث ألقيت محاضرة في جلسته (التحديث الإنساني بوصفه ضرورةً حتميةً للتنمية المستدامة). ثم عدت إلى موسكو بدعوة رسمية من الجمعية متحدثًا رئيسيًا في اللقاء الصحفي الدولي بعنوان: «دور الصحافة في عالم متغير: كيف تُشكِّل وسائل الإعلام المستقبل»، بحضور أندريه يوريفيتش بيليانينوف، الأمين العام للجمعية. وكانت محاضرتي قد صدرت في كتاب بثلاث لغات (العربية، الإنجليزية، الروسية) تحت عنوان: «الصحافة الحديثة: بين السلطة الرابعة والفوضى الرقمية».
درع إبداعات طريق الحرير: تكريم القيم الإنسانية
في ختام اللقاء الصحفي الدولي أعلنت عن الدورة الأولى لـدرع سلسلة إبداعات طريق الحرير، الممنوحة لشخصية العام بمناسبة مرور عقد على تأسيس السلسلة. وقد مُنحت الجائزة هذا العام للدكتورة ألكسندرا أوتشيروفا، الشاعرة والفيلسوفة وسفيرة اليونسكو للنوايا الحسنة. واحتفلنا بهذه المناسبة بكتابها «الكونية الروسية»، الذي فازت طبعته الإنجليزية الصادرة ضمن سلسلة إبداعات طريق الحرير بجائزة منظمة كتّاب العالم (WOW) في الشعر. والدكتورة أوتشيروفا عضو الأكاديمية الروسية للفنون، ومعروفة دوليًا بدورها في تعزيز الثقافة والحوار والقيم الإنسانية، وتظل إسهاماتها في الفلسفة والشعر وحوار الحضارات ذات أثر عميق في وجدان القرّاء حول العالم. وبهذا التكريم دشّنت سلسلة أدب طريق الحرير تقليدًا سنويًا لتكريم الشخصيات الثقافية التي تجسد أعمالها الإبداعية والفكرية روح السلام، والتميّز الفني، وحوار الحضارات، في تأكيد على أن الإبداع القائم على المعرفة والرحمة والجمال هو أسمى أشكال التواصل الإنساني.
مشروع طريق الحرير: من الرحلة إلى المؤسسة الثقافية
بدأ مشروع طريق الحرير برحلات عبر محطاته بين 37 دولة زرتها، ثم تحوّل إلى موسوعة عربية أصدرتها مكتبة الإسكندرية، وسلسلة للأطفال نشرتها مجلة عربية أسبوعيًا على مدار أربع سنوات تحت عنوان «مغامرات ماجد على طريق الحرير»، إضافة إلى ندوة دورية في واحدة من أبرز المجلات الثقافية العربية، وسلسلة كتب مؤلفة ومترجمة. وتوسّع المشروع ليشمل أنطولوجيا طريق الحرير التي صدرت منها أعمال مثل: «آسيا تغني»، «أمواج المتوسط»، «ألف ليلة وليلة: ألف قصيدة وقصيدة»، «قدماء مصريون وشعراء معاصرون»، وأخيرًا «قصائد نانوية من أجل أفريقيا». بمشاركة مئات الشعراء في قرات العالم كله. ثم جاء موقع «طريق الحرير اليوم» ليكون فضاءً للمجتمع الإبداعي، مع لقاءات رقمية عابرة للحدود، تُوِّجت جميعها بجائزة تحمل الاسم الإنساني والثقافي الخالد. حتى الجائزة التي نلتها هذا العام (شاعر أفريقيا للعام 2025) منحها لي مهرجان يحمل اسم طريق الحرير تنظمه الصين واقيمت دورته الأحدث في دبي!

الترجمة: عبور النصوص بين اللغات
شهد العام نشاطًا ملحوظًا في مجال الترجمة عن الإنجليزية، حيث نقلت نوتيلا «أنا، كليوباترا» للكاتبة الروسية إينا ناتشارفا، واحتفلنا معا بإصدارها مزدوج اللغة (العربية–الروسية) في موسكو. كما ترجمت مسرحية «إيبالي – الجرة المكسورة» للكاتبة النيجيرية إيستر أديلانا. وأنهيت هذا العام ترجمة «ملحمة أوراسيا» للشاعر الصيني تشاو شوي، عن النص الإنجليزي للشاعر الأمريكي جورج والاس، على أن تصدر في يناير 2026. وسيشهد يناير أيضا ظهور روايتي (الترجمان) في معرض كتاب كلكتا بعد الاتفاق مع دار نشر بنبرينت الهندية المرموقة على نشر نسخته الانجليزية.
عناية خاصة بأدب الطفل والناشئة
حظي أدب الطفل باهتمام خاص مني، فبعد صدور كتابي «أبي رسام خرائط» عن دار نشر بيت الحكمة، جمعت قصائدي للناشئة، التي رسمها الفنان الراحل حلمي التوني، ونُشرت سابقًا منجمة، لتصدر في ديوان مستقل بعنوان «الشاعر». كما ترجمت قصة شعبية ثالثة للشاعر التتري الكبير عبد الله طوقاي بعنوان «عروس البحيرة والمشط الذهبي»، بعد أن سبق لي ترجمة عمليه «شورالي» و«العنزة والخروف»، الصادرتين ضمن سلسلة «كتاب العربي الصغير»، التي طُبع من كل إصدار منها آنذاك 128 ألف نسخة قبل توقف السلسلة.
الأنطولوجيا والشعر العالمي
توهّج حضوري في عالم الأنطولوجيا الشعرية عبر الكتاب المرجعي العالمي «الانفجار النووي: وهو مختارات من أعمال الشعراء الممثلين للحركات الشعرية الثلاثة الكبرى في عالم اليوم»، في ثلاثة مجلدات، يضم 36 شاعرًا من 18 دولة وخمس قارات، ويُعدّ – وفق توصيف النقاد – أول كتاب مدرسي عالمي للشعر. وقد ترجم لي فيه الشاعر تشاو شوي عشر قصائد إلى اللغة الصينية.
وفي الهند، صدرت الطبعة الثالثة من أنطولوجيا السبع لغات التي تُعدّها وتحررها الشاعرة والمترجمة ميسنا تشانو، حيث توليت تحرير القسم العربي، مقدّمًا 14 صوتًا شعريًا عربيًا، بالعربية مع ترجماتي الإنجليزية.
وفي الهند ايضا انطولوحيا باللغة الماراتية لصحبة نخبة شعراء العالم وانا معهم بترجمة دكتور بديتفاراج تاور.
كما صدر للباحث الدكتور محمد سعيد كتاب جديد عن رسالته للدكتوراه الي تناولت “الرحلات المصرية إلى الهند: أدب أشرف أبو اليزيد أنموذجًا”، وهو دراسة تحليلية معمقة تستعرض حضور مصر في أدب الرحلة إلى الهند عبر العصور، وصولًا إلى التجربة الخاصة للشاعر والروائي والرحالة المصري أشرف أبو اليزيد.
الحضور الإعلامي واللقاءات الثقافية
التقيت هذا العام بجمهور الشاشة الصغيرة عبر عدة برامج على قناة النيل الثقافية، منها برنامج «كواليس» ونظرة على السينما الكورية، ثم برنامج «من زاوية أخرى» في أبريل للحديث عن كتابي «نجيب محفوظ: السارد والتشكيلي» بمناسبة صدور ترجمته الإنجليزية والصربية. وفي يونيو عدت إلى «كواليس» للحديث عن «سينما أدب الرحلة»، وفي أكتوبر كنت ضيف برنامج «بيت القصيد» لاتحدث عن مسيرتي في الشعر والرواية وادب الرحلة. كما استضافتني قناة العربي 2 للحديث عن فن المنمنمات ورسوم الواسطي في مقامات الحريري.
وشاركت في عدد من الفعاليات الافتراضية منها مهرجان تشاندابهاغا للشعر (CPF) 2025، الذي عقد يومي 11 و12 يناير، في مدينة كونارك التاريخية، بالتعاون مع جامعة سنتوريون ومعهد مجتمعات المعرفة (IKS)، وضم جلسات حوارية، ونقاشات فكرية، وعروضًا شعرية مميّزة، شارك فيها شعراء بارزون من الهند ومختلف أنحاء العالم، في تظاهرة تؤكّد دور الشعر بوصفه جسرًا للتواصل الإنساني والتلاقي الثقافي
أما اللقاءات الحية فتوزعت بين بنها والقاهرة، حيث ناقش نادي الأدب بقصر ثقافة بنها مختاراتي الشعرية «قصائد»، واستضافت شعبة الشعر باتحاد كتاب مصر أمسية مشتركة مع الشاعر محمد عكاشة أدارها الشاعر عاطف الجندي، كما أدار الكاتب د. محمد ماهر بسيوني ندوة موسعة حول «أبي رسام خرائط» في بيت الحكمة، بمشاركة ٢٠ مبدعًا عربيًا.
وعقدنا في متحف دارنا، الذي أسّسه الفنان التشكيلي والروائي الكبير عبد الرازق عكاشة، فعاليتين ثقافيتين بارزتين. تناولتُ في الأولى مسيرتي الأدبية ضمن جلسة فكرية أدارها الدكتور حسين عبد البصير، وفتحت حوارًا مع التجربة والكتابة وتحولاتهما. أمّا الفعالية الثانية فكانت احتفاءً بصدور الترجمة الماليالامية لديواني «ذاكرة الصمت»، وذلك في إطار المنتدى الأفروآسيوي الأدبي الأول، الذي استضاف نخبة من الأكاديميين والنقاد من الهند والوطن العربي، في لقاءٍ جسّد روح الحوار العابر للثقافات، وجعل من الكلمة جسرًا للتواصل الإنساني.
الإنجاز الأكاديمي
ويظل الحدث الأهم على الصعيد الشخصي هو حصولي على درجة الدكتوراه من الجامعة الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا بولاية ديلاوير، عن أطروحة بعنوان: «إدارة الأزمات في الرواية العربية وأثرها الاجتماعي»، تناولت فيها الرواية العربية بوصفها أداة فاعلة للتغيير الاجتماعي، مع تحليل تحولات السرد من السيرة الذاتية إلى البناء الروائي. ويجري حاليًا إعداد الرسالة لتصدر في كتاب عام 2026.
إلى جانب انتمائي إلى حركة الشعر العالمية التي أسّسها الشاعر الكولومبي فرناندو ريندون، وحركة الشعر العظيم التي أطلقها الشاعر الصيني تشاو شوي، ومنظمة كتّاب العالم التي تترأسها الشاعرة الروسية مارجريتا آل، كان لي شرف الانخراط في مسارات ثقافية ومؤسسية متعددة، حملت جميعها الإيمان العميق بدور الكلمة في بناء الوعي الإنساني.
وقد سعدت بالعضوية الشرفية لنادي القلم الفلسطيني، الذي أسّسته وترأسه في القدس الشاعرة الدكتورة حنان عوّاد، تقديرًا لمسيرة ثقافية ترى في الإبداع فعل مقاومة وحفظًا للهوية. كما تشرفت بانتخابي نائبًا لرئيس اتحاد كتّاب أفريقيا عن شمال القارة، ومقره أكرا، في مسؤولية تفتح أفق التواصل بين الأصوات الإبداعية الأفريقية.
وفي السياق ذاته، أتحمّل مسؤولية الأمين العام لمؤتمر الصحفيين الأفارقة، الذي يصدر مجلة شهرية باللغة الإنجليزية من نيجيريا، بوصف الصحافة مساحة للتنوير والحوار العابر للحدود. ويكتمل هذا المسار بعضويتي في المجلس العلمي للاتحاد العربي للتدريب بالقاهرة، التابع لجامعة الدول العربية، برئاسة الدكتور ضياء حلمي، حيث يتقاطع الفكر بالتدريب، والمعرفة بالفعل، في خدمة الإنسان العربي.
هكذا كان عام 2025 عامًا للتكثيف والتأمل والعمل الدؤوب، عامًا تآلفت فيه الأسفار مع النصوص، والترجمة مع الحوار، والبحث الأكاديمي مع الفعل الثقافي. ومع إطلالة عام جديد، تتجدد الأمنيات بمزيد من العطاء، وبأن تظل الثقافة جسرًا إنسانيًا مفتوحًا، والكلمة ضوءًا يقود إلى الفهم، والسلام، والجمال.


