شخصيات

مجنون ليلى بعيون شاعرة إسبانية

للكتب المتآلفة في موضوعها سحرٌ ما؛ بين ديوان قيس بن الملوح "مجنون ليلى" كما رواه أبو بكر الوالبي، أو "مجنون ليلى" السيرة التي كتبها بالتركية مراد سرت أوغلو Murat Sertoglu، أو مسرحية شعرية ألّفها صلاح عبد الصبور وترجمها إلى الإنجليزية د. محمد عناني بعنوان "ليلى والمجنون " Leila and the Madman، وربما كديوان، بالإسبانية والانجليزية معًا، خطته الشاعرة الإسبانية ڤرجينيا فرنانديز كولادو، وأهدته لي في العاصمة الفنزويلية كاراكاس، ليأخذ مكانه رفقة نصوص استلهمت سيرة أشهر عاشقين في تراث الأدب العربي. حينها تشعر كأن الكتب هذه جميعها تتحدث سرًّا على رفوف مكتبتي وهي تتذكر - حين يحلو السمر - حكاية شاعر قاوم الصحراء بالعشق.

اقرأ في هذا المقال
  • Knowledge is power
  • The Future Of Possible
  • Hibs and Ross County fans on final
  • Tip of the day: That man again
  • Hibs and Ross County fans on final
  • Spieth in danger of missing cut

Virginia Fernández Collado. Foto de Jesús de Reyes Fernández-min

دراسة بقلم: أشرف أبو اليزيد

أن تمتلك عيني ليلى

“كي تُملي العيون بجمال المجنون، عليك أن تمتلك عيني ليلى.”

هكذا تستهل الشاعرة الإسبانية ڤرجينيا فرنانديز كولادو حديثها عن ديوانها الأحدث، (أغنيات ليلى)، الذي جسدت فيه دور معشوقة قيس بن الملوح، وأصدرته بالإسبانية والإنجليزية، عن دار نشر أفريقية!

تحكي الشاعرة الأندلسية عن لقائها الأول بقصة (المجنون وليلى) عند قراءة أنطولوجيا “نساء النور”، و“نساء النور” هو الشعار الذي اختير للمؤتمر الدولي حول التصوف النسائي، الذي انعقد في مدينة أفيلا الإسبانية في 29-31 أكتوبر 1999 تحت رعاية المركز الدولي للدراسات الصوفية لتلك المدينة، والتي تغطي جغرافيًا وزمنيًا، وثقافيًا بالتالي، قوسًا واسعًا مثل ذلك الذي يمتد من الصين إلى كاليفورنيا، ويمر عبر الهند، وبلاد فارس القديمة، وشبه الجزيرة الأيبيرية…، أو من العصور الفيدية إلى الخمسينيات.

إن اقتران “النساء” و”النور” ربما يعيد مساءلة الامتياز للأسمى أو المطلق أو الربوبية التي تكتسب عاجلاً أم آجلاً سمات “ذكورية” في ترجمتها الأرضية. مرة أخرى، أصبح التصوف منطقة هامشية  في الفضاء “المضاد للثقافة”، فنقرأ مثلا في هذه الأنطولوجيا عن المرأة الهندية: «إن المرأة الصوفية في الهند ليست فقط غير نمطية بالتأكيد، ولكنها أيضًا مضادة للمعايير؛ أي أن غموضها يضعها خارج النطاق المحدد للنشاط، وبالتالي خارج الحدود الاجتماعية المقررة”، وينطبق على بقية الحالات التي تأتي من الصين ومن الجزيرة العربية ومن كشمير وغيرها، كما أن مؤلفيها يشكلون التعددية التي يتميز بها العمل: فمنهم ممثلون عن جامعات بورتوريكو (لوس لوبيز- بارالت)، وبرشلونة (  بيلار مانيرو)، وجامعة مدريد المستقلة (بيلار غونزاليس)، وأفيلا (أنجليس فالنسيا)، وبنسلفانيا (مايكل سيلز)، بواريس-لا السوربون (بول فينتون)، وكاليفورنيا (كارلوس جي بوميدا)، وإشبيلية (خوسيه أنطونيو أنطون باتشيكو، والمحرر نفسه، (بابلو بينيتو) …

أن تمتلك عيني ليلى

“كي تُملي العيون بجمال المجنون، عليك أن تمتلك عيني ليلى.”

ڤرجينيا فرنانديز كولادو

حازت فيرجينيا فرنانديز كولادو الجائزة الأولى (في الشعر) في مسابقة الإبداع الشبابي الثانية عشرة، سيوداد دي ألميريا (مسقط رأسها) في عام 2011. نشرت قصائدها بإسبانيا وتشيليي وغيرهما بالدوريات الأدبية، وظهرت بعض أشعارها في كتب مشتركة. ولها عدة كتب منشورة، أحدثها (أغنيات ليلى)، كما قامت بتنسيق العديد من مختارات الشعر. وهي أستاذة إدارة الأعمال في التعليم الثانوي وحاصلة على درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة ساو باولو. والدكتوراه في الاقتصاد التطبيقي بالإضافة إلى درجة الماجستير في “الاستشارات المالية” من كلية الأعمال، مدريد.

 

تحدثت فرجينيا عن قيس وليلى  مع زوجها الشاعر المالي الأشهر إسماعيل ديادي حيدرة، وناشر الديوان في دار (فوندو كاتي)، فحكى لها قصة جميلة، قررت بعدها أن تنتقل بها إلى الشعر فأوصاها بقراءة أحمد الغزالي، وهو ما فعلته باهتمام كبير، لأنها اكتشفت اختلاف المراحل التي يمر بها الحب، ويسردها باحثون: ” المحبة، العلاقة، الهوى، الصبوة، الصبابة، الشغف، الوجد، الكلف، التتيم، العشق، الجوى، الدنف، الشجو، الشوق، الخلابة، البلابل، التباريح، السدم، الغمرات، الوهل، الشجن، اللاعج، الإكتئاب، الوصب، الحزن، الكمد، اللذع، الحرق، السهد، الأرق، اللهف، الحنين، الإستكانة، التبالة، اللوعة، الفتون، الجنون، اللمم، الخبل، الرسيس، الود، الغرام، الهيام، التدلية، الوله، التعبد.”

 

تاريخ المجنون وليلى

 تكتب فرجينيا في مقدمتها: “يعود تاريخ المجنون وليلى إلى التقاليد العربية المحلية التي يمكن أن تؤرخ بالنصف الثاني من القرن السابع الميلادي. تخبرنا نسخة من الأسطورة أن ليلى وقيس، المنتميين إلى قبيلتين مختلفتين، وقعا في الحب كما فعل روميو وجولييت؛ وزوّج ليى والداها لرجل آخر، فذهب قيس إلى المنفى في الصحراء برفقة الوحوش البرية والنجوم وحسب؛ وهناك غنى حب ليلى وأصبح “المجنون” مجنونًا، واتخذ هذا الاسم. عندما مات زوج ليلى، ذهبت للبحث عن حبيبها في الصحراء، لكن ليلى لم تعد مرغوبة جسديًا. عاشت ليلى في قلبه، وماتت، مما جعل حبها أبديًا. تعني ليلى باللغة العربية، الليل. كانت قصة الحب هذه رمزًا في الصوفية وكتبها العديد من الكتاب والشعراء على مر العصور.

في هذه النسخة الشعرية من أسطورة المجنون وليلى – تقول الشاعرة الإسبانية “استخدمت بعض الشخصيات أو التعشيقات الشائعة من الشعر الفارسي، والتي تعتبر وتكون خزانا أصيلًا من الصور ذات القيم الرمزية مثل: الوردة-الجمال- الواعية بذاتها. العندليب- حبيبته، التي تغني عن معاناته المزدوجة: أولاً، بسبب ازدراء حبيبته ثم بسبب وفاتها. الفراشة الليلية – التي تجتذبها نار شعلة بشكل لا يقاوم، لا ترفرف حولها فحسب، بل تنتهي إلى إلقاء نفسها فيها، وتستهلك نفسها بالكامل وبالتالي تظهر حبها الكامل. السرو – شجرة زرادشت المقدسة: القامة النحيفة. الياقوت – الشفاه. النرجس – العيون. الهدهد – الرسول المثالي. القمر – جمال الوجه. الجنية – الجميلة. الزنبق – بشرتها.” وهذه النسخة الشعرية من القصة مبنية – كما تقول فرجينيا – على كتاب ليلى والمجنون للشاعر نظامي، في نسخته الإسبانية، والتي تستند إلى النسخة الإنجليزية التي أعدها الدكتور ر. جيلبكي، بالتعاون مع إي. ماتين وجي. هيل، من نسخته الألمانية الخاصة. ولوصف المراحل المختلفة للحب التي يمر بها قيس اعتمدت الشاعرة على كتاب أحمد الغزالي. في هذه النسخة الشعرية من الأسطورة، لتكون الأبيات بصوت ليلى.   

الكتاب مهدت له الشاعرة مرام المصري، فقالت: “عندما تمسك كتاباً بين يديك لتقرأه فإنك تهيئ نفسك نفسياً لاكتشاف ما تخفيه صفحاته، وما المشاعر التي سيمنحك إياها؟ وما الرحلة التي سيأخذك إليها؟ الكتاب الجيد سيمنحك ذلك ويروي نهمك إلى الجمال والشعر والمعرفة. وفي مقدمة هذا الكتاب تشرح فرجينيا قصة عشق الشاعر قيس لليلى.  لقد عاش قيس بن الملوح أولاً في بني عامر، حي أولاد عامر في وادي الحجاج، وادي الحجاز، بين مكة والمدينة. إنها قصة حب عظيمة. إنها قصة حب أبدي، قصة خالدة، نجدها في روميو وجولييت وفي تريستان وأزور، تؤدي إلى الجنون أو الموت.

تستدعي مرام  روايات عديدة تشرح كيف تعرف قيس على ليلى. ومن هذه الروايات كيف أحب ليلى في شبابه، وبدأت مشاعر الحب تنمو وتكبر يوماً بعد يوم؛ كيف عاش في الحرمان والعزلة ومات وحيداً في وادٍ منعزل. وُجِدت جثته فيما بعد في العراء فأخذها أهله، وكان ذلك في القرن السابع للميلاد. وكانوا يلقبونه بمجنون ليلى.

وتروي قصة أخرى كيف صادفهم قيس. فطلبوا منه أن يكلمهم. فنزل عن الحصان الذي كان يركبه، وتحدث إليهم في لقاء بعض الفتيات. فسلم على صبي آخر جاء، فانشغلت الفتيات به. فغنين الشعر له، وأكل معهن. وفيما بعد تجاهلن قيس مما جعله يشعر بالغضب. وفي الصباح التالي، عاد إلى المكان نفسه، لكنه لم يجد الفتيات. فوجد بدلاً من ذلك ليلى. فطلبت منه أن يكلمها. فعاملها بالطريقة نفسها التي عاش بها مع الفتيات في اليوم السابق. وتحدثت معه دون أن تبتعد عنه. فحزن حزناً شديداً، فأشفقت عليه. فأخبرته أنها تحبه في الشعر. وما إن سمعها أغمي عليه. كما تحكي لنا حكاية بانوراما قصة قيس بن الملوح كشاب مولع بالنساء، وأن ليلى العامرية كانت أجمل امرأة في حيها، وأن صديقاتها كن يجلسن معها ويتحدثن معها دائماً. فلما سمع قيس ذلك بحث عنها فرآها وأحبها!

مهما كانت طريقة لقائهما، فقد أشعلت قصة حبهما الخيال وأصبحت مصدر إلهام. فالحب هو المرعى الذي يجد فيه الشعر أغنى طعامه. الحب يعطي الشعر أجنحته ليحلق عالياً وأعلى.

نظامي يصوغ الحكاية

تقول فرجينيا أنها استقت معرفتها بقصة مجنون ليلى التي تروي حكاية  قيس بن الملوح وليلى العامرية من السيرة التي كتبها الشاعر نظامي الكنجوي، وهو شاعر اسمه الحقيقي الياس بن يوسف بن زكي بن موئد، لكنه اختار لنفسه اسم نظامي الذي كان يختتم به أبياته الشعرية. أما اسم كنجوي فيعود إلى أصوله من مدينة كنجة في أذربيجان. وكانت قصة ليلى وقيس فصلا من خماسية عشق كان منها أيضا قصة كسرى وشيرين، من ضمن خمس قصائد سردية طويلة اسمها الكنوز الخمسة (بالفارسية: پنج گنج)، أسماها اللورد بايرون «روميو وجولييت الشرق».

في نسخة نظامي، التي استلهمها بدوره من (المجنون وليلى) لأمير خسرو دهلاف، يقع قيس وليلى في الغرام منذ الصغر وعندما يكبران لا يسمح لهما والد ليلى بأن يكونا معاً، يُصبح قيس مهووساً بليلى ويلقبه عامة الشعب بالمجنون (من الجن) وحرفيّاً تعني مسّه الجن، ذات اللقب الذي أطلق على الشخصية شبه التاريخية قيس بن الملوح من قبيلة بني عامر.

قبل عصر نظامي تداول كثيرون أسطورة قيس في الأخبار الفارسية والقصص الأولية والحكايات الشفهية، ووثقت حكاية المجنون في كتاب الأغاني وكتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة، وجاءت تلك الحكايات قصيرة وغير مترابطة وبحبكة قصصية طفيفة، ليجمع نظامي المصادر الصوفية والعلمانية عن المجنون ويجسدها في صورة حية للعاشقين المعروفين. عقب ذلك تقليد العديد من الشعراء الفرس له حيث كتبوا نسختهم الخاصة من تلك الرومانسية. جذب نظامي الانتباه بعيداً عن الشعر الغزلي العذري والذي يمتاز بشهوانية الانجذاب والهجر للمحبوبة غالباً بسبب التوق الذي لا يمكن تحقيقه.

يقع قيس بن الملوح – كما تقول المرويات الشهيرة والمتداولة – في غرام ليلى، ويبدأ في التغني بحبها شعرا، ذاكراً اسمها كثيراً في قصائدهِ، حتى لقب بالمجنون بها. وعندما طلب يدها للزواج، رفض والدها لأنها ستكون فضيحة إذا تزوجت ابنته شخصاً غير متزن عقليا. تبع ذلك بفترة وجيزة زواج ليلي من تاجر ثري نبيل الأصل من قبيلة ثقيف بالطائف. كان وسيما مع بشرة حمراء ويدعى ورد الثقفي. أسماه العرب ورد نسبة إلى الزهرة الحمراء. عندما سمع المجنون بزواجها هرب من مخيم القبيلة هائما في الصحاري المجاورة. وتخلت عائلته أخيرا عن أملهم في عودته وتركوا لهُ الطعام في البرية. كانوا يرونه أحيانا يتلو على نفسه أبياتا من الشعر أو يكتب بالعصا على الرمال.

أمام المكتبة العامة، وقفت في مدينة باكو، عاصمة أذربيجان، أمام جدارية لصورة الشاعر نظامي، بين أعلام الأدب الأذري، بصحبة صديقي الأذري الروسي الشاعر إلدار آخادوف، وتذكرنا قصص العشق التي خلدها شعرا نظامي، فصارت مصدرا للشعراء من بعده.

وفقا للدكتور رودلف جلبك (Rudolf Gelpke): «قلد العديد من الشعراء اللاحقين عمل نظامي حتى وإن لم يتمكنوا من الوصول لمستواه وبالطبع لم يتفوقوا عليه، كالفرس والأتراك والهنود كتعديد للأهم منهم فقط. حيث أحصي الأديب الفارسي حكمت ما لا يقل عن أربعين نسخة فارسية وثلاثين تركية من قصة ليلي والمجنون.» ووفقا لفهد دستاجردي (Vahid Dastgerdi): «إذا بحثنا في المكتبات الموجودة فسنجد أكثر من 1000 إصدار عن ليلى والمجنون.»

وعلى الرغم من أن القصة كانت مشهورة إلى حد ما في الأدب الفارسي في القرن الثاني عشر إلا أن تحفة أذربيجان التي كتبها نظامي هي من زادت من شهرتها بشكل دراماتيكي في الأدب الفارسي.  

بعض القصص تصور ليلى عامة بانتقالها مع زوجها لمكان في شمال جزيرة العرب، حيث مرضت وماتت هناك. وفي روايات أخرى أنها ماتت من حسرة قلبها لعدم تمكنها من رؤية معشوقها الأبدي. ثم عثر على المجنون ميتا في البرية عام 688 ميلاديًا بالقرب من قبر ليلى. ونقش ثلاث قصائد من الشعر على صخرة قرب القبر، وهي آخر ثلاث قصائد منسوبة له.

 

المجنون في تركيا

في استانبول، كعادتي في شراء بعض الكتب النادرة، جذبني كتاب يحمل اسم (ليلى والمجنون) أو بالتركية ( LELÂ iLE MECNUN للكاتب مراد سرت أوغلو Murat Sertoglu، والغلاف يستلهم الأفلام أكثر من واقع البادية، ورأيت أن أتصفحه، وأنقل لكم جزءا من سيرة ليلى والمجنون بالتركية، والتي دون شك استلهمت نظامي بالمثل:

اتضح لقيس في تلك اللحظة أن  نوفل رآه من بعيد، وركب حصانه وجاء خلفه. عندما رأى كيف كان المجنون يصلي إلى الله، غضب فجأة. وخاطبه في غضب شديد:

أي نوع من الصلاة هذه؟ سأل. هل سأسمع مثل هذه الأشياء من فمك؟ واضح أنك شخص مجنون حقًا! على الرغم من أن جيشنا يجب أن يكون منتصراً من أجل مواجهة قبيلة آل ليلى، وأنت تعرف هذا جيدًا، إلا أنك تصلي من أجل فوز الجانب الآخر. هل يليق بك أن تصلي هكذا وأنا قد ضحيت بكل هذا القدر من أجلك؟ أم أنني سمعت خطأ؟ هل تصلي من أجلنا؟

أطرق المجنون رأسه:

لا، لقد سمعت بشكل صحيح! أنا أدعو لهم. وبما أنك سمعت صلاتي، فلابد أنك عرفت السبب.”

يا للأسف! يا للعار! كنت أتوقع كل شيء، لكنني لم أتوقع هذا. اتضح أن هذه التضحية التي قدمتها لشخص مجنون مثلك ليست سوى جنون!

لم يستجب المجنون. غادر نوفل.

استمرت المعركة الشرسة حتى المساء، لكنها لم تسفر عن أي نتائج. بدأ نوفل بالفعل يندم على القيام بهذه المغامرة. في الواقع، لو كان بإمكانه، لكان قد سحب جنوده وغادر في نفس المساء. لكنه لم يستطع فعل ذلك. لأنه في هذه الحالة سيُعتبر أنه قد قبل الهزيمة. ستنتشر هذه الأخبار في كل مكان، وستُدمر كل سنوات شرفه وشهرته. الآن كان عليه أن ينتصر في الحرب التي خاضها بأي ثمن.

في الواقع، في صباح اليوم التالي، جاء على رأس جيشه، وهاجم بعنف شديد حتى أدرك من أمامه أنهم لا يستطيعون المقاومة مهما فعلوا. فاستسلموا حتمًا. وظهر والد ليلى أمام نوفل في حالة بائسة.

تم إحضار الأب إلى القائد فسقط على الفور عند قدمي نوفل:

  • “يا أمير! لقد فزت بالحرب. ها أنت الآن- أنا أيضًا أسير حرب. يمكنك أن تفعل بي ما تريد. فكما أنا أسيرك، فإن ابنتي ليلى أيضًا أسيرتك. يمكنك أن تعطيها لمن تريد. هناك نقطة واحدة فقط. إذا سمحت لي، دعني أقولها أيضًا.”
  • ماذا؟
  • “ابنتي ليلى، ابنة شيوخ قبيلة بني أسد، إنها مخطوبة لابن سلام. وسيقام زفافهما قريبًا أيضًا. أعتقد أنك تعرف هذه القبيلة وتعرف نفسك. إن أخذ خطيبها بالقوة لتزويجها من مجنون سوف يزعج هذا الأمر ابن سلام وقبيلته كثيراً. لا أدري ماذا سيفعلون. لكنك شيخ مشهور بعدالتك. الأمر متروك لك بالكامل لتقرر.”
  • “اسمح لي أن أخبرك أنني أشعر بندم شديد لتولي هذه المهمة الآن. أعتقد أن الشاب الذي خاطرت من أجله بكل هذه التضحيات كان مجنوناً حقاً. لأنه عندما كان يقاتلك بالأمس، كان يدعو لجيشك أن ينتصر، وليس لجيشنا. أنت على حق تماماً في عدم إعطاء ابنتك لمثل هذا الرجل.”

 

 

 

قال لي إلدار آخادوف إنه عندما انتقلت قصة ليلى والمجنون للأدب الأذربيجاني، صدرت نسخة أذرية معدلة بعنوان داستان ليلى ومجنون في القرن السادس عشر كتبها فضولي وهجري تبريزي، واستعار الملحن المشهور عزير حجيبكوف إصدار فضولي واستخدمه في إنشاء ما أصبح أول أوبرا في وسط آسيا، في 25 يناير 1908 في باكو. أما في مصر فعرضت القصة علي المسرح من قبل في أواخر القرن التاسع عشر، عندما كتب أحمد شوقي مسرحيته الشعرية عن تلك المأساة والتي تعتبر أفضل ما كتب في الأدب العربي الحديث. فأحيانا يتم الخلط بين جمل المجنون من المسرحية وأشعاره الأصلية.

 

ليلى … صلاح عبد الصبور

لذلك لم يكن غريبا أن يقدم الشاعر المجدد صلاح عبد الصبور على استلهام القصة في مسرحيته الشعرية ليلى والمجنون، وبما أننا نتناول قصائد شاعرة إسبانية تتحدث باسم ليلى، فلنقرأ ماذا كتب شاعرنا العربي الكبير على لسانها تحاور حبيبها، سعيد:

ليلى: لم لا تؤمن بالمستقبل

سعيد: بل إني أخشاه لأني أؤمن به، أؤمن أن لا بد لكل زمان من مستقبل، أوشك أحيانا أن ألحظه لحظ العين، ولهذا فأنا أبصره ملتفّا في غيمٍ أسود

لیلى : كيف ؟

سعید : فى بلدٍ لا يحكُم فيه القانون، يمضي فيه الناس، إلى السجن بمحضِ الصدفه، لا يوجد مستقبلْ، فى بلدٍ يتمدد في جثته الفقر،, كما يتمدد ثعبان في الرملْ، لا يوجد مستقبلْ، فى بلد تتعرى فيه المرأة كي تأكلْ، لا يوجد مستقبلْ

لیلى : سعيد. فكر في مستقبلنا نحن …

سعید : كانت أمي أيضاً تطمع في المستقبلْ

لیلى : سامحني سعيد. إنك تتحدث عن حالَه ليست أقدار الناسِ جميعاً في هذا السوء

سعید : أنا لا أتحدث عن حالَه بل أتحدث عن حالي

لیلى : فكّرفي الحب

سعید : بل إني لا أحيا إلا للحب

لیلى : سعيد إني أتمناك

سعید : أنا لك يا ليلى

لیلى : لي كي أحملك على أهدابي كالحلم المفقود. إنى أبغي أن أضعك في عيني كالنور. سعيد انظُر لي  والمسني وتحسسني.إنى وتر مشدود يبغي أن ينحلّ على كفَّيك غناءوتقاسيم

سعید : أوه … الجنس. لعنتنا الأبديه. وجه الحب المقلوب

لیلى : لا ، بل وجه الحب المبتسم. سعيد. جسمي يتمنّاك كما تتمنّى الطينة أن تُخْلَقْ. جسمي يتمنّاك كما تتمنّى النار النار

سعید : وإذا انطفأتْ

لیلى : عادت فاشتعلتْ

سعید : نار دنِسه. لا تنتج إلا دنَسا

……

لیلى : سعيد .. حبيبي. وا أسفاه .. إنّك خرِب ومهدم. لا تصلحإلاّ كي تتسكع في جدرانِ خرائبِك السوداء. وا أسفاه

أحببتُ الموت. أحببتُ الموت. “

فرجينيا … صوت ليلى الأنثوي

الواقع أن هذا الاقتباس يحيلني لفكرة صوت ليلى الغائب، الذي إذا استحضره الشعراء، سواء كان الشاعر نظامي أو الشاعر صلاح عبد الصبور، أو غيرهما، فهو أيضا غائب حتى وإن تحدثت. فهي هنا في نص صلاح عبد الصبور تتخلى عن هموم العالم التي يكترث لها حبيبها، من أجل متعتها ومستقبلها. لذلك أجد ما كتبته مرام المصري في تمهيدها للديوان حقيقيا:

“تتحدث فرجينيا عن الحب من خلال ليلى بلسان المرأة. لقد أخذت قوة جنون قيس ومن خلال ليلى أعطت المرأة صوتاً حرمت منه منذ زمن بعيد. التاريخ يمجد الرجال دائماً، ونادراً ما يمجد النساء. بكلمات نقية، تقدم لنا فرجينيا مجموعة شعرية تحكي لنا فيها القصائد عن حب تاريخي قديم. لقد قامت بعصرنته، وكأنه يحدث اليوم. كيف يمكننا أن نكتب عن مثل هذا الحب؟ حب فريد ومجنون في هذه الحقبة من الحب السريع والحب المتعدد والإنترنت حيث كل شيء سهل؟ لأن الحب كان ولا يزال أهم شيء في العالم نبحث عنه، مثل الذهب والماس. نعيش في زمن مليء بالمخاوف والأمراض وانعدام الأمن. نعيش في حرب صامتة. نتمسك بالنور وننسى الظلام وننسى أن نعلن إنسانيتنا. فيها. هذا ما تقدمه لنا فرجينيا، نحن القراء والعشاق، كتاب مليء بالشعر والجمال لأن الشعر يحمي قلوبنا وخيالاتنا من التصلب والجفاف. من يعرف فرجينيا يعرف إنسانيتها ودفاعها عن حقوقنا وحريتنا.

نقرأ كيف ذكرت «ليلى» في العديد من أعمال «آليستر كراولي» وخاصة نصوصه الدينية مثل: (كتاب الأكاذيب)، ويعتقد فيه أن ليلى والمجنون قد وجدا مأوى لهما في قرية في «راجستان» في الهند قبل موتهما. ويعتقد أن قبرهما موجود في قرية «بجنور» بالقرب من «أنوبجار» القابعة في منطقة «سريجانجانجار»، حيث تقول أسطورة ريفية هناك أنهما هربا لتلك المنطقة وماتا هناك. ويأتي المئات من الأحبة والمتزوجين حديثا من الهند وباكستان إلى هناك لحضور المعرض الخاص بهما لمدة يومين في شهر يونيو بالرغم من عدم توافر أماكن للمبيت.

هذا مثير للاهتمام، عندما زرت راجستان، ودخلت تاج محل، لا أدري لماذا خطر ببالي قصة قيس وليلى، ربما لأن الضريح يجسد قصة حب خالدة بالمثل.

هناك رواية طريفة ومختلفة للقصة تأتي على نحو عصري، فقد التقى المجنون مع  ليلى في المدرسة. وقع المجنون في حب ليلى وافتتن بها. عاقب مدير المدرسة المجنون بسبب انشغاله بليلى بدلا من أعماله المدرسية. وبسبب شيء من السحر كانت ليلي تنزف كلما تم ضرب المجنون. علمت العائلات بهذا السحر الغريب وبدأت في العداء ومنعتهما من رؤية بعضهما البعض. ثم يتقابلان مجددا في شبابهما ويتمنى المجنون الزواج من ليلى، ولكن «تبريز» أخا ليلى لا يسمح لها بالزواج من المجنون وجلب العار للعائلة. تصارع تبريز والمجنون بشدة من أجل ليلى وفي النهاية قتل المجنون تبريز. وصل الأمر للقرية وتم القبض على المجنون، وتم الحكم عليه بالرجم بالطوب حتى الموت. لم تتحمل ليلى الأمر ووافقت على الزواج من رجل آخر بشرط بقاء المجنون سالما في المنفى. تم الموافقة على شروطها وتزوجت من الرجل ولكن بقي قلبها متعلقا بالمجنون. عندما علم زوجها بذلك ذهب برجاله إلى الصحراء للبحث عن المجنون. وعندما وجد المجنون تحداه للقتال حتى الموت. وفي اللحظة التي اخترق فيها سيفه قلب المجنون وقعت ليلى منهارة في بيتها. تم دفن ليلى والمجنون بالقرب من بعضهما بعدما صلى الزوج والعائلتين على روحيهما. وتكمل الأسطورة بأن ليلى والمجنون تقابلا مرة أخرى في الجنة حيث أحبا بعضهما للأبد.

من المنمنمات الكثيرة التي رسمت مشاهد القصة بالفارسية، إغماء ليلى والمجنون”، وتُظهرُ حدثًا بارزًا في قصَّة قيس وليلى المأساويَّة الواردة في الكتاب الثالث لِنظامي الكنجوي الوارد ضمن مُؤلَّفه الخُماسي. بعد أن أُبعد كُلًا من قيس وليلى عن بعضهما قسرًا بسبب خلافات عشيرتيّ أهليهما، وأُرغمت ليلى على الزواج من آخر، وانعزل قيس لسنواتٍ طوالٍ في البريَّة، عاد العاشقان الولهانان ليلتقيا مُجددًا للمرَّة الأخيرة قبل موتهما، وذلك بفضل رسول قيس الأكبر سنًا. وبعد اللقاء في بُستانٍ للنخيل يقع خارج مضارب عشيرة ليلى، أُغمي عليهما من شدَّة الشوق والحنين. يظهر العجوز وهو يُحاول إيقاظ العاشقين، بينما تقوم الحيوانات البريَّة بحماية قيس “مجنون ليلى” (“ملك البراري”) ومُهاجمة الغُرباء المُقتربين. إنَّ موقع وزمن هذه القصَّة يُلمَّح إليه عبر الخيمتين المكسوَّتين في وسط الصورة وبالسماء الظلماء في الخلفيَّة. إنَّ أسلوب الرسم والأشكال المُدرجة نمطيَّة بمدينة شيراز خِلال النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلاديّ. كثيرٌ من المخطوطات العائدة لتلك الحقبة وُضعت للتسويق المحلّي وللتصدير إلى الخارج، بدل أن تكون مصنوعة بطلبٍ ملكيّ كما كان رائجًا في الكثير من الأحيان. ويظهرُ أنَّ هذه الرسمة بالذات أُنجزت في نفس الوقت الذي اكتملت فيه كتابة المؤلَّف الخُماسي سالف الذِكر، الذي يظهر على الصفحة اليُسرى من اللوحة.

ولعلي أختتم سطوري بمختارات من ديوان فرجينيا (أغنيات ليلى):

 

***

(1)

في ليل العالم

أسمع الضحك قادمًا من جبال نجد. يا أمي عندما انفصلت عن ذراعيك مثل فتاة نزعت عن ذراعي أمها بكيت نجوما لا حصر لها سقطت من عيني كأضواء صغيرة، لكن في صدري كان هناك أمل لم يأت أبدًا. فالأسُودُ تحرس حبيبي الذي لم أره أبدًا.

***

(2)

في ليل العالم حيث ينحني كل شيء يأتي ظل عما أسأل عنه؛ الرجل الحقيقي.

في ليلة واحدة من ليالي العالم عندما أشعر ببرودة الأرض في قدمي ومغطاة بأوراق الخريف، تغني حشرة اليعسوب ولكن هل يغني اليعسوب حقا؟ يمكنها أن تغني حذاءًا خفيفًا مثل حذاء الملائكة. لقد دخلت مدينة مفتوحة الجدران جوقة من السرافيم تسكن صدري وأرى المجنون بكامل هيأته مثل أمير بالذهب عند قدمي.

 

(من الطريف والمدهش، أنني عندما كنت أترجم هذه القصيدة بالذات، التي تصف فيها الشاعرة الإسبانية قدمي ليلى المغطاة بأوراق الخريف، وجدت في ألبومها صورة موازية، وكأنها كانت تستلهم هذه اللحظات لتطرز بها، كما يفعل فنان أندلسي، بناء قصيدتها)

***

(3)

المدرسة

سرعان ما ذهب إلى المدرسة، حيث ذهب أعز الأطفال من النبلاء بين النبلاء. هناك، كنت، بمؤامرة النجوم بعيون غزال نحيلة مثل السرو.

وقعنا في الحب أحدنا بعد الآخر دون أن نلاحظ العين الحسودة، ولكن ظلا أسود كان يلوح فوق رأسينا: دفعتني عائلتي بعيدًا يا قيس الصغير الذي أصبح منذ ذلك الحين كالمجنون أتجول ذهابًا وإيابًا بحثًا عن الورود من تلك الحديقة التي أحرقت قلبه.

يا بلبلا صغيرا تغني حبي.

أغني مثل البلبل

حبيبي، بارد مثل الربيع يأتي. تطهرك الشمس وتحول بشرتك إلى نقاء، هكذا يناديني ويقول: نقاء، ويرد الصدى: بياض.

على صدره المليء بالزهور استريح وأنا جرو، وكانت المروج خضراء بجسدها المزهر.

وكانت أشعة الشمس بيضاء من يدي حبيبي. العصافير التي تعشش في شعرك تغني رقصة الحب.

تنحدر أنهار وغدران عبر الوديان وفي السنديان تغني البلابل وفي الليلك ترفرف النحلات، تصب الجبال ماء يهمي ويهطل

 

***

(4)

تستقر قبيلة ليلى في منطقة نجد الجبلية

يصل إليّ صوت المجنون كما تكلم الريح السريعة العشب:

في الليل أقترب من خيمتك أيتها الروح التي لا تهدأ، أقبل الغبار الذي يأخذني إلى قافلتك كالياقوت ليلى، يا رياح الجنوب، خذي هذه الرسالة إلى حبيبتي:

 

 

ليلى ارحميني فقد أصبحت هدهدًا: لذا، أرسلي لي نسمة من الريح وحينها، سأعلم أنها أنت

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى