إعلامجاليري

فيلم “ابنتي” لمازن لطفي: نوستالجيا قوية وواقع باهت

شاهده : أشرف أبو اليزيد

Scenes , My Girl

يُقدّم المخرج والكاتب مازن لطفي في فيلمه الروائيابنتي” (مدته 67 دقيقة) تجربة سينمائية تنطلق من الذاتية نحو القضايا المجتمعية،من خلال بطل الروايةجون، العائد إلى منزل العائلة بعد سنوات من الاغتراب، ليواجه ماضيه وتأثيراته على حاضره. الفيلم، بجرأتهالأسلوبية في استخدام الأبيض والأسود لكل ما هو آني، والملون لما هو مستعاد في الذاكرة، يوظّف لغة بصرية تعكس رؤية نفسية واجتماعيةمعقدة عن الحب، العائلة، والندم.

عمر زهران، فيلم ابنتي

سرد بصري يختزل المكان في الوجوه

وجوه، فيلم ابنتي

من أبرز ميزات الفيلم هو هيمنة الوجوه على الشاشة. عمدت الكاميرا إلى منح الشخصيات المساحة الأكبر عبر اللقطات القريبة والمقربةجدًا، لتضع المشاهد في تماس مباشر مع مشاعر الشخصيات. هذا التوجه يعكس فكرة أن العالم الحقيقي ليس هو الخلفية أو المكان،وإنما هو الداخل النفسي للأفراد. فبدلًا من تقديم مشاهد بانورامية للقاهرة مثلًا (تصوير المخرج)، أو اليابان (تصوير باسم طه)، يتجسدالمكان في تعابير العيون، وفي الصمت المطبق الذي يملأ الفراغات بين الشخصيات.

يظهر هذا بشكل جلي في مشاهد المواجهة بين جون وأخيه، حيث تتحدث الكاميرا عبر نظراتهما المتبادلة أكثر مما تفعله الحوارات. في هذهالمشاهد، تتجلى الهوة العاطفية بين أفراد العائلة، حيث يُصبح الصمت أكثر بلاغة من الكلمات.

المخرج وكاتب الفيلم مازن لطفي

معالجة حسّاسة للمعاناة الإنسانية

يتناول الفيلم موضوع العناية بكبار السن من خلال شخصية الأم المريضة، وتجلّت حساسية الطرح في أحد أقوى المشاهد: مشهدالاستحمام. تعامل المخرج مع هذا المشهد بذكاء، متجنبًا الاستغلال البصري أو إثارة الشفقة المبالغ فيها، بل حافظ على توازن بين العاطفةوالواقعية. الكاميرا في هذا المشهد تتخذ منظورًا حميميًا، لكنها لا تتعدّى الحدود، مما يبرز الجانب الإنساني العميق في لحظة هشاشةقصوى.

السماء كشريك صامت في السرد

من اللافت تكرار اللقطات التي تركز على السماء، وكأن الشخصيات تبحث عن عزاء أو خلاص. تكرار هذه الزوايا قد يحمل دلالات دينية أونفسية، فهو إما تعبير عن دعاء غير منطوق، أو محاولة للهروب من الواقع الثقيل إلى مساحة لا حدود لها. ربما تعكس هذه النظرات أيضًاحالة اغتراب داخلي لدى جون، الذي يبدو وكأنه يبحث عن إجابات لم يجدها على الأرض.

إسقاطات اجتماعية: العائلة بين الاقتصاد والاضطراب النفسي

لا يكتفي الفيلم بكونه سردًا ذاتيًا، بل يقدم أيضًا قراءة للوضع العائلي والاجتماعي، حيث تعاني العائلة من التمزق بسبب الظروفالاقتصادية، ويواجه الأفراد ضغوطًا نفسية تؤثر على علاقاتهم. جون، بشخصيته المتبلدة عاطفيًا، لا يرى سوى تعريفه الخاص للحب، ممايقوده لفقدان كل من حوله، حتى خطيبته التي تعيد له خاتم الارتباط. هذا الصراع بينالفردوالجماعةيتكرر في العديد من الأفلامذات الطابع الاجتماعي، إلا أن مازن لطفي يعالجه من خلال منظور نفسي عميق يجعلنا نتساءل: هل يمكن للذاكرة أن تكون أقوى منالواقع؟

تجربة وجدانية بالأبيض والأسود

ابنتيليس فيلمًا اجتماعيًا تقليديًا، بل هو رحلة داخلية في عقل شخصية مضطربة، تستخدم النوستالجيا وسيلةً للتعافي أو ربما للهروب. الصورة السينمائية بحد ذاتها تلعب دورًا رئيسيًا في صياغة هذه التجربة، حيث تُصبح الذكريات الملونة أكثر حياة من الحاضر الرمادي. هذه المفارقة تعزز من وقع القصة على المشاهد، وتجعل الفيلم تجربة وجدانية بصرية تستحق التأمل.فيلمابنتيليس مجرد حكاية، بلانعكاس بصري لوجعٍ داخلي، وسؤال مفتوح عن معنى الحب والانتماء.

الفيلم بطولة الفنانين عمر زهران، وعارفة عبد الرسول (الأداء الصوتي)، وماري جرجس، وهاجر عمر، وآية ماجدوحسن محمد، و حسينعشماوي، تأليف موسيقى للموسيقار البولندي بيتر نيرمر، فكرة وسيناريو وإخراج مازن لطفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى