
سعدتُ صباح اليوم بحضور المناقشة العلنية التي عقدتها كلية تونجان الحكومية في تيرور، والتابعة لجامعة كاليكوت، بولاية كيرالا الهندية، للباحث الأستاذ محمد سعيد الذي نال في ختامها شهادة الدكتوراه حول أدب الرحلات المصرية الهند منذ عام 1947، مع إشارة خاصة إلى أعمال أشرف أبو اليزيد”، حيث سلط الضوء على تطور هذا النوع الأدبي وتأثيره في العلاقات الثقافية بين البلدين.
ترأس الجلسة صديقي الدكتور يَنّمْ أحمد إبراهيم، أستاذ ورئيس قسم الدراسات العليا والبحث العلمي في قسم اللغة العربية بكلية ذا نيو كوليدج (المستقلة)، تشيناي، الهند. الذي قدم ملاحظاته الأكاديمية حول الدراسة، وطرح أسئلة على الباحث في صميم العمل.
وقد قرأت كلمة على الهواء، هذا نصها: “في البداية أرحب بالحضور الكريم في كلية تونجان الحكومية في تيرور، والتابعة لجامعة كاليكوت، بولاية كيرالا الهندية، لمناقشة رسالة دكتوراه الباحث الأستاذ محمد سعيد وأطروحته البحثية، التي تناول فيها التأثيرات الأدبية والثقافية لأدب الرحلات المصرية إلى الهند منذ عام 1947م مع إشارة خاصة إلى أعمال أشرف أبو اليزيد في دراسة تحليلية. وأشكر رئيس الجلسة، الدكتور ينَّمْ. أحمد إبراهيم، أستاذ ورئيس قسم الدراسات العليا والبحث العلمي في قسم اللغة العربية بكلية ذا نيو كوليدج (المستقلة)، تشيناي، الهند. وقد التقينا في رحاب الأكاديمية الهندية مسبقا وتحدثنا وعرفت اهتمامه بأدب الأطفال.
اليوم يمتد جسرٌ جديدٌ، شيده البحثُ الجاد، ليصل بجذوره إلى العلاقات الطيبة بين الشعبين في مصر والهند، وهذا التقديرُ المتبادلُ _ الذي يصل إلى العشق _ بين أمتين عظيمتين، بحضارتيهما وثقافاتهما، أمر مهم يستحق الاحترام.
إن هذه الرسالةَ الأكاديمية ستفتح آفاقا جديدة في هذا الحقل المعرفي، وقد كنتُ ممتنا حين تناولت جامعة كاليكوت رواياتي في دراسة أكاديمية لنيل درجة الدكتوراه للباحثة سبينة كي (وصدر في كتاب بعنوان: شعرية السرد في روايات أشرف أبو اليزيد)، واليوم يزيد امتناني حين يضيف البحث العلمي بفضل الباحث النابه محمد سعيد الذي عرض رؤيته لرحلاتي إلى الهند، وزياراتي إلى معالمها التاريخية والدينية والثقافية والأكاديمية.
في الهند نشرتُ أعمالي بالإنجليزية والمليبارية، وعنها كتبت بالعربية والإنجليزية، وأتمنى أن تتاح لي الفرصة مجددا لأطوف بها كما طاف بها الرحالة العرب الأوائل، وأن يصدر قريبا كتابي عن رحلاتي إلى ربوع شبه القارة الهندية.
وأعلن اليوم، أن رسالة الباحث محمد سعيد، ستصدر قريبا في القاهرة، قي كتاب ضمن سلسلة إبداعات طريق الحرير، تقديرا لاختياراته، ولتضاف إلى المكتبة العربية، زادا للباحثين، ونموذجا للدراسة المتعمقة في هذا المبحث الهام. “
الرسالة عبارة عن دراسة تحليلية تتألف من مقدمة وأربعة أبواب وفصول وخاتمة. تتضمن المقدمة لمحة بسيطة عن موضوع البحث وتحليل العنوان والدراسات السابقة وأهمية البحث وإشكالياته وخطته ومنهجه وكلمة الشكر.
يبحث الباب الأول”أدب الرحلة في مصر” في ثلاثة فصول: نشأة أدب الرحلة وتطوره، القيمة الفنية لأدب الرحلة، الرحلة عند المصريين. والباب الثاني يتناول “الرحلات المصرية إلى الهند قبل 1947في ثلاثة فصول: الرحلات المصرية إلى الهند من العصور الوسطى إلى القرن العشرين ،الرحلات المصرية إلى الهند في فترة ( 1900-1947)، التعريف بكتب الرحلات والرحالة.
الباب الثالث “الرحلات المصرية إلى الهند منذ عام 1947” يتألف من أربعة فصول؛ أهداف الرحلة وعوامل ازديادها بعد 1947، وصف كتب الرحلات وتحليلها مع ترجمة الرحالة، الصورولوجيا و تمثلات الأنا والآخر، تأثير الرحلات في الأدب العربي. وأفرد الباب الرابع لدراسة مستفيضة عن “رحلات الشاعر والروائي الرحالة المصري أشرف أبو اليزيد إلى الهند وأعماله في مجال الرحلة في أربعة فصول؛ أشرف أبو اليزيد:حياته وأعماله، علاقته مع الهند ورحلاته إليها، المنهجية وآليات السرد، الموضوعات المطروحة في نصوص الرحلات.
ومن نتائج البحث، بعد تتبع ودراسة مواد الرحلات وتحليل النصوص توصل الباحث إلى النتائج التالية:
استقبلت الهند عددا من الرحالة المصريين منذ بداية القرن العشرين إلى ١٩٤٧م، لأهداف وبواعث مختلفة من السياحة والصيد والاستجمام والسياسة والمهام العلمية والثقافية. ومنها : عجالة في رحلة الهند للشيخ رشيد رضا، رحلة الأمير يوسف كمال، الهند كما رأيتها لفتح الله أنطاكي، رحلاتي في مشارق الأرض لمحمد ثابت، رحلة حسين فوزي، مشاهدات في الهند لأمينة سعيد، رحلة إلى الهند لعبد الوهاب عزام .
إن فترة ما بعد الاستقلال (١٩٤٧)، قد شهدت نسبيا، كثرة الرحلات المصرية إلى الهند، بعدما استقرت الأوضاع والظروف السياسية، وقامت السفارة المصرية في الهند، إلى جانب إنشاء المجلس الهندي للعلاقات الثقافية.
و من أبرز العوامل التي أدت إلى كثرة الرحلات ما يأتي: قيام المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، وتكاتف نهرو مع جمال عبد الناصر في حركة عدم الانحياز وإصدار مجلة صوت الشرق ومجلة الثقافة، وإنشاء مركز مولانا آزاد الثقافي الهندي، وعقد الندوات العلمية والمؤتمرات السياسية والمهرجانات الثقافية في الهند المهام الصحفية والإعلامية.
ومما ساهمت في جذب الرحالة إلى الهند، الرحلات العلمية التي قام بها العلماء الهنود إلى مصر لأجل مواصلة الدراسات العليا في جامعة الأزهر والقاهرة، وفي مقدمتهم الأستاذ الدكتور محيي الدين الواي والسيد عبد الرحمن العيدروس المليباري والسيد محمد علي شهاب الفانكادي والأستاذ أبو الصباح أحمد المولوي، بالإضافة إلى رحلات الشيخ أبي الحسن الندوي الدعوية وجولاته الأكادمية محاضرا ومدرسا ومقابلا مع الكتاب والعلماء المصريين.
هناك قائمة طويلة للرحلات المصرية إلى الهند بعد ١٩٤٧ في شكل كتاب، مذكرة، مدونة، مقال، حلقات من المقالات أو ضمن مجموعة الرحلات، ومنها حسب اطلاع الباحث: الشرق الجديد لحسين هيكل الهند أسرار ومفاتيح لإيهاب الشريف رحلاتي في العالم لنوال السعداوي، رحلة جديدة للتاريخ لحسنين هيكل، تاريخ الإسلام في الهند لعبد المنعم النمر، العالم في ٢٠٠ يوم لأنيس منصور، اكتشاف قارة ليوسف إدريس، عائد من رحلة إلى الهند لعبد المنعم الخفاجي رحلات شاب مسلم في الهند لمحمد الجوادي، نهر على سفر لأشرف أبو اليزيد، جنوبا وشرقا رحلات ورؤى لمحمد المخزنجي، ناماستي لسامية علي، سبع سماوات لسعد القرش البحث عن شاروخان ٤٠ يوما في الهند المهدي مبارك.
أثرت الرحلات المصرية إلى الهند بشكل عام في الأدب العربي من جوانب شتى؛ منها ما لقيت الهند وأدابها وأعلامها، من الذيوع والشيوع في الوطن العربي. وكان الشاعر إقبال ودواوينه الشعرية من اهتمامات عبد الوهاب عزام، وأخرج عبد المنعم النمر كتابا عن الزعيم مولانا أبو الكلام آزاد بشكل رسالة الدكتوراه، وآخر بعنوان تاريخ الإسلام في الهند. وبالمقابل أسهمت الرحلات في ذيوع صيت فنون الهند الهادفة من الأفلام والموسيقى وأشكال الرقص والمسلسلات والنحت والفن المعماري وغيرها من ألوان الفنون العريقة المبهرة، وبشكل كبير في رواج الأفلام الهندية وبوليوود ونجومها الأعلام المفضلين بين مشاهدي الوطن العربي.
وقد ربطت هذه الدراسة مفاهيم ومقاربات مستجدة من الصورولوجيا وتمثلات الأنا والآخر بأدب الرحلة بوجه عام، وكشفت عن طرق تطبيقها في مجال أدب الرحلة، ودورها في تعزيز التفاعل الحضاري والثقافي بين البلاد.

أما عني فأشار الباحث في عرضه الموجز إلى أن “أشرف أبو اليزيد، روائي وشاعر وصحفي مصري ، وكاتب متخصص في أدب الرحلة. له قرابة ٤٠ كتابا في الرواية والشعر وأدب الرحلة والسير الذاتية والترجمة وأدب الأطفال. وقد سجل أشرف تفاصيل رحلاته إلى الهند في خمس مقالات مطولة، نشرها في شتى المجلات ” في أزمنة مختلفة، جمع مقالين في كتاب “نهر على سفر ” باسم تحت سماء كوجرات و عرش السلطان أكبر. وآخر بعنوان “مومباي” قصيدة برية”. وضمن رحلتيه إلى كيرالا في مقالين على خطى ابن بطوطه في قالقوطه ونيلامبور جسر على نهر تشاليار.”
وأضاف: “وظف أشرف شخصيات ورموزا هندية في ثنايا أعماله شعرا ورواية، كما تبلورت صوره وأشكاله في رواية حديقة خلفية، وفي رواية الترجمان، بالإضافة إلى ما قام به من ترجمة قصائد الشاعر أشواني كومار إلى العربية تحت عنوان أشواني كومار قرية الألف مجاز، قصائد من الهند. و صدر له كتاب “فضاء رتيب يبعث على الكآبة”، قام فيه بترجمة ديوان الشاعر الهندي هيمانت ديفاتي إلى العربية بلغة شعر شيقة.”
وسئل الباحث عما ميز أدب الرحلة عندي، فأجاب: “إن رحلات أشرف قد اتسمت بخصائص وميزات فريدة؛ في الرصد والسرد ومنهج التحليل. ومن أبرزها تجريب منهج جديد في تسجيل الرحلات؛ وذلك اختيار شخصية، ثم الرحلة على خطاها في التاريخ واقتفاء أثارها في الحاضر كما حدث في رحلة ابن فضلان في تتارستان التركيز الخاص على الآداب والفنون والتاريخ والعمارة ، الاقتباس من أي القرآن وكتب التاريخ. ومن منهجه الفريد: الجمع بين الأصالة والمعاصرة، والتقليد والتجديد، والمحاكاة والإبداع، يعني محاكاة أعلام أدب الرحلة القدامى، أمثال ابن بطوطة وابن جبير وابن فضلان وياقوت الحموي وابن المجاور والهمذاني، محاولة التجديد والإبداع في المضمون، تقنيات السرد وطرق التحليل والوصف الاهتمام الخاص بالمعالم والآثار الإسلامية ومراكز الثقافة والعلوم الإسلامية. كما جرب أشرف في كتابة الرحلة عددا من تقنيات السرد وآلياته الشائعة في الروايات والقصص. ومن أهمها: استخدام تقنيات السرد المختلفة من الوصف والحوار والعنونة والبنى الزمكانية استخدام تقنية الفكاهية والأسلوب المليء بالطرافة والملح والهزل، الاعتماد على أدب الرحلة المصورة، وتجريب أسلوب الاستطلاعات الصحفية وتطبيقها في أدب الرحلة المعاصرة، توظيف مفهوم تداخل الأجناس الأدبية عبر النصوص، مع الجمع بين المعرفة والمتعة والمغامرة”.
شكرا للهند وابنها الباحث محمد سعيد!