
بين عبير الليلك الممتد عبر مئة عام، وهديل القصائد التي ترفرف كأجنحة اليمام فوق معابد الزمن، كتبت مدينة بكين، وتحديدًا حي شيشنغ، فصلاً جديدًا في إرثها الثقافي. ففي الحادي عشر من نيسان/أبريل 2025، أسدل الستار على فعاليات “البحث الميداني” لمهرجان “شعر الليلك المئوي”، والتي أقيمت برعاية دائرة الدعاية التابعة للجنة حي شيشنغ، وتنظيم أكاديمية أكتوبر الأدبية، في معلمين تاريخيين يعبقان بروح الحضارة: معبد فايوان العريق الذي يمتد عمره لألف عام، ومتحف شوان نان الثقافي.
في مشهد شعري فريد من نوعه، اجتمع أكثر من خمسين شاعرًا من أصقاع الأرض، يتقدّمهم الشاعر والمترجم البريطاني ستيفن سميث، والشاعر والمستشرق الألماني لي تشن، إلى جانب نخبة من الشعراء الفائزين في النسخة الأولى من “المسابقة العالمية للشعر الصيني في مهرجان الليلك”، وشعراء الحرم الجامعي ضمن “تحالف شعر الجامعات”، وأعضاء بارزين من رابطة شعراء أمريكا الشمالية.
تلاقى هؤلاء الشعراء في أرضٍ تجمع بين عبق التاريخ ونبض المعاصرة، في حوار شعري عابر للزمن، استلهم من جماليات المكان وذاكرة المدينة، فأضحت رحلة البحث الميداني بمثابة عناق بين القصيدة والتاريخ، بين روح الإنسان وجذور الثقافة.
في معبد فايوان، حيث يتضوع البخور بين جنبات الحجر، انسابت الكلمات كأنهار صافية، تنقش على الجدران القديمة أنغامًا جديدة. وفي متحف شوان نان، تناثرت ظلال الشعر بين مقتنيات الحضارة، لتبني جسرًا بين ذاكرة المدينة وإلهام الشعراء، يربط الحاضر بالماضي، ويبعث في الحروف حياةً جديدة.
كانت المشاهد أقرب إلى قصيدة حيّة، تتجلى فيها العاطفة الإنسانية، وتتعانق فيها اللغات والثقافات في وحدة وجدانية. هناك، فاحت رائحة الحبر من المعابد القديمة، وترددت أصداء القوافي في أزقة المدينة العتيقة، فامتزجت خطوات الشعراء بندى الليلك، وتحوّل المكان إلى مسرح مفتوح لتجليات الكلمة.
لقد تجاوزت هذه الفعالية مجرد كونها احتفالًا بالشعر، لتغدو رحلة ثقافية-روحية نحو الجذور، نحو المعنى، نحو الإنسان. وبهذا، اختُتمت فعاليات البحث الميداني لمهرجان شعر الليلك المئوي، لكن أصداءها ستظل تتردد طويلًا في ذاكرة المدينة، وبين دفاتر الشعراء، وعطر الليلك الذي لا يذبل.