
كل عام وكل نساء العالم بخير
من متحف دارنا
يُذكرني فيسبوك بأننا كنا من أوائل العرب الذين نظموا الاحتفال بيوم المرأة العالمي كل عام، منذ أن كنت أدير أول جاليري عربي في أوروباعام 1993 بشارع موفتار خلف جامعة السوربون.
وقد قمنا بتكريم العديد من النماذج العالمية المتميزة. كنا نتمنى الاحتفال بيوم المرأة اليوموتكريم مبدعات العالم كالمعتاد، لكن ذلك صعب في رمضان. لذا، سنعلن عن المُكرمات يوم 8 أبريل بإذن الله، حيث سيكرم متحف دارنا عشرمبدعات مصريات.
اليوم، أقدم لكم مقالًا مهمًا عن الفنانة الأمريكية أليس نيل، التي احتفت بالمرأة والأسرة، وعرضت أعمالها لأول مرة في باريس.
صباح الخير
كل صباح، تودّع الأرض همومها، تغتسل مع كل غروب شمس، تاركة الفنانين والمبدعين والمثقفين. كل منهم يهضم جرعات وطاقات اليوم، كلحسب أهدافه وأحماله، وما حملوه نيابة عن الآخرين، وما حلموا به بأحلام الصادقين.
الأرض تظلم وتغرب شمسها، تاركة لهم مساحات الظل، ليجلسوا في محترفاتهم ومراسمهم، أمام أضواء المصابيح وشموع وجدانهم،يرصدون ويعبرون عن مسافات الوجع عند الآخرين نيابة عن الإنسانية. الفنان نبي ورسول، وليس مجرد حامل أمتعة ينقلها من الطبيعة إلىالصورة. نعم، هنا هي صورة وليست لوحة إنسانية، تُسمى صورًا، وليست إبداعًا ولوحات.
المبدعون الصادقون يلونون الألم بألوان الفرح. هذه هي المسافة بين الانتقال من العذاب ورحلات الطاقة من السلبية إلى الإيجابية، وبينالانتقال من الغرق إلى انتشال البشرية بجمال لا يُرى بالعين المجردة، بل بجمال البصيرة النابضة الحية.
سر الإبداع
الفنان الصادق والمثقف الإنسان وحده القادر على العبور بنا من هذه إلى تلك، وهذا هو سر لغز الإبداع. عدا ذلك، فنحن بسطاء محدودوالفكر، نحكم على الوردة بأنها وردة، وعلى الفرح بأنه فرح، مثلنا نعيش في بيوت ومراسم سقفها قش ومظاهر مزيفة.
هذا هو الفرق الأساسي بين المحلي والعالمي، بين الإنساني والأناني، بين المنحاز إلى البشرية فيستحق التقدير دوليًا، وبين السطحي الذييُترحم عليه أبناؤه وهم ينتظرون الميراث. نعم، رصيده في الإنسانية صفر، ورصيده في بنك الجهلاء انتقل إلى أبناء أجهل منه.
موسم التعبيرية في باريس
نحن الآن في باريس، موسم التعبيرية البصرية المشهدية بجدارة. التعبيريون انحازوا إلى الإنسانية، ومصابيح مراسمهم أُضيئت لإطعامالآخرين خبز الحرية، خبزًا ملونًا يتراقص ويفرح أصحاب الرسائل الإنسانية. نعم، نحن هنا نقول شكرًا لكل هؤلاء، ونعلن سقوط الأنانيين منرصيد بنك الإبداع.
منذ نهاية العام الماضي وحتى نهاية شهر فبراير، تستمر الاحتفالات التعبيرية ذات الأحجام الوازنة، وأسماء ضخمة أضاءت في سمواتالطلائعية والتجديد (الأفانغارد). متحف أورسيه يحتفل بالفنان مونك صاحب لوحة “الصرخة“، ومتحف الفن الحديث يحتفل بالفنانكوكوشكا، وأخيرًا، يحتفل مركز جورج بومبيدو بالفنانة الأمريكية أليس نيل، التي تميزت بالواقعية التعبيرية أو التعبيرية الحية.
أليس نيل: امرأة مستقلة
أليس نيل (1900-1984) عاشت مأساة التجاهل والتمييز العنصري خلال حياتها في أمريكا، لكنها تعود اليوم لتبرز كشخصية رئيسيةفي الرسم الأمريكي. المعرض الحالي في باريس مُنظم حول موضوعين: الصراع الطبقي في الجزء الأول، والنضال بين الجنسين في الجزءالثاني.
أعمال نيل تعبيرية واقعية، تنقل جماليات الروح للشخص المرسوم حتى وإن كان بائسًا. تُبرز الفنانة لحظات الدهشة والوجع، وتسيطر علىمشاعر الفرح والارتباك. لم تكن استثنائية فقط في اصطياد اللحظات، بل كانت ذكية جدًا في الوقوف أمام الدراما الشديدة للألم والوجع،لتخلق منها حالة لونية مضادة.
الفنان والمجتمع
الفنان ليس فنانًا فقط، بل له دور اجتماعي وثقافي. هذا ما نغفله عند التقييم؛ فنحن نقيم المنتج فقط ولا ننظر لحالة الفنان أثناء التحضيروالإبداع. لهذا السبب لدينا رسامون جيدون لكنهم عديمو الثقافة، فتبدو لوحاتهم مجرد حالة تزيينية لا أكثر.
في الغرب، التقييم يبدأ أولًا من خارج العمل، من مراقبة حياة المبدع وأفكاره وما يقدمه إنسانيًا، ثم ننظر إلى العمل كحالة فنية. وهذا ما فعلهالمعرض مع أليس نيل، التي قدمت نموذجًا للطبقات المختلفة في نيويورك وتعاطفت مع المظلومين ورفضت التمييز العنصري وظلم النساء،فكانت رمزًا للنسوية والعدالة الاجتماعية.

ختامًا
معرض أليس نيل في باريس مهم جدًا على الصعيدين الإبداعي والإنساني، ويحضره جمهور من مختلف أنحاء العالم كل صباح، حتى فيالمطر الشديد.
عبدالرازق عكاشة
متحف دارنا – الجيزة، شارع البحر الأعظم